مقالات مشابهة

حرب الصدق والمصداقية والعقول والقادة

– دفعة واحدة تقابل القادة وتقابلت العقول، وكانت المنازلة وفق معايير القدرة على قول الحقيقة والوفاء بالوعود، والعالم كله يراقب ويشهد هذه المواجهة، فكانت لحظة تاريخية أعمق وأكبر أثرا من مفاعيل الرؤوس المتفجرة التي تم تبادلها خلال العمليات الحربية، والحروب تربح وتخسر في هذه الأنواع من اللحظات، حيث تحضر الأرواح والقيم والمهارات وقدرة التحمل وتماسك الشعوب والقادة وتمسكهم بثوابت ومبادئ تعبر عن وجدان جمعي راسخ، فكانت حرب الصدق والمصداقية والعقول والقادة.

– فجر أمس كان كل من المقاومة والكيان على أعلى مراتب القيادة والقرار، يستعدان للحظة فاصلة. فالمقاومة تقوم بتجهيز الرد الذي وعدت به عقابا للاحتلال على انتهاك الخط الأحمر الذي يمثله استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، واغتيال القيادي الكبير في المقاومة الشهيد فؤاد شكر، والكيان يعد لما وصفه رئيس حكومته بنيامين نتنياهو بضربة استباقية لمنع هذا الرد، وخلال النهار وختامه كنا أمام رواية قدمتها المقاومة بلسان قائدها وسيدها السيد حسن نصرالله، تقول إن الغارات التي شنها جيش الاحتلال استهدفت وأصابت عددا من منصات إطلاق الصواريخ، لكنها ليست ضربة استباقية ولا وقائية، لأنها لم تنجح بإلحاق الأذى بأي من المنصات المعدة لتنفيذ الرد، الذي نفذ، وقدمت المقاومة روايتها لمئات الصواريخ التي انطلقت واعترف بها الاحتلال، وغطت منطقة شمال فلسطين المحتلة، وقالت المقاومة إن وظيفة هذه الصواريخ كانت السعي لإصابة أهداف عسكرية مهمة في شمال فلسطين، لكن مهمتها الأصلية هي تضليل للرادارات وصواريخ الدفاع الجوي وخداعها والتشويش عليها لتأمين ممرات آمنة لعبور الطائرات المسيرة نحو هدف نوعي في عمق الكيان، وقد عبرت الطائرات ووصلت الى الهدف، وجاء بيان هيئة البث الإسرائيلية عن استهداف مؤسسة استراتيجية في وسط الكيان تصديقا على رواية المقاومة، لكن رواية الكيان عن الضربة الاستباقية والوقائية كانت فاقعة في درجة اعتمادها على الأكاذيب الى الحد الذي فرض تغييرها مرات عديدة، ودفع بالاعلاميين والمحللين في كيان الاحتلال الى السخرية منها والخجل المهني من تبنيها، فكيف يمكن تصديق ان المقاومة كانت تبني ردها على إرسال 8 آلاف صاروخ الى تل أبيب، وكيف يمكن تصديق ان الكيان قام بتدمير هذه الصواريخ الاستراتيجية، التي يفترض عندما تتفجر ان تهتز الأرض في بيروت وتل ابيب من قوة عصفها التفجيري ومجموعها يعادل أكثر من مليون طن من المتفجرات، اذا حسبنا ان الرأس المتفجر للصاروخ 150 كلغ بينما بعض الصواريخ التي يجري الحديث عنها برأس متفجر يصل الى 500 كلغ و1000 كلغ، وختاما قالت المقاومة عن عمليتها إنها سوف تتابع التقارير لتعرف نتائج العملية وهل هي مرضية ام لا، بينما خرج قادة الكيان يتحدثون بطريقة تستفز كل عاقل عن نجاحهم بتفجير آلاف الصواريخ الاستراتيجية، فمن يكون ربح حرب الرواية الصادقة، والمقاومة دائما تنجح بتسجيل الربح في حرب الصدق، وقد راكمت بفضله رصيدا كبيرا بين مستوطني كيان الاحتلال؟

– حرب المصداقية هي الوفاء بالوعود، أي أن تكون الأفعال إثباتا عمليا لصحة الأقوال، وفي هذا المجال وعدت المقاومة برد اولا، وهي قامت بالرد، وان يكون شجاعا، وهل من إثبات على الشجاعة بحجم اعتراف الكيان بأن مؤسسة استراتيجية في وسط الكيان تعرضت للاستهداف، أي أن خطا أحمر لم يخترق في حرب تموز 2006 تخترقه المقاومة للمرة الأولى من حدود لبنان، وسط تهديدات إسرائيلية بشن حرب ردا على اي استهداف مماثل، ووسط حشود أميركية غير مسبوقة جاءت تحت شعار حماية الكيان من الرد المرتقب لإيران وحزب الله، كما قال الرئيس الأميركي، والمقاومة تقول عمليا إنها عند وعودها ولا تأبه لتهديد إسرائيلي و كل الدعم الأميركي له، وقالت المقاومة إن ردها سوف يكون مدروسا، وقامت برد استهدف ضاحية العاصمة الشمالية مقابل استهداف ضاحية العاصمة الجنوبية، واستهدفت مؤسسة استراتيجية، كما قالت هيئة البث الإسرائيلية، مقابل استهداف رمزية أمنية يمثلها القائد فؤاد شكر. وكشفت المقاومة أنها مقر مؤسسة الأمن العسكري (أمان) ومنشأة الفرع 8200 الخاص بالتجسس والعمليات الخاصة وخصوصا عمليات الاغتيال، وكان الرد المدروس جغرافيا ورمزيا مدروسا ايضا تقنيا بطريقة تنسيق وانسجام إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة ووظيفة كل منهما، كما كان مدروسا لجهة عدم التدحرج الى حرب قالت المقاومة مرارا إنها لا تريدها، وها هي قيادة الكيان تؤكد أن الرد لن يستدرج حربا، بقولها إنها لا تريد حربا ولا تصعيدا، وتعتبر الأمر منتهيا اذا اعتبرت المقاومة ذلك، فجسدت المقاومة مصداقيتها بكل دقة، فماذا عن مصداقية قيادة الكيان السياسية والعسكرية التي بقيت تهدد بالحرب على لبنان طيلة أحد عشر شهرا، وقد تناوب كل قادة الكيان على إطلاق التهديدات بالحرب، وزادوا منسوب تهديداتهم عند إعلان المقاومة قرار الرد، وحتى لو سلمنا جدلا بحديث الكيان عن عمل استباقي للرد، فان مجرد اختراق الطائرات المسيرة للمقاومة لأجواء تل أبيب، حتى لو تتسبب بإصابات، يفترض انه يشكل سببا كافيا لترجمة تهديدات تنتظر حجة كافية، وهل هناك أشد قوة ووضوحا من هذه الحجة، وهكذا ربحت المقاومة مع معركة الصدق معركة المصداقية، أقوالها تصبح افعالا، واقواله تتبخر عندما توضع على محك الفعل؟

– في حرب العقول، شكلت حرب الطائرات المسيرة مع صواريخ القبة الحديدية ورادارات الدفاع الجوي، حربا بين عقول بالمئات اصطفت على طرفي المواجهة، حيث يجلس الشبان من خريجي الجامعات واختصاصات العلوم الإلكترونية بالمئات أمام شاشاتهم، في لبنان يديرون الطائرات المسيرة ويؤمنون لها ممرات تضمن وصولها إلى أهدافها، وعلى ضفة جيش الاحتلال يفعلون المثل في محاولة منع هذه الطائرات من العبور، ويسعون الى إسقاطها، وعندما تنتهي ساعات الصباح وقد وصلت الطائرات، تكون حرب العقول قد حسمت لصالح المقاومة، أما حرب القادة فيكفي استفتاء مستوطني الكيان حول من يشكل بنظرهم مثال القائد، السيد نصرالله ام بنيامين نتنياهو، اما وسط جمهور فلسطين والقدس والمقاومة فلا حاجة للسؤال.

ناصر قنديل