عندما تُعلن أمريكا وضع جميع قواعدها في مُختلف انحاء أوروبا في حال تأهُّبٍ قُصوى وتمنع جُنودها من الخُروج منها بالملابس العسكريّة، فهذا يعني أنّ هُناك معلومات مُؤكّدة مُوثّقة عن عمليّاتٍ هُجوميّةٍ وشيكةٍ بصدد استهدافها ومن فيها من جُنودٍ ومُنشآت.
هُناك جهات يُحتمل أن تقف خلف أيّ تهديد مُحتمل للقوّات الأمريكيّة في أوروبا منها كتائب شرق أوسطيّة، ومن محور المُقاومة على وجه الخُصوص، أو المُتعاطفين معه، بشكلٍ مُباشر أو غير مُباشر، بالنّظر إلى حربِ الإبادة التي تدعمها أمريكا في قطاع غزة والضفّة الغربيّة وجنوب لبنان واليمن وبدأت نتائجها الأوّليّة تُعيد رسم خرائط القوّة في المِنطقة والعالم.
***
مُشاركة أمريكا المُباشرة في حرب الإبادة والدّمار التي تُمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي مُنذ تسعة أشهر في كُل من الضفّة والقطاع صعّدت من حالة الكراهية ضدّها في العالمين العربيّ والإسلاميّ، ومن المُمكن أنْ تُترجم هذه الكراهية، إلى هجماتٍ ضدّ الأهداف والمصالح الأمريكيّة في مِنطقة الشّرق الأوسط والقواعد الأمريكيّة في أوروبا على غِرارِ ما حدث في السّبعينات والثّمانينات من القرن الماضي.
ماذا تتوقّع الولايات المتحدة الأمريكيّة أن يكون رد الفعل العربي على انخِراطها في حرب الإبادة التي أدّت إلى استشهاد وإصابة أكثر من 150 ألفًا في قطاع غزة، وتدمير مُعظم المُستشفيات، وإغلاق كُل المعابر في وجه المُساعدات الإنسانيّة لأبنائه، في إعلانٍ مُباشرٍ لبدء مُوسّع لحرب التّجويع التي لا تقلّ خُطورةً وفتكًا.
بالأمس أعلنت القيادة الأمريكيّة عن إرسالها 10 آلاف قنبلة شديدة الدقّة التدميريّة والقتل بثلاثة أوزان: 2000، 1000، 500 رطل لدولة الاحتلال الإسرائيلي، علاوةً على طائرات شبح “إف 35″، وآلاف الصّواريخ من طِراز “هليفاير”، فهل تتوقّع هذه القيادة المُفترسة، معدومة الإنسانيّة والضّمير، أن يقذفها محور المُقاومة وأنصاره بالزّهور والبالونات المُلوّنة، أليست هذه القنابل بهدف تدمير جنوب لبنان لأنّ 90 من منازل غزة جرى تدميرها فعلًا؟
ثلاثة تطوّرات مُهمّة يُمكن رصدها في أراضي وأجواء المنطقة ظهرت إرهاصاتها بوضوحٍ في الأيّام القليلة الماضية وتُشكّل فألًا مُرعبًا لإسرائيل وأمريكا معًا:
الأوّل: إعلان العميد يحيى سريع المتحدّث باسم القوات المسلحة اليمنيّة عن امتلاك بلاده وجيشها زوارق مُسيّرة تحمل اسم “طوفان المدمر” قادرة على تدمير السّفن العسكريّة وحاملات الطّائرات الأمريكيّة في البُحور الثّلاث الأحمر والعربي والمتوسط، إلى جانب المحيط الهندي، وقصف أربع سفن في البحرين الأبيض والاحمر من بينها سفينة أمريكيّة.
الثاني: إعلان سماحة السيّد حسن نصر الله أمين عام حزب الله، في خطابه الأخير بأنّ رد محور المُقاومة على أيّ هُجوم إسرائيلي سيكون بلا ّضوابط أو سقف أو قواعد، وهذا تلميحٌ بأن القواعد الأمريكيّة في أيّ مكان لن تكون في منأى عن أيّ ردٍّ انتقاميّ، بدءًا من قبرص الأوروبيّة وانتهاءً بالقواعد الأخرى في مِنطقة الخليج، أو هكذا فهمناها.
الثالث: تحذير البعثة الإيرانيّة في الأمم المتحدة بأن إيران سترد بقوّة على أي عدوان يستهدف المُقاومة الإسلاميّة في لبنان، في إشارةٍ مُباشرة إلى “حزب الله” وحُلفائه، مع التّذكير بهُجوم “الوعد الصّادق” الإيراني المُباشر بالصّواريخ والمُسيّرات على القواعد الإسرائيليّة في النقب المُحتل في سابقةٍ غيّرت كُلّ قواعد الاشتباك وحملات التّشكيك.
***
دولة الاحتلال الإسرائيلي انهزمت في قطاع غزة، وجنوب لبنان، ولم تجرؤ رُعبًا على إطلاق رصاصة على اليمن، والمُقاومة لن تتوقّف حتمًا حتّى اكتمال عمليّة الانهيار، ونهاية المشروع الصّهيوني، والأهم من ذلك أنها تأخُذ الولايات المتحدة معها إلى القاع، ولمصلحة خُصومها في الصين وروسيا.
العصر الصّهيوني يلفظ أنفاسه الأخيرة، ومن حُسن الحظ، أنّ قادته يُصِرّون على استخدام كُل ما لديهم من قوّة وأوراق ضغط لمُكافأة الولايات المتحدة على خدماتها الكبيرة بأخذها معهم إلى قعر الهاوية.. فألف مبروك للاثنين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبدالباري عطوان