تردد اسم معسكر “سديه تيمان” كمعتقل لأسرى قطاع غزة تحوم حوله سمعة سيئة، منذ بداية حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.
هذا المعتقل هو في الأساس معسكر لجيش الاحتلال الصهيوني، يضم بداخله عددًا من الوحدات وقيادات الوحدات والألوية في جيش الاحتلال، وقد ورثته دولة الاحتلال عن الانتداب البريطاني، وأعادت استخدامه كقاعدة عسكرية في الخمسينيات، وأطلق عليه اسم “سديه تيمان” أي حقل اليمن؛ لأنه استخدم في عملية جلب يهود اليمن واستيعابهم في ذلك الحين.
بدأ جيش الاحتلال في استخدام هذا المعسكر كمعتقل لأسرى غزة منذ عدوان عام 2008/2009، إذ أصدر جيش الاحتلال قرارًا بتخصيصه لاحتجاز الغزيين الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال خلال توغلها البري في القطاع، وقد تكرر هذا الأمر في عدوان عام 2014، إذ نشرت صحيفة هآرتس تقريرًا قالت فيه إن قوات الاحتلال اعتقلت خلال توغلها البري في القطاع، 270 فلسطينيًا تحتجزهم في معسكر “سديه تيمان”.
مؤخرًا، أعادت حادثة معسكر “سديه تيمان”، التي جرت في 29 تموز/ يوليو المنصرم، تسليط الأضواء على مجمل الانتهاكات التي يتعرض لها معتقلو قطاع غزة في المعتقلات الإسرائيلية، لا سيما في معسكر “سديه تيمان”.إذ توجهت وحدة من الشرطة العسكرية الإسرائيلية للمعسكر لإيقاف عدد من الجنود، على إثر تقارير عن اعتداء جنسي واغتصاب جماعي لأحد الأسرى الغزيين.
تطورت الأحداث لاحقًا إلى منحنى آخر عقب اقتحام مئات من أنصار اليمين الإسرائيلي المتطرف للمعسكر لمنع التحقيق مع الجنود، ثم اقتحام قاعدة “بيت ليد”، حيث يجري التحقيق معهم. وكانت صحيفة هآرتس العبرية قد نشرت تقريرًا حول تعرض أسير لعملية اغتصاب جماعي، تسببت له بنزيف حاد، وإصابات خطيرة أفقدته القدرة على الوقوف والحركة، وهو الأمر الذي استدعى التحقيق مع هؤلاء الجنود.
ومع أن معتقل “سديه تيمان” هو أسوأ المعتقلات الإسرائيلية سمعة على مستوى العالم حالياً، إلا أنه مجرد نموذج لبقية المعتقلات التي يُحتجز فيها الأسرى الغزيون، إذ إنهم يتعرضون فيها للتعذيب والمعاملة السيئة، والاغتصاب والاعتداءات الجنسية، والحرمان من أبسط الحقوق.
وأفاد محامي هيئة شؤون الأسرى والمحررين خالد محاجنة، أن معسكر “عوفر” يحتوي على قسمين، قسم يدعى “جهنم” والآخر “الجحيم”، وهما قسمان مخصصان لتعذيب أسرى غزة الذين نقلوا إليه من معسكر “سديه تيمان”، وأن أوضاعهم فيه، من ناحية التعذيب والانتهاكات والحرمان من أبسط الحقوق كالطعام والملبس والنظافة وغيرها، بالغة السوء.
وهذا لا ينفي أن معتقل “سديه تيمان” هو أسوأ هذه المعتقلات، حسب ما أفاد محامي الهيئة نفسه، الذي تمكن من زيارة هذا المعتقل وغيره من المعتقلات، فمعظم الشهادات المروعة حول التعذيب الوحشي والاعتداءات الجنسية تأتي منه. ويكفي أن نعلم أنه من بين 54 أسيرًا استشهدوا داخل سجون الاحتلال حتى أواخر شهر حزيران/ يونيو المنصرم، فإن 36 منهم قد استشهدوا في معسكر “سديه تيمان” نفسه.
التعذيب الجنسي سياسة ممنهجة
مارس جنود الاحتلال وسجانوه مختلف أنواع التعذيب والحرمان والإساءة والإذلال على معتقلي قطاع غزة، ولكن هناك فصل من فصول هذه الجرائم كان مرافقًا دائمًا لمعظم الشهادات التي صدرت عن المعتقلين السابقين، وهو التعذيب الجنسي.
إذ لم تكن حادثة اغتصاب أسير في معسكر “سديه تيمان” حدثًا استثنائيًا، فشهادات الأسرى المطلق سراحهم تشير إلى أن التعذيب الجنسي هو سياسة ممنهجة متبعة بحق أسرى غزة رجالًا ونساء. وتبدأ هذه السياسة منذ لحظة اعتقالهم، إذ يتعمد جنود الاحتلال إجبار المعتقلين الغزيين على التعري شبه الكامل، وأحياناً الكامل، عند اعتقالهم، لتستمر بعدها سياسة التعذيب الجنسي داخل المعتقلات.
تبدأ عملية التعذيب الجنسي للأسرى بسياسة التفتيش العاري للأسرى الجدد، ومع أن هذه السياسة كانت متبعة دائماً في سجون الاحتلال، إلا أن الأمر تطور إلى تفتيش الأسرى عراة أمام بعضهم، وانتهاك حرمات النساء بإجبارهن على التعري أمام جنود الاحتلال.
وتروي إحدى أسيرات غزة، البالغة من العمر 64 عامًا، أن المجندات عرّين المعتقلات وفتشنهن عاريات بحضور الجنود الإسرائيليين. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ تعرض أسرى قطاع غزة إلى العنف الجنسي والاغتصاب بمختلف الأنواع وأقساها، ما أدى إلى استشهاد عدد من الأسرى نتيجة الاعتداءات الجنسية المترافقة مع التعذيب الجسدي البربري.
وحسب ما سمع محامي هيئة شؤون الأسرى والمحررين خالد محاجنة، خلال زياراته المحدودة لأسرى قطاع غزة، سواء في معسكر “سديه تيمان” أو معسكر عوفر، فإن الاغتصاب والتعذيب الجنسي يمارس على قدم وساق بحق الأسرى، وبطرق وحشية تؤدي إلى استشهاد بعضهم، أو إصابتهم بإصابات خطيرة.
وأفاد المحامي أن جنود الاحتلال يغتصبون الأسرى، ويعتدون عليهم جنسياً أمام أعين بقية الأسرى، وأحد الأسرى اغتصب بخرطوم مطفأة حريق فتحها جنود الاحتلال في مؤخرته. وفي حالة أخرى عُذّب أسير آخر عاريًا بالصعق بالكهرباء على مناطقه الحساسة أمام الأسرى، وأفاد أسرى آخرون أن جنود الاحتلال أجبروهم على الجلوس على أدوات معدنية سببت لهم جروحًا ونزيفًا حادًّا في منطقة الشرج.
لا يمكن فهم التعذيب الجسدي والنفسي والجنسي والتجويع والقتل، وغير ذلك مما يلاقيه أسرى قطاع غزة، من خلال منظومة القوانين الاستعمارية الإسرائيلية. ولعل المدخل الأساس لفهم هذه الحالة، هو توصيف وزير الحرب الإسرائيلي يؤاف غلانت للغزيين بأنهم “حيوانات بشرية“.
في حالة الاستثناء هذه يصبح الإنسان homo sacer، أي الإنسان المستباح أو المنبوذ، وهو ذلك الإنسان الخارج عن أي سياق قانوني أو قاعدة أخلاقية أو دينية، ويعيش حياة عارية مستباحة، بلا أي وجود سياسي اجتماعي، وإنما حياة بيولوجية، أو حسب توصيف غلانت “حيوانات بشرية”، والمس بها لا يستدعي أي مساءلة قانونية أو أخلاقية.
ولذلك يعذب معتقلو قطاع غزة بدافع الانتقام والتسلية وإشباع الأحقاد فقط، لا بدافع التحقيق والحصول على معلومات، فكثير من المعتقلين يطلق سراحهم بعد أسابيع أو أشهر دون أن توجه لهم أي تهمة، ولكنهم خلال اعتقالهم يتعرضون لأصناف العذاب كافة.
ويتعدى الأمر إشباع الرغبات الانتقامية لدى جنود الاحتلال، إلى إشباعها لدى جمهور الاحتلال نفسه، فقد وثّق المركز الأورومتوسطي شهادت لمعتقلين، تفيد بأن قوات الاحتلال أحضرت مستوطنين إسرائيليين، على مجموعات، ليشاهدوا تعذيب الأسرى ويصوروهم وهم مجردون من ملابسهم، ويتعرضون للتعذيب والإهانة والصعق الكهربائي وغيره.