الرئيسية أخبار وتقارير قراءة: من يافا إلى الحديدة.. ما بين فقدان الثقة بالأمن وتهاوي الردع...

قراءة: من يافا إلى الحديدة.. ما بين فقدان الثقة بالأمن وتهاوي الردع وثالثة الأثافي أفول “العسل واللبن”

قراءة: من يافا إلى الحديدة

خاص/

يافا اليمنية تشق طريقا للتاريخ من جبال اليمن الشامخة إلى “يافا – تل أبيب” وتقطع أكثر من 2000 كم متجاوزة كل القبة الحديدية والدفاعات البريطانية والأمريكية والمصرية والسعودية والأردنية المنتشرة بين اليمن وكيان العدو، فكانت ما وصفه مسؤول عسكري كبير في جيش كيان العدو بأنه “7 أكتوبر للدفاع الجوي الإسرائيلي، لا أقل”، وأن ما فعلته يافا اليمنية أنهت عصر “السماء الصافية” من التفوق الجوي المطلق في إسرائيل.

رابعة النهار حاول جيش كيان العدو تغطيتها بغربال البيان الهزيل بأنه يحقق كيف فشلت الدفاعات الجوية في صد ما فعلته الأسطورة يافا اليمنية بما في ذلك سبب عدم إصدار أي تحذيرات، وحتى اللحظة لم يصدر توضيح رسمي لنتائج التحقيق، لكنه قال أن “التحقيق الأولي يكشف أن الحوثيين استخدموا بدقة مسارات الطيران المدنية، في محاولة للخداع. ويقدر المسؤولون الأمنيون أن هذا قد يكون هو ما أدى إلى التقدير الخاطئ بأنها أداة غير معادية”.. فيما قال مسؤول عسكري إسرائيلي لCNN إن نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي اكتشف الطائرة بدون طيار، لكن لم يتم اعتراضها بسبب “خطأ بشري” من الجندي المسؤول عن ذلك.. ربما رأى الطائرة تظهر وتختفي على الرادار ولم يفهم الصورة بشكل واضح ظنها عصفور أو طير أو شيء، فتشابه عليه الأمر، فاليهود معروفون بتشابه الأمور والأبقار والطائرات عليهم، فلم يطلق صفارة الإنذار وماهي إلا دقائق حتى ارتطمت يافا بيافا مخلفة قتيل صهيوني و8 جرحى.

فقدان الثقة بالمنظومة الحاكمة مقدمة للهلاك

عملية يافا التي شغلت العالم وأحدثت زلزالا في أوساط كيان العدو ومجتمعه الهش، وتداعياتها بدأت بالظهور بتعليقات المستوطنين والمسؤولين الصهاينة حول العملية، والتي كانت كلها تتمحور ما بين الإحباط الشديد والغضب الشديد وما بين فقدان الثقة الكامل في الجيش والدولة والمنظومة الحاكمة، وهذا أمر مهم بدأ في التآكل.

الكونفوشيوسية وهي عقيدة أهل الصين، وكونفوشيوس فيلسوف صيني وصاحب الفلسفة الصينية، ومؤلف كتاب “التاو الصيني المقدس” هو لاوتسوا رفيق كونفوشيوس الكبير، يشرح فيه السياسة والحكم وإدارة الدول يقول فيه “إذا فقد الشعب الطعام فإنه سيأكل أوراق الشجر وإذا فقد السلاح فإنه سيقاتل بالمحاريث والعصي وأسنانه وأظافره وإذا فقد الشعب الثقة فلن تكون هناك دولة”. بمعنى أن الشعب إذا وثق في دولته سيتحمل لأجلها كل شيء، لكن إذا لم يثق الشعب بالحكومة سيكون هلاكها.

الزلزال الذي أحدثته “مسيرة يافا” في أوساط الصهاينة وفقدانهم الثقة بالحكومة والأمن والجيش، لن تشفع له تحقيقات الجيش حول الفشل بالتصدي لـ”يافا اليمنية” مهما كانت النتيجة، سيما مع عزم اليمنيين تصعيد العمليات حتى وقف العدوان ورفع الحصار على غزة. فكان لابد من حدث يهدأ من روع الصهاينة، فكان العدوان الإسرائيلي على منشآت مدنية “خزانات النفط ومحطة الكهرباء” في الحديدة اليمنية.

حفلة بداية الرحيل

مكرها أخاك لا بطل، فكان العداون بالنسبة للإسرائيلي مسألة وجود، لكنه أوقعها في ورطة الزوال المحتوم، فعدوان الإسرائيلي مهما بلغ لا ولن يرقى لمستوى الردع وثني اليمن عن الإستمرار بعملياته المساندة لطوفان الأقصى، بل أن العدوان سيكون محفز لليمنيين وفاتحة شهية لوجبات ومراحل، وستعود على الداخل اليمني بالتلاحم ورص الصفوف، ومادون ذلك سيكون منبوذ.

وكمن يجر من أذنه إلى تصوير حفلة بداية رحيله رأينا رئيس وزراء كيان العدو المجرم نتنياهو في غرفة عمليات العدوان الإسرائيلي على اليمن، وبوجوه مكفهرة وعابسة تتصنع الحزم أعلن جيش كيان العدو عدوانه على الحديدة مستهدفاً خزانات النفط في الميناء والكهرباء، متعمداً إحداث أكبر قدر من مشاهد النيران توحي بأن الدمار كبير، كل ذلك لم يكن شيء أمام مفردات البيان الذي كان موجهاً للجمهور الإسرائيلي في سباق انتخابات وليس بيان إعلان عملية، بالزعم أن العملية أتت دفاعا عن الدم الإسرائيلي الذي سفكته “يافا اليمنية”.

جدوائية منعدمة للورطة

خسر الصهاينة في عدوانهم أكثر مما خسرته اليمن من المحروقات المحترقة بضرباته في الحديدة، حيث نقلت وسائل إعلام العدو بأن “نحو 20 طائرة إسرائيلية شاركت في الهجوم على اليمن بعشرات الأطنان من المتفجرات وتم التزود بالوقود في الجو”، وقبلها أعلن تسيير دوريات جوية لحماية أجواءه من المسيرات اليمنية، وحتى يستوعب البعض معنى ذلك فإن تكلفة ذخيرة الطائرة الواحدة في الطلعة الجوية الواحدة تبلغ 40 ألف دولار أمريكي، وتكلفة كل ساعة تحليق لها بدون عمليات قتالية 30 ألف دولار أمريكي، فيما تبلغ تكلفة التزود بالوقود نحو 10 ألف دولار أمريكي للطائرة الواحدة.. وعلى وزير مالية الكيان “سموتريتش” الزعلان الذي رفض التصويت لصالح العدوان على اليمن “بذريعة دعوته بعد إقلاع الطائرات”، عليه أن يزعل ويحزن بإخلاص وهو يفرغ خزائنه لموازنة جديدة إلى جانب موازنة العدوان على غزة والتي قدرها الوزير الزعلان بـ250 مليون دولار أمريكي يوميا.. وعليه ألا ينسى مطالبات بلدية إيلات بإعتماد موازنة جديدة للمدينة التي خسرت إيرادات الميناء، وهي تضطر هذا الأسبوع لتسريح نصف العاملين في الميناء لعدم القدرة على دفع رواتبهم حسب تصريح “جدعون غولبر” الرئيس التنفيذي للميناء المهجور بسبب عمليات اليمن.

في هذه المواجهة من الواضح كم ستكون ميزانية القوات المسلحة اليمنية، مقابل ميزانية جيش كيان العدو التي ستضيف له أعباء لا تطاق مع استمرار عدوانه على غزة ومناطق في جنوب لبنان، مع سهولة الجبهات التي عرفها، سيواجه صعوبة وإنهاك وتعقيدات وكل صنوف ومفردات التحديات التي لم يعرفها من قبل في اليمن، لناحية المدى وتوفير متطلبات استمراره، ولناحية جدوائية الجانب العملياتي على الأراضي اليمنية، فالمعادلة التي سيفهمها اليوم أو غداً هي “لا رادع لليمن” كما أدركها الأمريكي وغيرهم.

فالأمريكي عبر لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض قال إن الولايات المتحدة “لم تشارك في الضربة ولم تنسق أو تساعد الإسرائيليين في الضربات”. فيما السعودي وعلى لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية “تركي المالكي” قال أن السعودية “ليس لها أي علاقة أو مشاركة في استهداف مدينة الحدَيدة، مشدداً على أن المملكة لن تسمح باختراق أجوائها”.

تهاوي أسطورة الردع

الغارق في وحل غزة وهي المحاصرة لسنوات والمدمرة بكثافة نيرانية هائلة، بل الفاشل في أحياء الضفة وجنين لسنوات، وهو الذي لم يجرؤ على تحدي خيمة واحدة نصبها حزب الله على الحدود. يريد أن يتحدث عن عمليات على اليمن ويشرح فيها بطولاته وهو للتو خرج من حفلة إذلال وإهانة يمانية تاريخية، لدرجة احتاج جيشه لثلاث ساعات لاستيعاب ماذا كان انفجار يافا، بعدما ظنه عبوة ناسفة بالبداية.

لكن الخارج من عدوان أمريكي إعرابي، والمتحدي لجميع منظومات ورادارات أهل الأرض بامتلاكه قدرات عسكرية متقدمة والأهم امتلاك الإرادة والشجاعة على اتخاذ القرار بتأييد والتفاف شعبي غير مسبوق، من حقه أن يروي روايات الفعل قبل القول. أو يرتب ما يحلوا له من السيناريوهات، ومن حقه التأكيد بأنه سيرد على هذا العدوان، ومن حقه التأكيد على اعتبار منطقة “يافا – تل أبيب” المحتلة منطقة غير آمنة.

تهاوت أسطورة الردع ما بين عملية يافا وعدوان الحديدة، وسيد الفعل يقول “العدوان على اليمن لن يوفر له الردع ولن يمنعنا من الاستمرار”. واستعادة الردع حل غير موجود لا في الأعداد الحقيقية ولا الطبيعية ولا في خزانات الوقود في الميناء ومحطات الكهرباء، وورطة الدماء الإسرائيلية التي جعلت الجيش يلقي بيان انتخابي لمستوطنيه ستوحل به أكثر مع العمليات اليمنية القادمة، ولن تنفع أي تحالفات أطلسية ودولية فالجميع والكل تحت وطأة الإرادة اليمنية خاضعون ساجدون راكعون، والعالم على بعد ساعات من إسقاط أسطورة الردع الإسرائيلية التي ظلت قائمة لعقود في منطقتنا العربية وفرضت نهايات لمشاريع مفاعلات نووية في العراق وسوريا وليبيا ومصنع أسلحة في السودان بالضربة القاضية، هذه النهايات لم تعد إسرائيل الراسمة لها، ولم يعد بإمكانها إيقاف أي خطر في مهده أو عقر داره ولم يعد بوسعها فرض قواعد اشتباك من أي نوع يقيها ما تخشاه.

اليوم أقرت تصريحات قادة العدو العسكريين بأن الطائرة تشابهت على المجند الذي شهد طائرة يافا على أجهزة الرصد والمراقبة، فكانت الأبقار التي قررت الرد مكرهة أخاها لا بطل، وغداً سنسمع صرخات تهاوي أسطورة الردع وتعزيز تفكيك الثقة بالأمن والمنظومة الصهيونية وبدأ طوفان الانهيار قبل الخراب الأخير، وسيصبح لسان المستوطنين الصهاينة “لن ندخلها طالما استهدفوها، واذهب يا نتنياهو أنت وبن غفير إنا إلى الشتات مغادرون ولأمتعتنا حازمون، ومعها ستتهاوى أسطورة الكذبة الأعظم التي أنفقت الصهيونية لأجلها ما أنفقت وفعلت ما فعلت لإقناع يهود الشتات بالعودة إلى أرض اللبن والعسل، وبعد أفول سنوات العسل واللبن واستبدالها بالجحيم والدم النار سنرى الهجرة المعاكسة بالشتات مجدداً وتلك ثالثة الأثافي، فلا ردع ولا ثقة ولا لبن وعسل في هذا البلد، ولله عاقبة الأمور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحرر السياسي
المشهد اليمني الأول
15 محرم 1446هـ
21 يوليو 2024م

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version