قالت صحيفة “ذا كريدل” الأمريكية إن التهديدات الصارخة التي وجهتها صنعاء أجبرت السعودية على تقديم تنازلات كبيرة لليمن، وهو ما لا يعكس فقط الصعود الإقليمي الحاد الذي حققته صنعاء، بل وأيضاً تقلص نفوذ الولايات المتحدة وإسرائيل بسرعة.. لقد نجحت الضربات التي شنتها القوات اليمنية ضد السعودية على مدى السنوات الثلاث الماضية – بما في ذلك عملية كسر الحصار في أوائل عام 2022 والتهديدات المستمرة باستخدام القوة عندما تفشل الرياض في الوفاء بالتزاماتها – في الضغط عليها للرضوخ إلى حد كبير لمطالب صنعاء.
وأكدت أن التراجع السعودي الكبير، الذي أكدته الاضطرابات المتكررة في اقتصادها منذ هجوم أرامكو في عام 2019 ، يشكل تحديا خطيرا لرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 2030..وفي 7 يوليو/تموز، هدد سماحة السيد عبد الملك الحوثي الرياض بتحذير شديد اللهجة: “سنرد بالمثل: البنوك بالبنوك… والمطار في الرياض بالمطار في صنعاء… والموانئ البحرية بالموانئ البحرية.
وأفادت أنه لو لم يتم إعادة الحجاج اليمنيين لكانت مطارات السعودية مغلقة في هذه اللحظة.. وبصورة عامة، أكد تهديد صنعاء، المدعوم بالدعم الشعبي الواسع الذي أظهرته المظاهرات الحاشدة، على عزم اليمن على مواجهة الرياض والولايات المتحدة وإسرائيل. وإدراكاً منها لخطورة هذه التهديدات، سارعت السعودية إلى التوسط لحل الأزمة مع صنعاء.
وأوردت أنه في أعقاب الهجوم المثير الذي شنته طائرة بدون طيار تابعة لليمن على تل أبيب في 19 يوليو/تموز الماضي، تكثفت تلك الاتصالات، مما أدى إلى اتفاق أعلنه محمد عبد السلام، رئيس الوفد اليمني المفاوض.. وتضمن الاتفاق إلغاء القرارات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين، والالتزام بالامتناع عن مثل هذه الإجراءات مستقبلاً، واستئناف وزيادة رحلات الخطوط الجوية اليمنية بين صنعاء وعمان، وتوسيع الخطوط إلى القاهرة والهند.
وتابعت أن استئناف تصدير النفط مشروط بإعادة رواتب موظفي الحكومة، وأي محاولة للالتفاف على ذلك محظورة وعواقبها معروفة، وعلى الشركات الأجنبية أن تفهم ذلك، ولن يسمحوا بنهب النفط مرة أخرى بينما الشعب بلا رواتب.. وهذا يشير إلى جدية صنعاء في تأمين حقوق مواطنيها ومقدرات الدولة بكل السبل، ورفضها التسامح مع أي محاولة من خصومها إقليميين أو خارجيين للمماطلة أو كسب الوقت.
الصحيفة رأت أنه بالنسبة للسعوديين، أثبتت التجربة أن تكتيكات المماطلة والاعتماد على عودة دونالد ترامب المحتملة إلى الرئاسة الأمريكية لن تغير التهديدات اليمنية.. ومن الجدير بالذكر أن العمليات الاستراتيجية اليمنية ضد السعودية بدأت خلال رئاسة ترامب، مستهدفة حقول النفط التابعة لشركة أرامكو في بقيق وخريص ، مما يثبت عجز الإدارة السابقة عن كبح القوات اليمنية.
كما أن الرهان على التأخير كاستراتيجية أصبح ينظَر إليه على نحو متزايد باعتباره أمراً عقيماً في الرياض.. فقد أصبح السعوديون مضطرين إلى إدراك أهمية الوفاء بالتزاماتهم تجاه صنعاء على الفور لحماية مصالحهم..ومع التراجع السعودي الواضح، فإن اتفاق صنعاء يمثل ضربة قوية للأميركيين، الذين كانت نفوذهم على اليمن لفترة طويلة يتمثل في تهديد استئناف الحرب السعودية.. وفي الأسبوع الماضي، أفاد موقع أكسيوس أن وفداً أميركياً وصل إلى السعودية لمناقشة الوضع في اليمن والتصعيدات الأخيرة ضد إسرائيل.
وأشار الموقع إلى أن السعودية أصبحت أكثر قلقا في الأسابيع الأخيرة بشأن تصاعد التوترات والانجراف إلى صراع متجدد في اليمن.. وبالتالي، نجح اليمنيون، من خلال اتفاق صنعاء، في تحييد النفوذ “الإنساني” الأميركي الحاسم، والذي كان أحد أدوات الضغط الرئيسية التي كانت تهدف إلى إجبار اليمن على التراجع عن دعمها للمقاومة الفلسطينية.
واتبعت الصحيفة حديثها بالقول: لم تحقق صنعاء سوى تركيع السعودية، وهو أمر له تداعيات ضخمة في هذه المرحلة الحساسة والحرجة من المواجهة الإقليمية، وكذلك في التعاملات المستقبلية مع الرياض وجيرانها..ومن خلال إعطاء الأولوية لدعم المقاومة الفلسطينية، وتحدي الطموحات الأميركية والبريطانية للهيمنة، والاستعداد لمزيد من العدوان الإسرائيلي ، برزت صنعاء كلاعب إقليمي مهم يتمتع بتحالفات قوية تحظى بالاعتراف والاحترام.
لقد أجبرت الضغوط المستمرة والضربات الاستراتيجية التي شنتها اليمن ضد السعودية على تقديم تنازلات كبيرة، الأمر الذي أعاد تشكيل ديناميكيات القوة في غرب آسيا وأظهر نفوذ صنعاء المتنامي وعزيمتها الصلبة.. وسيخلف هذا التطور آثاراً بعيدة المدى على الاستقرار الإقليمي في المستقبل، كما يعزز من الحجة لصالح الاعتراف الأوسع بحكومة صنعاء على الساحة الدولية.