تعود السعودية خطوة إلى الوراء وتتراجع عن إجراءاتها الاقتصادية العدائية ضدّ اليمن، بعد أيام من إطلاق السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي تهديدًا صريحًا ضدّ أمنها الاقتصادي ومصالحها، وإعلانه عن معادلة “البنوك اليمنية بالبنوك السعودية، ومطار صنعاء بمطار الرياض والموانئ بميناء الحديدة”.
عملية “يافا” المباركة آتت أكلها سريعًا، وجدية اليمن في إسناد غزّة وثباته على الموقف رغم التحالفات الأميركية والغربية ضدّه دفعت السعودي لإعادة التفكير وقراءة الأحداث من زاوية التأثيرات والمخاطر المحتملة على بنوكه وموانئه ومنشآته الحيوية في حال التصعيد مع اليمن، لا سيما والأخير يمتلك من القدرات في هذه المرحلة ما لم يمتلكه خلال حرب السنوات الثماني الماضية.
وبعد أيام من المباحثات والمداولات أصدر المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس جراندبرغ بيانًا كشف فيه عن اتفاق يتضمن عدة تدابير لخفض ما أسماه التصعيد في ما يتعلق بالقطاع المصرفي والخطوط الجوية اليمنية.
بنود الاتفاق حسب الإعلان الأممي وتأكيد رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام هي:
– إلغاء القرارات والإجراءات الأخيرة ضدّ البنوك والتوقف مستقبلًا عن أي قرارات أو إجراءات مماثلة.
– استئناف طيران “اليمنية” للرحلات بين صنعاء والأردن وزيادة عدد رحلاتها إلى ثلاث يوميًّا، وتسيير رحلات إلى القاهرة والهند يوميًا أو بحسب الحاجة.
– عقد اجتماعات لمعالجة التحديات الإدارية والفنية والمالية التي تواجهها الشركة.
– البدء في عقد اجتماعات لمناقشة كافة القضايا الاقتصادية والإنسانية بناء على خارطة الطريق.
تلك هي مضامين الاتفاق الذي حرص المبعوث الأممي كعادته على أن يقدمها على أنها اتفاق بين الأطراف اليمنية، متجاهلًا دور السعودية في اختلاق الأزمة ورفع منسوب التوتر ومن ثمّ التراجع والنزول عن الشجرة. والمفارقة العجيبة إشارة غروندبرغ إلى ما أسماه الدور الهام الذي لعبته السعودية في التوصل إلى هذا الاتفاق.
محاولات تلميع السعودية وإظهارها كوسيط أصبحت لازمة في بيانات الأمم المتحدة في ما يخص الأزمة اليمنية وديباجة اعتاد الناس على قراءتها وسماعها. وهذا أمر لافت يظهر حجم قلق ابن سلمان من تداعيات عدوانه على اليمن واحتمالية استئناف المواجهات في العمق السعودي.
في قراءة أولية لنص الاتفاق فصنعاء أجبرت حكومة المرتزقة على التخلي عن إجراءاتها التصعيدية في ما يخص نقل البنوك ومنع التحويلات المالية بتهديد مشغلها السعودي ليتأكد أن هذه السلطة شكلية ولا تملك أي قرار، في المقابل الثقة بين السلطة في صنعاء والبنوك الخاصة والأهلية، وكذلك التجار ورؤوس الأموال، تتعزز أكثر وأكثر.
أزمة نقل البنوك نستطيع أن نقول إنها انتهت، والرحلات من مطار صنعاء إلى الأردن ستعو،د لكن المطب في الاتفاق هو في ما يخص زيادة الرحلات إلى القاهرة والهند بقصد العلاج. فرغم وضوح النص باعتماد رحلتين إلى هذين البلدين إلا أن الأمم المتحدة تركت الباب مواربًا للتنصل والمماطلة لطرف العدوان بما أبدته من استعداد للتواصل مع السلطات الهندية والمصرية للقبول بفتح الأجواء واستقبال الرحلات من صنعاء. ففي هذه الحالة تستطيع السعودية أن تمارس الضغط على مصر لعدم الموافقة على التعاون مع صنعاء كما حدث مع أول اتفاق لخفض التصعيد قبل أكثر من عامين والأمر ينسحب على الهند بمطالبتها بالامتناع عن استقبال رحلات صنعاء.
الحديث عن التعاون والتنسيق لحل الخلافات الإدارية والمالية مع شركة “اليمنية” من أجل التوصل إلى اقتصاد يخدم جميع اليمنيين ويدعم تنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد واستئناف عملية سياسية جامعة يخضع للرغبة السعودية في إنهاء تدخلها في اليمن ومن خلفها الأميركي الذي يريد بقاء الحال على ما هو عليه للضغط على سلطة صنعاء وابتزاز العملاء في الإقليم.
الاتفاق في مضمونه خطوة مهمّة لنزع فتيل التوّتر لكن الأزمة ما تزال قائمة والاستحقاقات الإنسانية للشعب اليمني طويلة، وتحتاج إلى ممارسة الضغط على السعودي وداعميه لوقف دائم لإطلاق النار ورفع الحصار وخروج قوات الاحتلال والمضي في صرف المرتبات وإعادة الإعمار، وما سبق شروط اليمن لأي اتفاق شامل مع دول العدوان.
العهد الاخباري: اسماعيل المحاقري