مقالات مشابهة

إنّه يوم الغدير الأغرُّ.. أميرُ النّحل

تقول المعلومة: إنّه إن اختفى النّحل من على وجه الأرض، فسينقرض البشر خلال خمس سنوات بعد ذلك…..
إذاً ليس عن عبث قد لقّب الرسول الأكرم عليه وآله الصلاة والسلام أميرَ المؤمنين عليّ بن أبي طالب بأمير النّحل، وقد دانت له النّحل طوعاً ذات معركة…. وهل مِن لقبٍ ناله عليّ بن أبي طالب إلا لقّبه به الرسول الأكرم؟…
تسألون عن بقيّة الألقاب؟…. أمير المؤمنين…. أبو تراب….

وقد كان هذا اللّقب أحبَّ الألقاب إلى قلب أمير المؤمنين، كنّاه به السيد الرسول عليه وآله الصلاة والسلام…
ولكن ألسنا كلّنا من تراب ومرجعنا إلى التراب؟…. ويوم الصراط حين سيأتي بكلٍّ منّا رقيبٌ عتيد سينطقها حتى الكافر ذات حساب “يا ليتني كنتُ تراباً”…. يقول التاريخ العبري أن شريعة موسى كُتبت على اثني عشرة لوحاً، وتضمّنت أيضاً الوصيّة، وأن هذه الألواح قد حُفظت في تابوت العهد….

دارت الأيام وتناقلت التابوت الأيادي، وعندما فتح النبي سليمان التابوت لم يجِد سوى لوحَين…. هكذا يقول تاريخهم…. ضاعت التوراة، فما كان من الكهنة إلا أن أعادوا كتابتها وفق هواهم، هذه التوراة التي بين أيدينا كُتبت بعد 800 عام من النبي موسى…. ولكن تلك الألواح لم تضِع، بل حصلت محاولات لإخفائها، ففيها ما لا يُطيقه الفريسيون، أنّ كل ذاك الأكليريوس سيسقط إن ظهرت للعامّة، ففيها بعض ما في اللوح المحفوظ، أنّه سيأتيكم عيسى وسيأتيكم محمد… وهذا ليس إلا غيضاً من فيض…

خذوا عِلماً، لا يذكر القرآن الكريم ذمّاً وبالأسماء إلا ستّة أشخاص، فرعون وهامان وقارون والسامري ونمرود وأبو لهب، على فكرة فرعون هو إسم وليس لقب، لاحظوا أن الأربعة الأوائل منهم قد رافقوا فترة ظهور النبي موسى عليه السلام، تلك كانت مرحلة مفصلية في التاريخ البشري، مرحلة حاسمة في علاقة الأرض مع السماء…
“وإنّا أنزلنا الذّكر وإنّا له لحافظون “….

هل تعتقدون أن الأمر يقتصر على القرآن الكريم؟….. على أحد تلك الألواح التوراتية كان هذا النص:
(استهلّ فانشقّ له الجدار، دخلت لبؤة الأسد من صدع الرّب، ولم تدخل من باب البشر، لأنه مُلوّث بالأقذار، وهناك على البلاطة الدموية الحمراء استهلّ صارخًا، فركعت الأصنام وتكسّرت السّيوف، ثم خرجت بعد ثلاثٍ تحمل فلقة القمر، وكانوا وجوماً حول البيت إلا من صليل السلسلة في أفق السماء كنقر في طست السرافيل، ثم نشأ، فردّ الدّين وطهّر البلاط من الأوثان، وارتقى كتف الملكوت، وكان سيفُه أمضى من لهيب النار، شُعبتان كأنّهما لسان تنّين موسى….
ويلٌ لكم مِن ساعِده المفتول، حيث يقتلع الباب وتهتزّ أسوار صه/يون، حيث يفلق الحجر فلقتين بسيفه المسلول….)…

هل يُذكّركم هذا النّص بشيء؟…. أين قرأتُم هذه القصّة عينها؟… هذا النّص قبل القرآن الكريم ب 2000 عام، أي أنه قبل الميلاد بأكثر من 1400 عام، وهذا يتوافق مع فترة ظهور النبي موسى عليه السلام…..
يقول تاريخنا، أنه عندما أراد السيّد الرسول تدمير الأصنام على ظهر الكعبة، ارتقى أمير المؤمنين على كتفيه الشريفين حتى يطالها ويُحطّمها…. بقيّة الأحداث أعلاه عن خلع علي بن أبي طالب باب خيبر تعرفونها كلّها…..
لا يذكر الموروث لماذا وقد اجتمعت قريش لقتل النبي في فراشه، وانقضّ على الفراش أكثر من عشرين منهم بسيوفهم ووجدوا عليّاً مكان الرسول، لا يذكر لماذا لم يقتلوا عليّاً!!…. أتُراها الهَيبة أم الرّهبة؟… أم كلاهما معاً؟…

حسناً، عودوا إلى ذلك النّص من ذاك اللوح التوراتي، قد تجدون الإجابة…. كان ذلك وقد اجتمعت كل قبائل الجزيرة، حاصروا المدينة المنورة، كأنها ذات الواقعة إيّاها، وقد حاصروا دار الرسول في مكة يبغون قتله، ولم يكُن لها آنذاك إلا عليّاً، ها هُم قد اجتمعوا، عشرة آلاف من صناديد قبائل الجزيرة العربية، والمسلمون في بضعة مئات، وكان أن عبر الخندق كبيرهم، إنه عمر بن ود العامري، وجهر بالتحدّي، تلك كانت مرحلة مفصلية ما بين الدّنيا والآخرة…
أنا له يا رسول الله….

قالها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب… وكان أن قالها الرسول عليه وآله الصلاة والسلام ثلاثةً: إجلس يا عليّ إنه عمر بن ود العامري، وردّدها عليٌّ ثلاثاً: أنا له يا رسول الله…. وكان أن برز الإيمان كلّه إلى الشِّرك كلّه….. هذه الجُّملة على لسان السيّد الرسول لخّصت كلّ شيء…. ضربة واحدة من ذاك السّيف إيّاه “ذو الفقار”، سيف رسول الله، لسان تنّين موسى…. وكان أن تفرّقت كل تلك الأحزاب…. “تَد في الأرض قدمك وأعِر الله جمجمتك…..”… هذا ما أوصى به أمير النحل أبناءه….

وكان أن أعار الحسين عليه السلام لله جمجمته، وتَد في الأرض قدمه، وقد اجتمع جيش كامل من أولاد الحَيض، أبناء الزّنى إيّاهم، وقد أرسلهم الدّعي ابن الدّعي يزيد إيّاه، يبغون كلمة واحدة من الحسين، أن يُبايع يزيداً أو دون ذلك الموت…. كانوا يبغون منه مجرد كلمة (أُبايع)…. كلمة؟!!!.فكان ردُّ الحسين عليه السلام: “الكلمة نور….. وبعض الكلمات قبور…. مفتاح الجنة في كلمة…. ودخول النار على كلمة…. الكلمة فُرقان بين نبيٍّ وبغيٍّ…… عيسى كان كلمة…. الرّجُل هو كلمة….. شرف الله الكلمة…..”

وكان ردّ الحسين وهو في سبعين فقط من أصحابه وأهله: “ألا هيهات مِنّا الذِلّة، الموت ولا المذلّة”….
قالها الحسين وهو يحتضن ابنه الرضيع عبد الله، وقد أرداه سهمٌ مسموم، الرضيع عبد الله الذي مات عن عطش ولم يذُق الماء ثلاثاً، رفع الحسين يديه للسماء وقال “هوِّن يا ربّي عليّ ما بي، بعين الله يا ولدي”…. وتظنّون أن السماء ستُسامح تلك الأرض؟…..

إذاً لا تسألوا بعد الآن لماذا تتوالى الويلات على هذه البلاد…. وكان العار الأكبر، ذاك المَسير من كربلاء، وكُنتُم خير أمّة أُخرجت للناس، والتفسير وفق الهوى، حسناً، لن نقول الكثير في هذا السياق…. في مجلس ذاك الدّعي ابن الدّعي يزيد بن معاوية، وقفت وجهرت بها زينب عليها السلام: “أبالموت تُهدّدنا يا ابن الطُّلقاء؟ إن الموت لنا عادة وكرامتنا من اللّه الشّهادة”…. قالت زينب هذا الكلام وهي تواجه وحدها كلّ ذاك الجبروت، كل ذاك الطُّغيان، وعُدّتها فقط أنها بِضعةٌ من أمير النحل علي بن أبي طالب…..

كان فتىً عُمره عشر سنوات، وكان يومها مريضاً عليلاً…. وقف بِضعةُ أمير المؤمنين، وقف زين العابدين علي بن الحسين في مجلس سليل الطُّلقاء إيّاهم…. وكان أن أنطقه الله: “أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن مَن ضرب بين يَدَي رسول الله بسَيفين، وطعن برُمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البَيعتين، وقاتل ببدر وحُنين، ولم يكفر بالله طرفة عَين…
أنا ابن صالح المؤمنين، ووارث النبيّين، ويعسوب المسلمين، ونور المجا/هدين، وأفضل القائمين من آل ياسين…
أنا ابن المؤيّد بجبرائيل، المنصور بميكائيل، وأوّل من أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين، وأوّل السابقين، وقاصم المُعتدين، ومُبيد المشركين، ولسان حكمة العابدين… ناصر دين الله، وليّ أمر الله، ولسان حكمة الله….

سمحٌ سخيٌّ، بهيٌّ بهلول، زكيٌّ أبطحيٌّ، رضيٌّ مِقدام همّام، صابرٌ صوّام، مُهذّب قوّام، قاطِع الإصلاب، ومُفرّق الأحزاب….. أسدٌ باسل، ليث الحجاز وكبش العراق، مكّي مدني، بدري أُحدي، شجري مُهاجري، من العرب سيّدها، ومن الوغى ليثها.. وارث المُشعرين وأبو السبطين الحسن والحسين، ذاك جدّي علي بن أبي طالب….”….. وهل يليق بفاطمة الزهراء عليها السلام إلا عليّ؟…. ذاك القَران عُقِد في السماء قبل أن يُعقد على الأرض… نعرف كلّنا أن الرسول عندما هاجر من مكة لم يخرج ومعه أهل بيته، وكان من بقيَ منهم ابنته فاطمة….

كيف هاجرت فاطمة وقد كانت طفلة؟… عندما إذِن الرسول لعليّ أن يُهاجر، خرج عليّ ومعه أمّه فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت الرسول، ومعه أيمن ابن أم أيمن مولى الرسول، وأمّه، أراد المشركون اعتراضهم لابتزاز الرسول بابنته، ولم يكونوا يعرفون أن معهم عليّ، كانوا ثمانية فرسان اعترضوا القافلة، فلمّا رأوا عليّ صاح كبيرهم أعفِنا منك يا ابن أبي طالب، ليس لنا بك قِبل….. تلك الجميلة الجميلة، قُرّة عين أبيها محمد، اصطفاها الله ورسوله لِمن فاض القرآن الكريم بذِكر مناقبه، ألم تنزل الآية الكريمة “إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا، الذين يُقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون”…عن أمير المؤمنين؟…

هل تعتقدون أن الرسول قد انتقل إلى جوار ربّه عن ثلاثة وستين عاماً، وكذلك أمير المؤمنين، هل تظنّون ذلك صُدفة؟….
“سأُعطي الرّاية غداً لرجُلٍ يُحبُّ الله ورسولَه، ويُحبّه الله ورسولُه”…. قالها رسول الله وقد استعصى حِصن خيبر على المسلمين بعد عدّة حملات… استلم عليٌّ الراية من السيد الرسول، وكان أن خرج لمواجهة أمير المؤمنين مرحب إيّاه…
هل تعرفون من هو مرحب؟… اقرأوا ماذا كتب عن جبروته وقوّته حاخامات بنو قينقاع وقريظة…

ولكن هي ضربة واحدة، واحدة لا غير، وكان ذاك المرحب مُجندلاً على الرمال…. وهي كانت كرّة واحدة من الكرّار علي بن أبي طالب، وسقط الحِصن، وبتلك اليُمنى الشريفة اقتلع باب الحصن، قالوا إنهم احتاجوا سبعيناً من الرّجال الأشدّاء لإعادته إلى مكانه…. حسناً، عودوا إلى ذلك النّص أعلاه…. وقد كان أمير المؤمنين عندما قتل مرحب حيدرةً، وقبل ذلك كان عند اليهود أليًّا، وعند النصارى إيليا، وفي الصُّحُف نجيًّا، وقبل هذا وذاك، وبعد هذا وذاك، وفوق هذا وذاك، كان دوماً ودائماً عليًّا…

وتظنّون أن اللوح المحفوظ قد أخفاه الرحمن؟…. وكلُّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عُنقه، ونُخرج إليه يوم القيامة كتابه منشورا، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا…..
الجّهول هو من ينتظر ذاك اليوم، ولا يسرج ناراً ويجلس إليها، فإن النار بشير لمن يستبشر، ونذير لمن قد تُغني عنه النذر….. عندما انتقلت فاطمة الزهراء إلى جوار ربّها، لم يقوَ عليٌّ على حَمل التابوت، وهو الذي اقتلع باب ذاك الحصن، قال لصحبه: أعينوني… فذاك القلب ليحزن وتلك العين لتدمع… نعم، ما أحبّ رجُلٌ امرأةً كما أحبّ عليٌّ فاطمةَ….

نحن عندنا نُناجي أمير النحل، نتوسّل عبره إلى الله، ألم يقُل السيد الرسول عليه و آله الصلاة السلام: من أحبّ عليًّا أحبّه الله، ومن أبغض عليًّا بغضه الله؟….. هذا أمير النحل ونحن نحله، ولن يُفرّط أمير المؤمنين بنحله، هذا ما وعدنا به، وعلى هذا النهج سائرون….. لا نجتبي الدُّرَ إلا من مكامنه…. ألم يقُل السيد الرسول عليه وآله الصلاة والسلام: أنا مدينة العِلم وعليٌّ بابُها…. فكيف تدخل المدينة إلا من بابها؟… هذا هو أمير النحل، هذا هو أبو تراب…..
في سورة الأنفال وقد حرّض إبليس المُشركين على المسلمين، وعندما ظهر جمعُ المسلمين، ارتعب إبليس وأطلق ساقَيه للرّيح هرباً، تفاجأ المشركون وصاحوا به: مالك تهرب، وقد حرّضتّنا ما حرّضتّنا؟….

أجابهم: إنّي بريء منكم، إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله رب العالمين….. هل تُريدون أن تعرفوا ماذا رأى إبليس؟….. أكتب هذه الكلمات، وأُدرِك أن الكلمات قاصرة أن تفي المقصد بعضَ حقّه…. ولو كان البحر مداداً…… ولكن هي جملة واحدة تختصر كل شيء…. أيا أمير النحل، أيا أبو تراب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“باسل الخطيب”