قال الكاتب الصهيوني ديفيد روزنبرغ إن أشد منتقدي “إسرائيل” يزعمون أن هدف الأخيرة هو القضاء على ما تبقى من القومية الفلسطينية، أو ارتكاب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، إلا أن التفسير الحقيقي هو أكثر تعقيدًا من ذلك.
وفي مقالة نشرت بمجلة “Foreign Policy”، رأى الكاتب أن “هدف اليمين “الإسرائيلي” المتشدد هو في الواقع جعل حياة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية لا تطاق”، مضيفًا: “إلا أن وزراء اليمين المتطرف الذين يرددون هذه المواقف ليس لديهم تأثير يذكر على سياسات الحرب، بينما حرص رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو على أن تكون هذه السياسات تحت إمرته هو وعدد صغير من المسؤولين الذين يتشاركون آراءه”.
ولفت إلى أن “تأثير اليمين المتطرف هو في القضايا الإنسانية، وهو في الغالب تأثير غير مباشر، كما أن ليس لدى قادة اليمين المتطرف إستراتيجية حربية بقدر ما لديهم رغبة في مشاهدة الفلسطينيين وهم يعانون، وسط استمرار الحرب”، مردفًا: “تتشارك القوات “الإسرائيلية” في غزة الرغبة في العقاب والانتقام إلى حد ما، بما في ذلك الغالبية الساحقة من الجنود الذين لا علاقة لهم باليمين المتطرف”.
وشدد على أن “هناك تحولاً واضحاً في السياسة “الإسرائيلية” من أعلى الهرم، والتي تعكس قرارات القادة السياسيين والعسكريين “الإسرائيليين” بتنفيذ الاغتيالات، وقصف ميناء الحديدة، والمخاطرة بحرب مع إيران، مما يفرض واقعًا سياسيًا جديدًا”.
وقال: “أبرمت دول عربية واحدة تلو الأخرى اتفاقيات سلام مع “إسرائيل”، واعترفت بوجودها مثل مصر، والأردن، والإمارات، والبحرين والمغرب”، مضيفًا: “بدا وكأن التطبيع مع السعودية يلوح في الأفق، وتحول الحديث إلى كيفية “احتواء” النقاش بالشأن الفلسطيني إذ إنه لم تكن هناك حاجة إلى حل”.
وتابع: “تراجع الإنفاق الدفاعي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي منذ أوائل التسعينيات، وقد تخلت “إسرائيل” عن الركن الأول من استراتيجيتها الدفاعية وهو النصر في الحرب، بينما سمحت للركن الثاني وهو الردع بالتآكل، وبالتالي أصبحت تعتمد بشكل مفرط على الركن الثالث وهو الاستخبارات”.
وأضاف: “كل الحروب التي خاضتها “إسرائيل” منذ حقبة الثمانينيات ضد قوات غير تقليدية لم تنتهِ بنصر حاسم، وتراجعت قدرتها على ردع أعدائها، كما تبين من خلال استعداد حركة حماس للذهاب إلى الحرب مع “إسرائيل” بشكل متكرر منذ عام 2008، فأصبحت “إسرائيل” تعتمد أكثر فأكثر على الإجراءات “الدفاعية”، مثل الأسياج والجدران، وأنظمة الإنذار المبكر التي تعمل على التكنولوجيا المتطورة، بدلًا من تحقيق النصر الحاسم”.
وشدد على أن “”إسرائيل” دفعت ثمنًا باهظًا نتيجة هذه السياسات في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وقد باشر حزب الله بشن الهجمات عند الحدود الشمالية بعد يوم واحد فقط، وسرعان ما بادرت حركة أنصار الله باطلاق الصواريخ والمسيّرات على السفن في البحر الأحمر وعلى “إسرائيل” نفسها، وتخطت إيران الخط الأحمر في نزاعها الطويل معها من خلال شن هجوم مباشر لأول مرة عبر الصواريخ والمسيّرات”.
روزنبرغ استبعد أن يتحقق النصر الكامل الذي يتوعد به نتنياهو حماس، ناهيك عن تحقيق مثل هذا النصر على حزب الله أو إيران، قائلًا إن “استعادة قدرة “إسرائيل” على الردع تعد هدفًا أكثر واقعية، ولكن ليس من دون أثمان، ففي مواجهة لاعبين من غير الدول لديهم التزام عقائدي بإنهاء وجود “إسرائيل” فإن استعراض القدرات الدفاعية الفاعلة ليس كافيًا، بحسب الكاتب، بل يتطلب الموضوع استعدادًا للهجوم حتى في سياق الرد على استفزازات صغيرة نسبيًا وتبني الموقع الهجومي”.
وأردف: “قد تبدو أفعال “إسرائيل” الأخيرة خطيرة وغير متكافئة، من وجهة نظر صناع السياسة والرأي العام في الولايات المتحدة وأوروبا، ولا يمكن نفي وجود خطر اشتعال حرب اقليمية، إلا أن ليس أمام “إسرائيل” خيارات جيدة، ورغم سمعتها العسكرية، يجب الالتفاتة إلى أن “إسرائيل” صغيرة على صعيد العديد السكاني والمساحة الجغرافية والاقتصاد”، ولا يمكن أن تتحمل التعرض للمفاجآت وخوض حروب طويلة أو البقاء في الموقع الدفاعي لفترة طويلة”.
وتابع: “لم يشكل هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر تهديدًا جوهريًا لـ”إسرائيل”، لكن كان له أثر نفسي بالغ، وكشف استطلاع أجراه “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية” أن نسبة الذين ينظرون بتفاؤل إلى مستقبل “إسرائيل” على صعيد الأمن القومي تراجعت من 47% في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2023، عندما بدا كأن الحرب في غزة كانت تسير بشكل جيد لـ “الإسرائيليين”، إلى 31% في حزيران/يونيو الماضي، كما وجد استطلاع حديث أجراه معهد دراسات الأمن القومي أن ربع “الإسرائيليين” فقط يشعرون بدرجة عالية من الأمن الشخصي.
ورأى الكاتب أن “إسرائيل” تواجه تهديدًا وجوديًا، بعد ما كان لا ينظر “الإسرائيليون” إلى الامور على هذا النحو، إلا أن موقفهم هذا تغير.