من جديد، عاد المبعوث الأممي لدى اليمن، هانس غروندبرغ، إلى الرياض، حاملاً خطة جديدة تهدف إلى إنهاء الانقسام النقدي والمالي بين صنعاء وعدن، وإعادة توحيد البنك المركزي اليمني كسلطة نقدية مستقلة، إلا أن الخطة التي يعلّق عليها غروندبرغ آمالاً لإحداث اختراق في مسار السلام، اصطدمت بشروط أمريكية وسعودية تهدّد بتقويضها.
فالولايات المتحدة تدفع دبلوماسياً لإفشال أي مساعٍ أممية لإحداث اختراق في الملف الاقتصادي والإنساني، وتشترط وقف التصعيد العسكري في البحر الأحمر، والإفراج عن شبكة التجسس التابعة لسفارتها في اليمن، مقابل الدفع بمسار السلام إلى الأمام، وهو ما سبق لـ«أنصار الله» أن رفضته عدة مرات.
وفي الاتجاه نفسه، استبقت المملكة وصول غروندبرغ بإضافة شرط جديد يتمثّل في وضع الإيرادات اليمنية كافة تحت رقابتها مقابل السير باتفاق توحيد العملة والبنك المركزي.
ووفقاً لتسريبات سعودية نقلتها صحيفة «الشرق الأوسط»، فإن أي حلول اقتصادية في اليمن لن يُكتب لها النجاح ما لم تكن تحت رقابة سعودية، في ما يراد منه إعادة الوصاية السعودية في اليمن إلى سابق عهدها، الأمر الذي تعدّه صنعاء خطاً أحمر.
وتزامنت هذه المناورة، أيضاً، مع استمرار الحراك السعودي الخاص بتمكين قبائل موالية للمملكة في محافظة حضرموت من الاستحواذ على منابع النفط وحقوله في المحافظة النفطية.
وعلى رغم الغموض الذي ساد مفاوضات الرياض التي جرت الأسبوع الماضي بين قبائل حضرموت وبرنامج «إعادة الإعمار السعودي» الذي يقوده السفير محمد آل جابر، والذي يُعد المسؤول بموجب اتفاقية أُبرمت مع وزارة التخطيط في الحكومة الموالية للتحالف السعودي – الإماراتي مطلع عام 2020، عن التفاوض بشأن النفط مع الشركات الأجنبية أو المكوّنات المحلية، إلا أن رئيس «المجلس الرئاسي»، رشاد العليمي، الذي عاد إلى عدن الأسبوع الجاري برفقة قيادات في جهاز الاستخبارات السعودية، أعلن تشكيل لجنة مكوّنة من عدد من القيادات الحضرمية، على رأسها نائب رئيس الحكومة السابق، سالم الخنبشي، للتفاوض مع قبائل حضرموت التي استكملت السيطرة على قطاعات النفط في المحافظة خلال اليومين الماضيين، ما أدّى إلى توقف شركة «بترومسيلة» عن الإنتاج.
لكن عضو «المجلس الرئاسي»، فرج البحسني، جدّد رفضه لتلك المساعي، مؤكداً أن «أبناء حضرموت سيفرضون سيطرتهم الكاملة على النفط وفق شعار نفط حضرموت لحضرموت».
صنعاء تشدّد على تنفيذ كامل بنود اتفاق التهدئة الاقتصادية من دون تسويف
وتوازى التحرك السعودي على خط قبائل حضرموت، مع تحرك مماثل في محافظة مأرب برعاية سعودية، إذ أعلنت قبائل مأرب تشكيل «مؤتمر قبائل مأرب الجامع»، وهو نفس مسمى «مؤتمر قبائل حضرموت الجامع» المدعوم سعودياً.
واعتبر مراقبون الحراك السعودي الأخير الذي تصاعد بشكل واضح منذ مطلع الشهر الجاري، محاولة لإعاقة تنفيذ اتفاق التهدئة الاقتصادية الموقّع بين الرياض وصنعاء، وذلك في أعقاب تعرّض الأولى لضغوط أمريكية.
وعليه، اتجهت السعودية إلى الالتفاف على البند الثالث من الاتفاق، والذي يلزمها بالإسهام الفاعل في حل ملف مرتّبات موظفي الدولة مقابل إعادة إنتاج وتصدير النفط الخام.
وعلى رغم تناقض الحراك السعودي في المحافظات النفطية مع المساعي الأممية الأخيرة، إلا أن غروندبرغ الذي وصل إلى الرياض، أول من أمس، كان قد أعلن عنها في إحاطته الأخيرة التي قدّمها إلى مجلس الأمن الأسبوع الماضي، مواصلته سعيه لتحييد الملف الاقتصادي عن الصراع في اليمن.
وفيما لم يؤكد أي مصدر في صنعاء تلقّي حركة «أنصار الله» نسخة من الخطة الأممية، إلا أن مصادر سياسية مطّلعة أكدت، لـ«الأخبار»، التزام صنعاء باتفاق خفض التصعيد الاقتصادي الموقّع أواخر الشهر الماضي، وتشديدها على ضرورة تنفيذ كامل بنوده من دون تسويف، وانفتاحها على المبادرات الإيجابية الإقليمية والدولية.