الوفاة المفجعة للرئيس الإيراني السيد ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان ومَن كان معهما من أصحاب المواقع القيادية والمرافقين، حدث شديد القسوة على إيران ومحبيها وحلفائها، خصوصاً في محور المقاومة. وبينما لا يستبعد الإيرانيون كل الاحتمالات في تحقيقاتهم التي بدأت فور اكتشاف مكان حطام الطائرة التي كانت تقلّهم، بما فيها احتمال العمل التخريبي، يلزمون الصمت ويتفرّغون للحزن وترتيبات التشييع بينما يقوم المحققون بمهامهم.
وبانتظار انتهاء التحقيق يلتزم جمهور المحبين صمت الانتظار والحزن، بينما تأتي التحليلات من ضفة لم يكن أصحابها يوماً من جماعة الموضوعية في مقاربة أي شأن يخصّ إيران وقوى المقاومة، بل إن أصحاب التحليلات والفرضيات هم من الذين قالوا يوم الغارة على القنصلية الإيرانية في دمشق إن إيران لن تجرؤ على الرد، وعندما قامت إيران بردها الرادع بلعوا ألسنتهم.
جوهر هذه التحليلات يقوم على فرضية العمل الاستخباري الإسرائيلي الأميركي، وهي فرضية لا تستبعدها إيران من تحقيقاتها، لكن هؤلاء مدَّعي الحرص يقدّمون الفرضيّة من باب ردّ الاعتبار للهزيمة المعنوية التي أصابت أميركا وكيان الاحتلال عبر الردّ الإيراني الرادع والهروب الأميركي الإسرائيلي من الرد، ومن باب تصنيع رصيد معنويّ لحساب الأميركي والإسرائيلي يُشعرهم بالاطمئنان الزائف، بعدما شعروا ومعهم كل جماعة التبعية للحلف الأميركي الإسرائيلي، والإعجاب بالنهج الأميركي والإسرائيلي، والرهان على التفوّق الأميركي الإسرائيلي، أن الدنيا تتغيّر، وأن رهانهم يسقط وإعجابهم مبنيّ على أوهام، وتبعيّتهم كعبيد هي لسيد ضعيف عاجز.
هؤلاء هم أنفسهم فعلوا الشيء نفسه يوم وقع انفجار مرفأ بيروت، فسارعوا للقول إن “إسرائيل” تقف وراء الانفجار”، ليس كرهاً بـ “إسرائيل”، التي يمدحونها ويجدون الأعذار لجرائمها كل يوم، لكنهم اعتقدوا أن اتهام “إسرائيل” بالوقوف وراء الانفجار، فيُظهرون أنها قوية ومقتدرة ويأنسون لسماع أنفسهم يقولون ذلك، وهم يعلمون أن المقاومة لا تستطيع مجاراتهم دون أن تحقق من صوابيّة هذه الفرضية، بما يتيح لهم نوعاً من التنمّر بالقول إنّها لا تفعل ذلك تفادياً لتبعات الاتهام من مواجهة.
والاتهام لـ”إسرائيل” من جهة أخرى يفسح المجال للقول إن ذلك جاء لاستهداف أسلحة لحزب الله تمّ تجميعها في المرفأ، أو لتحميله مسؤولية النترات التي جلبوها هم لحساب الجماعات الإرهابية في سورية، فيحملونه مسؤولية الخراب والضحايا، ولذلك راحوا يفبركون الأدلة لإسناد النظرية الملفّقة. والقضية هنا ليست في ما إذا كان لـ”إسرائيل” يد في انفجار المرفأ أم لا، بل بهؤلاء أنفسهم الذين يملأون اليوم صفحات التواصل بما يعتقدونه دعاية لقوة “إسرائيل” وأميركا واقتدراهما، لتعزية النفس بأنهم لا يراهنون على حصان أعرج، رغم أنّهم رأوا بأمّ العين هذا الحصان يقع ويُسقط السرج عنه ويترنّح عاجزاً عن الوقوف على قدميه.
هؤلاء لا يمانعون في الضحك على أنفسهم ولو بصورة زائفة لأنّهم فقدوا نقطة الارتكاز التي كانت تصنع لهم الطمأنينة منذ طوفان الأقصى، وما تلاه من سقوط مريع لآلة الحرب الإسرائيلية أمام المقاومة في فلسطين ولبنان، وسقوط الردع الأميركي أمام أنصار الله في البحر الأحمر، وقد هالهم كيف أن فقراء العرب والضعفاء بينهم والمجوّعة شعوبُهم والمدمّرة بلدانُهم هم مَن يكتبون التاريخ العربيّ منذ سبعة شهور، ويكتبون عبره نصف تاريخ العالم بتداعيات صمودهم وثباتهم وتفوّقهم، بينما العرب الفاعلون الأقوياء والأغنياء، الذين باع هؤلاء جماجمهم، يقفون وقمّتهم معهم على هامش صناعة الأحداث.
الحقيقة التي يجب قولها هنا، إذا كان هؤلاء يشتغلون على محرّك الكيد والحقد والنكاية، فهذا ليس محرّك أهل المقاومة من إيران إلى سائر أطراف المحور. والبحث عن الحقيقة هو المحرّك والانتصار للحق هو الحافز. وعندما تنهي إيران تحقيقاتها، وهي تحقيقات يملك أصحابها الشجاعة لوضعها أمام الرأي العام، وإن ظهرت فيها أي شبهة لعمل تخريبيّ، وأشارت إلى أيّ جهة تتحمّل المسؤولية، فلن يكون التجاهل ولا الصمت، بل الردّ المناسب، وعندها مرّة أخرى سوف يبتلع هؤلاء ألسنتهم.
_________
ناصر قنديل