على وَقْعِ انتظارٍ عالميٍّ لرَدٍّ إقليميٍّ وتأريخيٍّ مرتَقَبٍ سيكونُ اليمنُ جزءًا أَسَاسيًّا منه، واصلت القواتُ المسلحةُ اليمنيةُ ضرباتِها المسانِدةَ للشعب الفلسطيني على مسرح العمليات البحرية الذي أصبح جزءًا كَبيراً منه تحت السيطرة، وصارت معظمُ الهجمات فيه تتجاوز مدى الألف كيلو متر؛ مِن أجلِ اصطياد السفن المعادية التي لم تعد تجرؤ على الاقتراب أكثر من ذلك، والتي تمثل شاهدًا لم يعد حتى قادةُ الجيش الأمريكي يستطيعون إخفاءَ دلالاتِه الصريحةَ على الإخفاق الكبير والفاضح لحملة ما يُسَمَّى “حارسَ الازدهار”.
مسرحُ العمليات البحرية تحت السيطرة:
أعلنت القوات المسلحة اليمنية، الأربعاء، عن استهداف سفينة (كونتشيب أونو) في البحر الأحمر؛ لانتهاك الشركة المالكة لها قرار الحظر، وكانت هذه هي السفينة الثانية التي يتم الإعلان عن استهدافها خلال ما يقارب ثلاثة أسابيع، بعد سفينة (غروتون) التي تم الاعتراف رسميًّا بإصابتها وتحويل مسارها.
ومع ذلك، فَــإنَّ هذه النسبةَ التي تبدو منخفضةً من العمليات، هي في الحقيقة نسبة نجاح في فرض الحظر على السفن الخاضعة للاستهداف، والتي تشير البياناتُ الملاحية إلى أن جميعَها تقريبًا أصبحت تتجنَّبُ العُبُورَ في منطقة العمليات اليمنية، وخُصُوصاً في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، وهو ما أكّـده أَيْـضاً قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه الأخير، والذي كشف فيه أن معظمَ العمليات البحرية صارت تنطلقُ ضد أهدافٍ تتجاوز الألف كيلو متر باتّجاه المحيط الهندي، والألفي كيلو متر باتّجاه فلسطين المحتلّة والبحر المتوسط، بعد خلوِّ الجبهات البحرية الأُخرى من السفن المعادية، إلا في حالات نادرة.
وينطبق الأمرُ نفسُه على القطع الحربية المعادية، حَيثُ أعلنت القوات المسلحة يوم الأربعاء عن استهداف المدمّـرتين الأمريكيتين “كول” و”لابون” بعددٍ من الصواريخ البالستية والطائرات المسيَّرة في خليج عدن، وذلك أثناء محاولتهما عبور المنطقة قادمتين من خليج عمان باتّجاه شمال البحر الأحمر، بعد أسابيعَ من خلو البحر الأحمر من أية مدمّـرة أمريكية.
وقد حرصت القواتُ المسلحة على تأكيد اعتبارها “كافةَ التحَرُّكات العسكرية في منطقة العمليات البحرية دعمًا للعدو الصهيوني تحَرّكات معادية ومعرضة للاستهداف بكل الوسائل المتاحة” لتثبيت نفس معادلة الحظر المطبقة على السفن التجارية المستهدفة، طالما استمرت الإبادة الجماعية في غزة.
قائدُ الأسطول الخامس: لا يمكنُ ردع اليمنيين
وقد أكّـدت اعترافاتٌ أمريكية جديدة هذا الواقع، حَيثُ أقر قائدُ الأسطول الأمريكي الخامس، وقائدُ القوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط، جورج ويكوف، بأن “مهمةَ البحر الأحمر لا يمكنها أن تفعلَ الكثير في ظل التوتر الذي تعيشُه المنطقة بأكملها؛ بسَببِ الحربِ في غزة، والتي دخلت الآن شهرَها العاشر” مُشيراً إلى أن شركاتِ الشحن المستهدفة لن تعودَ إلى منطقة العمليات اليمنية.
وَأَضَـافَ ويكوف في تصريحات أثناء مناقشة استضافها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، الأربعاء، أن إنهاء العمليات البحرية هو أمر بيد القوات المسلحة اليمنية، وأن اليمنَ لا يمكنُ أن تنطبِقَ عليه “سياسةُ الردع الكلاسيكية”، مستشهدًا بـ”تأريخ من المغامرات العسكرية الفاشلة” ضد اليمن.
وتابع مستعرضًا مأزِقَ بلاده: “من الصعب للغاية العثورُ على مركَزِ ثقل مركَزي واستخدامُه كنقطةِ ردع محتملة، وما نقوم به حَـاليًّا هو محاولة الحفاظ على بعض مساحة القرار لقيادتنا” مُشيراً إلى أنه لا يوجد أُفُقٌ لحَلٍّ عسكري وإنما “دبلوماسي”.
وليس ذلك لأَنَّ واشنطن تفضِّلُ الطرق السلمية، بلْ لأَنَّها عجزت؛ ولأَنَّ اليمنيين -بحسب ويكوف- “مسلحون جيدًا” و”ترسانتهم أصبحت أكثر قوة مما كانت عليه قبل عقد من الزمان؛ وهو ما جعل المهمة الأمريكية في البحر الأحمر أكثر خطورة” حسب تعبيره.
وأضاف: “لقد تطَوُّروا إلى ما هو أبعدُ بكثير من الطرق التي اعتدنا أن ننظر بها إليهم”.
الرَّدُّ آتٍ:
هذه الاعترافاتُ الصريحة التي تؤكّـدها وقائعُ المعركة في مسرح العمليات البحرية، لا تغطِّي فقط ما حدث خلال الأشهر الماضية، بل تمتد إلى ما هو قادم، سواء على مستوى مستقبل الصراع ككل، أَو على مستوى الرد الإقليمي المرتقَب من محور المقاومة على جرائم اغتيال الشهيدَينِ إسماعيل هنية وفؤاد شكر وقصف الحديدة واستهداف العراق، وهو الرد الذي أكّـد قائد الثورة أنه قادم بشكل حتمي، سواء على مستوى المحور أَو على مستوى أطرافه على حده، مُشيراً إلى أن تأخره “مسألة تكتيكية بحتة لضمان أن يكون مؤثرًا في مقابل استعدادات العدو”، فنتائج المعركة البحرية تمثل اليوم شاهدًا واضحًا على أن جبهات المحور، وفي مقدمتها اليمن، قادرةٌ على إدارة الحرب غير المتكافئة في الإمْكَانات والنفوذ، وإيصال العدوّ إلى مرحلة الاعتراف بالإخفاق برغم كُـلّ ما يملكه.
وإذا كان قادة البحرية الأمريكية قد أصبحوا يَرَون أن حاملات الطائرات والمدمّـرات والسفن الحربية والقصف الجوي يمثل “ردعًا كلاسيكيًّا” لا ينفع أمامَ اليمنيين لوحدهم، فَــإنَّ ردًّا عسكريًّا واسعًا وكَبيراً تنسِّقُه كافَّةُ جبهات محور المقاومة بخبراتها ونجاحاتها المتراكمة، كفيل بدفع العدوّ إلى تبنِّي نظرةٍ مشابهةٍ تجاه قدراته الدفاعية وتحشيده الإقليمي والدولي.
والحقيقةُ أن هذه النظرةَ لن تكونَ جديدةً كليًّا، فقد استطاعت عمليةُ “الوعد الصادق” الإيرانية، في إبريل الماضي، أن تسلط الضوء على الكثير من الفجوات في الإجراءات الدفاعية التي يعتمد عليها العدوّ ورعاته، وبرغم الاستنفار غير المسبوق يومها فقد وصلت العديد من الصواريخ والطائرات المسيرة إلى فلسطين المحتلّة وأصابت أهدافها، علمًا بأن هدفَ العملية كان مختلفًا عن هدف الرد القادم؛ فهذا الأخير عقابي بالدرجة الأولى، وكما يبدو من تصريحات قادة المحور، فَــإنَّ الهدفَ اليوم هو توجيهُ ضربة مؤلمة وقاسية وليس فقط كسر “الردع” وتثبيت ميزان “الضربة بالضربة”.
_____
صحيفة المسيرة