أدت العمليات البحرية اليمنية ضد إسرائيل إلى أضرار بالغة طالت الاقتصاد الإسرائيلي، انعكست بشكل مباشر على أسعار المنتجات الأساسية وغير الأساسية في المجتمع الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، كما ألقت بتداعياتها على قطاعات بأكملها ذات صلة بالنقل والاستيراد والتصدير.
يرصد هذا التقرير تأثيرات العمليات اليمنية في مراحلها الأولى قبل أن تبدأ المرحلة الرابعة والتي من المتوقع أن تظهر آثارها بشكل واسع خلال الأسابيع القادمة.
توقف كامل لميناء إيلات في منطقة أم الرشراش المحتلة
يمثل ميناء إيلات منطقة حيوية لإسرائيل، قالت صحيفة yomyom في تقرير نشر بتاريخ 14 يونيو الجاري إن آخر السفينة الأخيرة التي استقبلها ميناء إيلات وكانت محملة بسيارات جديدة من الشرق، رست في شهر نوفمبر 2023. منذ ذلك الحين وحتى اليوم، توقف ميناء إيلات عن العمل وكذلك ميناء كاتسا الذي بقي فارغًا من ناقلات الوقود. تسبب الضرر الذي لحق بميناء إيلات في سلسلة من الأضرار في قطاعات النقل والأمن، وأثر أيضًا على إيرادات مستوطنات منطقة إيلوت وإيلات.
وبحسب الصحيفة كان ميناء إيلات يتحدث عن نقص حاد في مناطق التخزين عشية الحرب، ونتيجة لذلك، تم تأجير مناطق للميناء في مطار رامون، وتمناع، ويوطفاتا، وإيلات وقد وفرت هذه المناطق إيرادات جيدة لكبّوتسات منطقة إيلوت ولبلدية إيلات وراشوت تافورا، ونشأت حولها صناعة إضافية للأمن والنظافة، حاليا لا يوجد فيه سوى 10 آلاف سيارة وتخطط إدارة الميناء لنقلها إلى مناطق الميناء بهدف توفير تكاليف استئجار مناطق التخزين.
ووفقا للصحيفة أصبح ميناء إيلات ( البوابة الجنوبية لإسرائيل)، التي تم ترويجها طوال السنوات كـ”أصل استراتيجي يحافظ على الممرات البحرية المفتوحة لإسرائيل”، مشلولًا فجأة وأثبت أن التحالف الدولي، وكذلك إسرائيل، ليس لديهم السيطرة أو القدرة على التأثير على حرية الملاحة في البحر الأحمر.
وأدى الشلل في ميناء إيلات إلى تضرر عدد من المجموعات الاقتصادية التي كانت تعمل في النقل مثل مجموعة تسمى “تاعبورا” كانت تشغل حتى اندلاع الحرب خطًا نشطًا من مئات الشاحنات التي كانت تعبر العربة أسبوعيًا حاملة للسيارات من ميناء إيلات إلى المركز، وكانت تستحوذ على 70 % من نقل السيارات من الميناء، وتحصل على إيرادات تصل إلى حوالي 3 ملايين شيكل شهريًا، والآن انخفضت إيراداتها من جميع أنشطتها في الجنوب إلى النصف، وذلك بعد أن انخفضت كمية نقل السيارات التي تقوم بها الشركة للميناء بشكل كبير منذ شهر فبراير من هذا العام.
ووفقًا لبيانات هيئة الملاحة الإسرائيلية، قبل اندلاع الحرب كان ميناء إيلات يستقبل غالبية واردات السيارات. في عام 2023، تم استيراد 149.5 ألف سيارة عبر الميناء، مقارنة بـ 114 ألف سيارة تم استيرادها عبر ميناء أشدود و81.2 ألف سيارة وصلت عبر ميناء حيفا.
وقد انعكس الشلل في الميناء على وضع العمل الذين كان قد تم إصدار قرار بتسريحهم قبل أن يتدخل اتحاد العمال لتأجيل القرار، ونتيجة لهذا الوضع عرض الرئيس التنفيذي لميناء إيلات جدعون جولبر دفع رسوم على عبور مضيق باب المندب كما يحدث في عبور السويس من أجل استعادة النشاط في الميناء لكن ذلك غير ممكن.
وقال جولبر في مقابلة مع صحيفة غلوبس في مطلع يونيو الجاري إن الشلل الاقتصادي في إيلات “ليس خطأ الميناء بل خطأ ضعف دول التحالف في التعامل مع الحوثيين” ولا يمكن تجاهل هذه القضية رغم الحرب لكن لا توجد حلول، ولذلك لا أخجل من أن أقول للعملاء أن يدفعوا للحوثيين 100 ألف دولار لعبور مضيق باب المندب، وسأشارك في التمويل. أنا لا أنام ليلاً، وإذا كان علينا أن ندفع للمصريين لعبور قناة السويس، أو للحوثيين لعبور باب المندب، فهذا ما يجب فعله”.
وأضاف: “لا يوجد عمل على الإطلاق منذ سبعة أشهر. نحن نفكر الآن في عمليات فصل، لأنه في الاتفاقية الجماعية لا يوجد خيار لإجازة بدون راتب، ولكن هناك إمكانية للفصل، وربما لا يوجد لدينا خيار آخر”.
وكان جولبر قد صرح لموقع كالكيست الإسرائيلي في 23 أبريل الماضي أن الميناء يخسر ما بين 6 إلى 10 ملايين شيكل شهريًا بسبب تعطل نشاطه، وليس هناك أمل لاستعادة هذا النشاط،فشركات الشحن ليست مستعدة للثقة في دول التحالف، ولا يوجد أحد مستعد للمخاطرة كما أن أسعار التأمين مرتفعة.
1.2 ارتفاع الأسعار
لم تؤثر عمليات اليمن فقط على الواردات إلى ميناء إيلات ولكن جميع الموانئ الإسرائيلية تأثرت فاعتماد الشحن على السفن الكبيرة ونقل السفينة لحاويات إلى أكثر من بلد، جعلها تفضل إما الابتعاد عن البحر الأبيض المتوسط بشكل تام أو الابتعاد عن الموانئ الإسرائيلية وتفريغ الحاويات الخاصة بإسرائيل في موانئ ترانزيت وسيطة ما جعل إسرائيل تضطر إلى تحمل تكاليف الشحن من الموانئ الوسيطة إلى موانئها، وبالإضافة إلى ذلك يفرض تحويل مسار السفن عبر المحيط الهندي تكلفة إضافية في الأسعار وزيادة في الوقت كما يتطلب العبور عبر منطقة رأس الرجاء الصالح التي تعرف بمنطقة رأس العواصف تخفيف حمولة السفن وما كانت تحمله 10 سفن بات يحتاج إلى 11 سفينة، وهو ما يزيد من حجم التكاليف، ومن تأخير وصول البضائع إلى المستهلكين.
ارتفاع أسعار شحن الحاويات
بحسب موقع غلوبس الاقتصادي الإسرائيلي كان سعر نقل الحاوية الواحدة من شرق آسيا إلى الموانئ الإسرائيلية في فلسطين المحتلة عشية الحرب يساوي 1490 دولار، وفي يناير 2024، ارتفع إلى ما لا يقل عن 6773 دولاراً، بمعدل 3.5 أضعاف مستوى ما قبل الحرب.
وبينما كانت الرحلة من الهند إلى موانئ فلسطين المحتلة تستغرق أسبوعا باتت تحتاج إلى نحو ثلاثة أسابيع، ووفقا لتصريح أدلى به الرئيس التنفيذي لشركة زيم الإسرائيلية إيلي جليكمان فقد أدت الطرق الأطول أدت إلى الحاجة إلى مزيد من السفن، وقال جليكمان لموقع أخبار التجارة البحرية : “على سبيل المثال، إذا أبحرنا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، فبدلاً من 10 سفن لهذه الخدمة، نحتاج إلى 15 سفينة… هذا يعني أننا لا نحتاج إلى المزيد من السفن فحسب، بل نحتاج إلى المزيد من الحاويات، لأن الحاويات تقضي وقتًا أطول في البحر”.
أما أسعار التأمين البحري فارتفعت لتصل إلى 1% من قيمة السفينة، كما رفضت شركات تأمين قبول طلبات التأمين على السفن الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية.
المستهلكون يشعرون بوطأة ارتفاع أسعار المنتجات
ومثل الارتفاع في أسعار الشحن سببا رئيسيا لارتفاع أسعار المنتجات في الكيان الإسرائيلي، حيث كشف موقع واي نت العبري أن الأسعار شهدت موجة ارتفاع ثانية منذ بداية الحرب وطالت الآلاف من المنتجات، وبلغت نسبة ارتفاع بعض المنتجات إلى 25 %.
وقال الموقع في تقرير نشره في مطلع مايو الماضي إن شركات تنوفا وتيرا وشتراوس أعلنت عن زيادة أسعار مئات منتجات الألبان، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار منتجات سنفروست وكوكا كولا ونافيوت وتيرات تسفي وإدنات. وفي معظم المنتجات، تعد هذه الزيادة الثانية في السعر خلال عام. وبذلك، انضمت 3 من أكبر شركات الأغذية في إسرائيل إلى عشرات الشركات التي ستسعر آلاف المنتجات – والضربة على الجيب أمر لا مفر منه، وقد وصل الضرر إلى كل بيت في إسرائيل.
وأكد الموقع حينها أنه بحلول نهاية شهر مايو سيواجه الإسرائيليون صعوبة في العثور على منتجات في السوبر ماركت لم ترتفع أسعارها. نظرًا لأن مئات المنتجات أصبحت أكثر تكلفة بالفعل في بداية العام والآن أصبحت آلاف المنتجات الأخرى أكثر تكلفة. وطالت الزيادة في الأسعار كافة الاحتياجات الأساسية للسلة الغذائية المنزلية.
كذلك شهدت أسعار السيارات ارتفاعا حادا بحسب وسائل الإعلام العبرية، وقد لقى مستوردو السيارات الإسرائيليون إخطارا من ممثل شركة الشحن “جريمالدي”، يفيد أنه من المتوقع اعتبارا من 15 يونيو، زيادة حادة في أسعار نقل السيارة على متن سفن مخصصة من أوروبا إلى إسرائيل.
وقال موقع غلوبس العبري إن هذا الارتفاع يرجع ذلك أيضًا إلى الزيادة الحادة بنحو 200% في “الرسوم الإضافية لمخاطر الحرب”، والتي تبلغ الآن 40% من قيمة الشحنة، كما تأتي الزيادة “تماشيا” مع الزيادات المماثلة التي سجلتها أسعار مركبات النقل على متن سفن “رورو” القادمة من الشرق منذ بداية هجمات البحر الأحمر. وقدرت صناعة السيارات أن الزيادة النهائية في السعر من المتوقع أن تبلغ حوالي 800 شيكل للمركبة الخاصة، والتي تنطبق عليها ضريبة شراء المركبات أيضًا. وبحسب الإعلان، فإن الزيادة في خطر الحرب تنطبق أيضًا على جميع أنواع البضائع المصدرة من إسرائيل. وتقول الصناعة إن المعنى الرئيسي، بخلاف الزيادة في الأسعار، هو أن شركات النقل البحري من أوروبا قد تتجنب الآن الرسو في إسرائيل.
وأضاف الموقع: منذ بداية الهجمات في البحر الأحمر، بدأت العديد من شركات الشحن، بما في ذلك الشركات المتخصصة في مجال نقل المركبات، في تجنب عبور قناة السويس وإرسال سفنها على الطريق الطويل حول أفريقيا. معظم شحنات السيارات القادمة من الشرق والمتجهة إلى إسرائيل تم تفريغها في أوروبا ونقلها من هناك عن طريق شركات الشحن داخل أوروبا، مثل غريمالدي. وبالتالي فإن الزيادة الإضافية في الأسعار ستنطبق أيضاً على المركبات المستوردة من الشرق، وستضاف إلى الزيادة في أسعار المعدلات «العادية» من الشرق. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر غريمالدي أيضًا واحدة من الشركات الرائدة في نقل المركبات المصنعة في أوروبا إلى إسرائيل، بما في ذلك الموديلات الكورية الشهيرة.
خسائر لا يمكن تحملها لشركة البوتاس الإسرائيلية
يعد الكيان الإسرائيلي من الرائدين في تصدير البوتاس، وكانت شركة ICL وقعت في مارس 2022 اتفاقية مدتها خمس سنوات مع شركة استيراد الأسمدة الهندية IPL، ستقوم بموجبها بتزويد الشركة الهندية بـ 600 ألف طن من البوتاس في عام 2023 مع خيار للشركة الهندية زيادة العقد بمقدار 50 ألف طن؛ وزيادة الحجم إلى 650 ألف طن مع خيار للشركة الهندية في 2024-2027 – بحيث يستوعب السوق الهندي 15% من الطاقة الإنتاجية للشركة الإسرائيلية في فلسطين المحتلة.
عندما بدأت العمليات اليمنية تضررت الصادرات الإسرائيلية إلى الشرق بشكل بالغ، وكانت شركة آي سي إل في طليعة المتضررين حيث خسرت 15 % من قيمتها السوقية خلال الفترة أكتوبر-يناير.
وقالت صحيفة ذا ماركر الإسرائيلية في تقرير بتاريخ 16 يناير الماضي إن العمليات اليمنية في البحر الأحمر دفعت سهم ICL إلى أدنى مستوى له في 3 سنوات، حيث قام بنك باركليز بخفض السعر المستهدف لسهم ICL من 6.5 دولارات (السعر المستهدف السابق) إلى 4 دولارات، أي بنسبة 13% أقل من سعره في وول ستريت. ، وقدر بنك باركليز أن تهديد اليمن لتسويق البوتاس إلى آسيا وحرب الأسعار في سوق البوتاس التي بدأها المنتجون الروس ستؤدي إلى انخفاض مبيعات البوتاس بنسبة 20% في عام 2024.
ووفقا لتقرير آخر في ذات الصحيفة في مايو الماضي انخفضت إيرادات ICL بنسبة 18% في الربع الأول من عام 2024 مقارنة بالربع المماثل له في 2023، وبلغت 1.74 مليار دولار، وهو أقل بنسبة 2% من متوسط توقعات المحللين، ونتيجة لانخفاض أسعار البوتاس خسرت الشركة 513 مليون دولار من إيراداتها.
أما بالنسبة للأرباح فيؤكد التقرير أن انخفاض الربح التشغيلي لشركة ICL بنسبة 56% في الربع الأول من عام 2024 مقارنةً بالربع المماثل له في عام 2023م، ويعزى 70% من الانخفاض في الأرباح إلى الإغلاق الفعلي لمضيق باب المندب من قبل اليمن، مما أجبر ICL على تحويل مسار تصدير البوتاس إلى الصين والهند وجنوب شرق آسيا بعيدًا عن البحر الأحمر والالتفاف حول إفريقيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زكريا الشرعبي