ناصر قنديل
– كان من المستحيل أن تنجح قوى المقاومة في المنطقة بتغيير قواعد الاشتباك الاستراتيجية وموازين القوى الدولية والإقليمية، بالطريقة التي جرت خلال تسعة شهور، محققة إنجازاً شبيهاً بذلك الذي حققته في انتصارها على الحملة التي قادتها واشنطن ضد سورية خلال أكثر من عقد متصل، من دون أن تكون لهذا الانتصار مترتبات وتأثيرات على رسم المشهد الإقليمي، حتى قبل الاعتراف النهائي بنتائجه وتكريسه سياسياً، بمثل ما حدث في حرب سورية، التي لا تزال معلقة النتائج سياسياً عبر حالة الإنكار التي يعيشها الغرب بقيادة أميركية مباشرة تجاه الحقائق الجديدة.
– شهد شمال المنطقة على إيقاع نتائج الانتصار في حرب سورية، تحولات بحجم تموضع تركي من الانضواء المطلق في الحلف الذي تقوده واشنطن، إلى موقع في منتصف الطريق بين محور واشنطن ومحور موسكو وطهران، وتمثل ذلك في انضمام أنقرة الى مسار أستانة حول سورية مع موسكو وطهران، وفي موقف تركيا الرافض للمشاركة في العقوبات والقطيعة تجاه كل من روسيا وإيران، رغم الإجماع الأميركي الأوروبي على ذلك ووجود تركيا في حلف الناتو.
– شهد بالمقابل جنوب المنطقة على إيقاع الانتصار في حرب سورية، ومن بعده الفشل في حرب اليمن، تحوّلات بحجم التموضع السعودي في تفاهم سعودي صيني إيراني، تبعه انفتاح عربي على سورية، وإعادة مقعد سورية في الجامعة العربية بعد سلبه منها لعدة سنوات، وصولاً إلى دعوة الرئيس السوري لحضور القمة العربية، وتبع ذلك قيام عدد من الدول العربية بفتح سفاراتها التي أغلقتها سابقاً في دمشق.
– بدأت خلال الأسبوع الماضي مجموعة تحولات موازية بالظهور، فشهدنا على المسار التركي تموضعاً جديداً تجسد بمغادرة المنطقة الرمادية من العلاقة بسورية، نحو الإقرار بالحاجة لتكريس المصالحة التركية السورية بقبول الشروط السيادية السورية، عنوانها الالتزام بالانسحاب العسكري من الأراضي السورية، على خلفية القلق من عزلة تركية تنتج عن تحوّل أوروبا نحو اليمين والعداء للمهاجرين، والخوف من الفشل بالتعامل مع حرب غزة بما يوازي ما فعلته إيران وقوى المقاومة، وما نتج عن ذلك في الانتخابات التركية من تراجع في وضع الحزب الحاكم، والخشية من تسارع مؤشرات الانتصار الروسي في حرب أوكرانيا، والحاجة بالتالي للانعطاف نحو المفهوم الأوراسي من البوابة الروسية الإيرانية ومفتاحها لا يزال العلاقة مع دمشق.
– جنوباً، كانت التحولات تتجه نحو تصحيح الخطأ الذي رافق أوهام الصعود الإسرائيلي وتقدم صفقة القرن ومسارات التطبيع، وترجمتها بتصنيف المقاومة على لوائح الإرهاب، وبالرغم من انتقادات وربما عداء عدد من الدول العربية لحركات المقاومة في فلسطين واليمن والعراق بقي حزب الله بصفته القوة الضاربة في محور المقاومة، الوحيد الذي طاله التصنيف كـ”تنظيم إرهابي”، سواء لدى الجامعة العربية عام 2016، أو لدى عدد من الدول العربية، وليس أمراً عادياً أن تبادر الجامعة العربية في ظلال الحرب المستمرة منذ طوفان الأقصى، ويأتي شطب حزب الله من لوائح الإرهاب لدى الجامعة العربية بإجماع عربي، كما قال الأمين العام المساعد للجامعة حسام زكي في زيارته الأخيرة لبيروت، فيما تسجل المقاومة المزيد من الانتصارات وإثبات الحضور، مقابل تراجع هيبة قوة جيش الاحتلال، والفشل الأميركيّ في تعويم هذه القوة وصولاً إلى معادلات جديدة فرضها اليمن في البحر الأحمر بوجه القوة الأميركية مباشرة، وليس من السياسة بشيء عزل هذه المبادرة عن هذا السياق، تماماً كما جاء الانفتاح على سورية.
– هذا ليس إلا أول الغيث لنتائج حرب الطوفان ولم تصل بعد كل تردّدات الزلزال الذي فرضته الحقائق الجديدة لهذه الحرب، وما ستحمله الأيام المقبلة سوف يكون أعظم وأكبر.