مقالات مشابهة

تحليق لمدة 16 ساعة.. كيف حققت “يافا” ما لم تحققه طائرات الـ F35؟

بعد نحو 200 ضربة جوية يمنية كان آخرها استهداف العمق الاستراتيجي لإسرائيل، استهدفت طائرات الاحتلال مدينة الحُديدة في ضربة أشبه ما تكون “لرد الاعتبار” لا “لتحقيق الردع”. اذ أن الضربة التي اختارت خزانات الوقود ومحطة الكهرباء جاءت نتيجة شح المعلومات الاستخباراتية التي استقتها إسرائيل من الولايات المتحدة. والواقع، أن الأخيرة نفسها، التي نشطت في البلاد خلال 9 سنوات من الحرب، تدرك أن اليمن بات يعد “أرضاً محروقة” كتوصيف عسكري، قد تعرضت كل جغرافيته لآلاف الغارات، وأن استراتيجية “الدفاع السلبي” حافظت على قدرات القوات المسلحة وأثمرت إنجازات نوعية كتلك التي عجز دفاع الجوي الإسرائيلي عن صدها في سماء تل أبيب.

انجلى الغبار عن المشهد الأولي لما جرى: طائرة مسيّرة يمنيّة بتكلفة رمزية وصلت إلى سماء تل أبيب بعد رحلة استغرقت 16 ساعة وفق تقديرات إسرائيلية وحلّقت غرباً نحو السودان ثم اتجهت شمالاً، حتى وصلت إلى جنوب مصر ثم سيناء وتوجهت شرقاً إلى البحر الأبيض المتوسط ثم جنوباً إلى المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة -وفق رواية الجيش الإسرائيلي- وعلى الرغم من أن اليمن يبعد اسمياً 1800 كيلومتر عن فلسطين المحتلة، إلا أن المسار الذي اختارته القوات المسلحة اليمنية للطائرة المسيّرة “يافا” وصل إلى أكثر من 2600 كيلومتر.

فيما حققت هدفها باختراق الأنظمة الدفاعية الأكثر تقدماً في العالم واستهدفت العمق الاستراتيجي للكيان والذي يعد مساساً بالخطوط الحمراء وانتقلت بذلك إلى مرحلة أخرى من التصعيد. بالمقابل أرادت إسرائيل “تحقيق الردع”، بإرسال سرب من عشرات طائرات F35 (بتكلفة 41986 دولاراً لكل ساعة طيران) برفقة طائرات F-15 بتكلفة (29000 دولاراً في الساعة) لتزودها بالوقود في عملية وصفها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأنها “مقعدة”، مع اعلان تفاصيل الحدث منذ انطلاق الطائرات إلى حين عودة الطيارين، لاستهداف المدينة التي استهدفت قبل ذلك عشرات المرات.

وتعلق صحيفة هآرتس العبرية على هذه العملية بالقول أنه “لا يمكن لإسرائيل أن تبذل جهداً عسكرياً متواصلاً بعيداً جداً. يجب إعادة المهمة إلى القيادة المركزية الأميركية”.

من ناحية أخرى، فإن اختيار خزانات الوقود هدفاً لم يكن عبثياً في ظل عدم توفر بنك أهداف ثمين. اذ أن الحكومة الإسرائيلية كانت بحاجة شديدة لمشهد النيران التي تلتهم المحطة لساعات طويلة، كأسلوب دعائي تشتري فيه هدوء جبهتها الداخلية أولاً.

لا تحتاج صنعاء لكثير من الدلائل على أن الاستهداف لم يغيّر من المعادلات المفروضة بشيء. خاصة وأن العملية التي استُهدفت فيها ايلات، جاءت بعد ساعات من القصف الإسرائيلي. في حين أن المعركة التي كانت اسناداً لغزة باتت اليوم في جانب من جوانبها أصالة عن نفسها ودفاعاً عن سيادتها.

طيلة سنوات جنّدت واشنطن ودول التحالف مختلف الموارد العسكرية والتكنولوجية والبشرية لاستعادة السيطرة على اليمن. ولأجل ذلك، حاولت واشنطن -كما كشفت الأجهزة الاستخباراتية لحركة أنصار الله قبل أشهر- تجنيد العملاء للحصول على أكبر قدر من المعلومات خاصة تلك التي لها صلة بقيادات في الحركة. غير أن ما توصلت إليه أخيراً، وكان من نتاجه عدم القدرة على تأمين أهداف ذات قيمة عسكرية، أن اليمن، تاريخياً، ليس بيئة حاضنة لمثل هذه المشاريع.

من جهة أخرى، تدرس وسائل الاعلام الغربية نتائج الضربة الإسرائيلية. وتقول صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن مسؤولين أميركيين سابقين ان “الضربات الإسرائيلية لن تلحق ضرراً يذكر بالحوثيين. وبدلاً من ذلك، قالوا إن الهجوم من المرجح أن يؤدي إلى تفاقم المعاناة في اليمن، الذي يشهد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم بعد عقد من الحرب”. وأشار ملحق متقاعد من الجيش الأمريكي في اليمن، آدم كليمنتس، إلى أن “إن هدف الضربة يضر بالمواطن اليمني العادي أكثر من قدرة الحوثيين على شن هجمات على البحر الأحمر أو إسرائيل”.

وذهبت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية إلى القول بأن “أعداء إسرائيل تردعهم الأفعال وليس الأقوال. ولو كانت للكلمات قوة ردع، فإن شمال البلاد ما كان ليظل تحت وابل من الصواريخ اليومية من جانب حزب الله، لأن التهديدات التي تطلقها إسرائيل ضد حزب الله بقيادة غالانت كانت كثيرة ومتكررة”.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
مريم السبلاني