في ذكرى المولد النبوي الشريف العام الماضي 27 سبتمبر 2023 أعلن قائد أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي عن بدء مرحلة “التغييرات الجذرية” موضحاً أن الأسس والمنطلقات التي سيتم الاعتماد عليها في التغيير الجذري هي” الهوية الإيمانية للشعب اليمني، وبرؤية جامعة في إطار القواسم المشتركة والشراكة الوطنية وتحقيق الاستقلال للبلاد”، ويقصد بالهوية الإيمانية للشعب اليمني أن القرآن الكريم والإسلام بشكل عام هو المصدر الأساسي لكل التشريعات والقوانين لتحقيق الاستقلال الثقافي والفكري من الاستعمار، وتحصين الشعب من الثقافة الغربية والمخططات العدوانية الغربية، ودشن هذه المرحلة بإقالة حكومة “الإنقاذ” وتكليفها بتسيير الأعمال، وجاءت هذه القرارات بعد تفويض شعبي ومن كافة القوى السياسية بصنعاء لقائد أنصار الله لاتخاذ الإجراءات المناسبة في هذا المسار لإحداث إصلاح إداري واقتصادي في الحكومة ومؤسسات الدولة بما يخدم مصالح الشعب اليمني بشكل عام.
ومنذ ذلك اليوم استمرت حكومة الإنقاذ تقوم بمهامها كحكومة تصريف أعمال حتى 10 أغسطس الجاري الذي أعلن فيه رئيس المجلس السياسي بصنعاء قراراً بتكليف أحمد غالب الرهوي بتشكيل حكومة “التغيير والبناء” ليتم تسمية الحكومة بعد هذا القرار بيومين، وبذلك طويت صفحة حكومة “الإنقاذ” التي شُكلت في 28 نوفمبر عام 2016 وبذلك تعتبر هذه الحكومة هي أطول حكومة عمراً في تاريخ البلاد منذ ستينيات القرن الماضي.
إن جملة العقبات والعراقيل والضغوط التي واجهتها الحكومة السابقة أدى إلى تراكم السلبيات في قطاعات الدولة وانعكست هذه السلبيات بصورة مباشرة في أدائها لمهامها، وبالنظر إلى حجم الأخطار التي واجهتها نستطيع القول أنها أكثر حكومة واجهت صعوبات خلال العقود الأخيرة، حيث أنها عملت خلال سنوات العدوان والحصار على اليمن وما رافقه هذا العدوان من تدمير لكل البنى التحتية للدولة، بالإضافة إلى أنها كانت حكومة محاصصة (بين أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام وبعض القوى السياسية) أي أنها لم تكن حكومة كفاءات، كما أنها ورثت نظام إداري سابق تقليدي مترهل ومتضخم أثقل كاهلها، وهنا فإن التغيير أصبح حاجة ضرورية لمعالجة كافة السلبيات التي علقت بكل مرافق الدولة وهذا التغيير لن يحصل إلا بتغيير الحكومة واستبدالها بحكومة أقل إنفاقاً وأكثر عملاً وهذا ما حدث.
ميزات حكومة “التغيير والبناء”
بالمقارنة مع تشكيلات الحكومات اليمنية السابقة نستطيع أن نستخلص بعض الميزات لحكومة “التغيير والبناء” أبرزها:
أولاً: غياب عامل التدخل الخارجي
تعتبر حكومة “التغيير والبناء” ثاني حكومة تقريباً بعد حكومة “الإنقاذ” تم تشكيلها بقرار يمني صرف بعيداً عن التدخلات والتوصيات والمقترحات الخارجية التي كانت جزءاً رئيسياً في تشكيل الحكومات السابقة، حيث كانت السلطات السابقة تراعي هذه التوصيات بسبب تأثير بعض الدول الإقليمية والدولية على القرار السيادي، وهذا ما أكده الباحث العميد عبدالله بن عامر، حيث قال:” في تشكيل الحكومات كان يتم مراعاة الخارج أكثر من الداخل واليوم يحدث العكس”.
ثانيًا: التقليص والدمج
باعتبار أن التضخم الإداري في الحكومات السابقة كان سبباً كبيراً في إعاقة مسار الإصلاح، حيث عمل التضخم على زيادة النفقات الحكومية بالإضافة إلى تعارض وتشابك الصلاحيات، فقد تم أخذ الاعتبار في هذا الجانب وتم تقليص الحقائب الوزارية التي كانت أكثر من 30 وزارة في الحكومة السابقة إلى 19 وزارة فقط في حكومة “التغيير والبناء” بالإضافة إلى رئيس الوزراء و3 نواب له.
ثالثًا: الكفاءة والتخصص
كانت الحكومات السابقة لا تحرص كثيراً على تعيين الوزراء الأكفاء أو المتخصصين الذين حققوا نجاحات في مسيرتهم العملية، بل إن الاختيار كان يتم بناءً على المحاصصة والتقاسم السياسي دون مراعاة جوانب الكفاءة والتخصص، فمثلاً كان يتم تعيين وزير للخارجية قائداً عسكرياً أو يتم تعيين وزير للصحة شيخاً قبلياً إلا في بعض الأحيان، لكننا نجد في التشكيلة الوزارية لحكومة التغيير والبناء أنها راعت إلى حدٍ كبير التخصص والكفاءة، بالإضافة إلى أنه تم تعيين شخصيات ووجوه شابة جديدة.
رابعًا: مراعاة البعد الجغرافي والشراكة السياسية:
برغم أن حكومة “التغيير والبناء” لا تسيطر على كل المحافظات اليمنية إلا أنه تم مراعاة البعد الجغرافي بشكل كبير، بحيث أنه تم اختيار الوزراء من غالبية محافظات الجمهورية لسد فجوة “الإقصاء والتهميش” التي وقعت فيها بعض الأنظمة السابقة وأفرزت مشاكل لا حصر لها.
التحديات
إن مسؤولية حكومة “التغيير والبناء” كبيرة جداً، لأن الشعب اليمني يعلق عليها الكثير من الآمال والتطلعات لتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي والخدمي ولو بالحد الأدنى، ومالم تُحدث فرقاً فإنها ستحدث انتكاسة معنوية للمواطن الذي ينتظر بصيص أمل، ومن جانب آخر ولكيلا يرفع المواطن سقف آماله عليه أن يدرك طبيعة المرحلة القائمة وأن الحكومة لا تملك عصا سحرية تحل بها كل المشاكل وتزيل بها كل العوائق، فالأخطار والضغوط والتحديات لازالت كبيرة، ومن أبرزها:
– ضعف الموارد مع استمرار الحصار والعقوبات:
إن أهم الموارد التي كانت تعتمد عليها الحكومات السابقة في صرف رواتب الموظفين والمتمثلة بعائدات النفط والغاز متوقفة بسبب أن آبار النفط والغاز تقع تحت سيطرة القوى الموالية للتحالف، وبرغم أن صنعاء منعت تصدير النفط إلى الخارج منذ أواخر العام 2022 بسبب استئثار التحالف بكل العائدات، إلا أنها اليوم بحاجة كبيرة لهذه العائدات لتحسين الظروف الاقتصادية وهذا الأمر مرتبط بعملية السلام بين صنعاء والرياض.
كما أن عائدات المنفذين البريين الوحيدين الذين يعملان حالياً تسيطر عليهم القوى الموالية للتحالف، بالإضافة إلى أن حكومة صنعاء لا تمتلك سوى مطار واحد مفعّل حالياً هو مطار صنعاء وهو مقيد بواقع رحلتين يومياً إلى الأردن بسبب استمرار الحصار، وهناك الكثير من القطاعات الاقتصادية السيادية ذات الموارد الهامة متوقفة أو معطلة نتيجة استمرار الحصار، ولذلك فإن الحكومة الجديدة بحاجة إلى جهود كبيرة للاستفادة من هذه الموارد.
وإلى جانب شحة الموارد هناك جانب العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن على صنعاء على خلفية مشاركة اليمن في معركة إسناد غزة، وخلال الأشهر الماضية أعلنت الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على عدة أشخاص وشركات تقول واشنطن أن لها علاقة بتمويل أنصار الله، إضافةً إلى ذلك يمثل تقليص الدعم الأممي للمساعدات الإنسانية في اليمن تحدي آخر على الحكومة الجديدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رضوان العمري