نشرت مجلة “cepa” الخاصة بالأمن الأوروبي، هي مجلة إلكترونية تابعة لـ(Europe’s Edge) تغطي (CEPA). مقال عن دوج ليفرمور، هو نائب رئيس العمليات في (The Hoplite Group)، وهي شركة عالمية لتحليل التهديدات. يتحدث المقال عن العمليات البحرية اليمنية المساندة لغزة وأثرها على الحلف الأطلسي ودول أعضائه.
نص المقال مترجم: ربما يكون التهديد الذي يتعرض له الشحن العالمي في مضيق باب المندب قد انخفض إلى حد كبير من الأخبار، لكن القضايا التي يثيرها تعتبر أساسية بالنسبة لحلفاء الناتو. إن أنشطة الحوثيين المضادة للسفن في اليمن، بما في ذلك استخدام الألغام والمركبات الجوية بدون طيار والسفن السطحية بدون طيار والضربات الصاروخية، لها آثار كبيرة على دول الناتو.
ولا تهدد الهجمات أمن الطرق البحرية فحسب، بل تلعب أيضاً دوراً حاسماً في السياق الأوسع للحرب غير النظامية والمنافسة الاستراتيجية التي تشمل الصين وروسيا وإيران.
في حين أن حلف شمال الأطلسي هو تحالف دفاعي بحت ملتزم بأمن ومصالح الدول الأعضاء فيه، فإن هذه الدول الاستبدادية تستفيد من الحوثيين في اليمن لتقويض الرخاء الاقتصادي وحرية الملاحة والمصالح الأمنية الشاملة للتحالف عبر الأطلسي بشكل غير مباشر. ولذلك يجب على التحالف أن يفهم التهديد الذي يشكله هؤلاء الوكلاء المعادون للغرب إذا أرادوا مواجهة هذا الأمر المقلق بشأن التنمية.
إن سيطرة الحوثيين على ساحل اليمن على البحر الأحمر تضعهم في وضع يسمح لهم بتعطيل أحد أهم الممرات البحرية في العالم: مضيق باب المندب، يربط هذا الممر الضيق البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب. ورغم أنها تقع إلى الجنوب من مدار السرطان، وبالتالي خارج الحدود الجغرافية لحلف شمال الأطلسي، فإن مصلحة الحلف لا جدال فيها.
يسمح المضيق بعبور النفط والغاز الطبيعي والسلع التجارية بين أوروبا وآسيا والأمريكتين. وبالتالي فإن استهداف الحوثيين للشحن -حيث هاجموا أكثر من 50 سفينة- يشكل تهديدا كبيرا للتجارة العالمية. وتواجه دول الناتو، التي تعتمد بشكل كبير على هذه الطرق للطاقة والتجارة، زيادة في تكاليف الشحن بسبب الإجراءات الأمنية المشددة وأحياناً تغيير المسارات لمسافات أطول. كما تؤدي الهجمات إلى رفع أقساط التأمين على السفن العاملة في المنطقة، مما يؤثر بشكل غير مباشر على تكلفة البضائع.
علاوة على ذلك، تعتمد دول الناتو على التدفق المستمر للنفط والغاز عبر باب المندب. وأي اضطراب كبير يمكن أن يؤدي إلى نقص الطاقة وارتفاع الأسعار، مما يؤثر على الاقتصادات التي تتصارع بالفعل مع تقلبات سوق الطاقة العالمية. وكانت التأثيرات واضحة، فقد انخفضت التجارة عبر قناة السويس بمقدار الثلثين.
وتؤكد نقطة الضعف هذه على الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها المنطقة بالنسبة لأمن الطاقة في حلف شمال الأطلسي. ونتيجة لذلك، تشارك القوات البحرية لحلف شمال الأطلسي، وخاصة القوات البحرية التابعة للولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، على نحو متزايد في المنطقة لضمان أمن ممرات الشحن. وهذا يحول الموارد عن الأولويات الاستراتيجية الأخرى، ويؤدي إلى مواجهات مباشرة مع قوات الحوثيين، التي تدعمها إيران بلا شك.
يكشف التمييز في الاستهداف عن أهداف الحوثيين. إنهم يمتنعون بشكل خاص عن مهاجمة السفن العسكرية أو التجارية الإيرانية والروسية والصينية، مما يؤكد تحالفهم الاستراتيجي مع هذه الدول. وبينما يزعمون أن الهجمات تدعم الفلسطينيين في غزة، يبدو أن كل سفينة أخرى تقريباً هي لعبة عادلة.
بالإضافة إلى ذلك، عرضت روسيا والصين أشكالاً مختلفة من الدعم الدولي للحوثيين، مدفوعاً بمصالحهم ضد الناتو والنفوذ الغربي. يُظهر هذا الاستهداف الانتقائي تهديداً غير مباشر لحلف شمال الأطلسي، لأنه يسلط الضوء على دور الحوثيين في تحالف أوسع من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية التي تتحدى المصالح الغربية.
إن أنشطة الحوثيين ليست ظاهرة معزولة، بل هي جزء من نمط أوسع من الحرب غير النظامية التي تتأثر بالقوى الكبرى، وخاصة إيران والصين وروسيا. تستخدم هذه الدول تكتيكات غير متماثلة لتحدي المصالح الاستراتيجية للتحالف على مستوى العالم.
تكشف تقارير استخباراتية أمريكية حديثة أنه قد يقوم الحوثيون قريباً بتوفير الأسلحة لجماعة الشباب المناهضة للغرب في الصومال. ويعمل هذا الشكل من أشكال الحرب غير النظامية على تعقيد الحسابات الاستراتيجية الغربية، حيث إن المواجهة المباشرة مع إيران معقدة سياسياً وعسكرياً بصرف النظر عن مبرراتها المتزايدة.
هناك فوائد واضحة للصين. ولديها مشاركة متزايدة في المنطقة، وهي نقطة حاسمة بالنسبة لمبادرة الحزام والطريق، وقد قامت بتوسيع قواعدها العسكرية والتجارية في ميناء جيبوتي على البحر الأحمر، في حين زادت أيضاً دورياتها لمكافحة القرصنة قبالة القرن الأفريقي (أفريقيا). وبالتالي فإن أنشطة الحوثيين التي تعطل الطرق البحرية المتحالفة مع الغرب تفيد الصين من خلال إعاقة منافسيها الاستراتيجيين.
وترى روسيا أيضاً فرصاً في حالة عدم الاستقرار التي تسببت فيها. ومن خلال التحالف مع إيران، وبدرجة أقل، الحوثيين، تهدف روسيا إلى إضعاف تماسك الناتو وصرف انتباه التحالف عن تركيزه الأساسي على الأمن الأوروبي. يأتي ذلك في الوقت الذي سعت فيه موسكو لصالح الفصائل المتحاربة في السودان من خلال توفير الأسلحة ومدربي الشركات العسكرية الخاصة بالتناوب لكل جانب، بهدف إنشاء قاعدة بحرية خارجية في نهاية المطاف على البحر الأحمر في بور سودان.
ويمكن النظر إلى الدعم الشعبي للحوثيين على أنه جزء من استراتيجيتهم الأوسع لخلق جبهات توتر متعددة لحلف شمال الأطلسي، مما يؤدي إلى استنزاف موارده وتركيزه الاستراتيجي وسط حرب روسيا المدمرة ضد أوكرانيا. قد يكون لاستمرار وتصعيد أنشطة الحوثيين المناهضة للسفن عدة آثار طويلة المدى على الغرب.
ولمواجهة هذه التهديدات، قد يحتاج حلف شمال الأطلسي والحلفاء الديمقراطيون في آسيا وأستراليا وأماكن أخرى إلى زيادة تواجدهم وقدراتهم البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن، جنباً إلى جنب مع حلفائهم في الشرق الأوسط مثل المملكة العربية السعودية الذين أحجموا عن ذلك حتى الآن.
حملة الحوثيين لها فائدة ثانوية. إن مواجهة التهديدات مثل الطائرات بدون طيار، والمركبات البحرية الأمريكية، والصواريخ، ستدفع الناتو إلى الابتكار في التدابير المضادة. ويشمل ذلك تطوير قدرات الحرب الإلكترونية المتقدمة، وتحسين أنظمة الدفاع الصاروخي، وتحسين تقنيات الكشف عن الألغام وإزالتها.
ولكن حتى هذا يأتي بتكلفة. يدرس الإيرانيون والروس والصينيون الحوثيين عن كثب -ويجب أن نفترض أنهم يتلقون معلومات استخباراتية مباشرة منهم- مما يسهم بشكل مباشر في زيادة القدرة والفتك لأنظمة الأسلحة المستقبلية.
وتمثل أنشطة الحوثيين المستمرة في مكافحة الشحن البحري تحدياً كبيراً. إننا نتجاهل تصرفات المحور النامي المناهض للغرب مما يعرضنا للخطر. تجني هذه الدول الخبيثة فوائد كبيرة من استمرار أنشطة الحوثيين، وكل ذلك في الوقت نفسه يقوض المصالح الاستراتيجية والاقتصادية الغربية.
ليس لدى أعضاء الناتو خيار سوى تعزيز تدابير الأمن البحري، والابتكار التكنولوجي، وتبني استراتيجيات دبلوماسية واقتصادية شاملة. إن نجاح التحالف سوف يكون حاسماً في الحفاظ على الأمن والاستقرار العالميين.