بعد سيطرة كيان الاحتلال الإسرائيلي على معبر فيلادلفيا من الجانب الفلسطيني، أُعيدت إلى الواجهة في مصر مطالب بمراجعة معاهدة كامب ديفيد مع “إسرائيل”، وبالتالي زادت المطالب بإلغائها أو تعديلها، وهذا الجدل حكوميا يشتعل في أوقات التوتر في قطاع غزة، لكنه يتلاشى بعد تهدئة الأوضاع، وإن المعارضة المصرية وجماعات من النخب السياسية رفعت دعوات لإلغاء اتفاقية السلام مع كيان الاحتلال، المعروفة باتفاقية كامب ديفيد.
وخاصة بعد التوسع العسكري الإسرائيلي في شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة، واستحواذ الكيان على المعبر البري من الجانب الفلسطيني، وهذا الاستحواذ زاد من رفض المعاهدة من قِبَل مؤيدين ومعارضين للنظام المصري، في خضم غضب عام وعالمي متصاعد تجاه الجرائم الإسرائيلية.
وذكرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية أن مصر هددت إسرائيل بشكل صريح بإنهاء اتفاقيات كامب ديفيد للسلام إذا لم تنسحب من منطقة رفح المتاخمة للحدود المصرية. وأضافت الصحيفة العبرية، أن مسؤولين مصريين نقلوا إلى ويليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، خلال زيارته للقاهرة، مطالبتهم من الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل لوقف العمليات العسكرية في رفح الفلسطينية والعودة إلى مفاوضات فعالة، وأنه إذا لم تستجب إسرائيل، فمن الممكن أن تقوم مصر بتجميد أو إنهاء اتفاقيات كامب ديفيد للسلان الموقعة بينهم.
وذكرت الصحيفة أن مسؤولين إسرائيليين تواصلوا مع نظرائهم المصريين للتأكد من جدية المطالب المصرية بإلغاء الاتفاقية، بعد تصاعد الخطاب الإعلامي المصري حول هذا الأمر. وأضافت معاريف أن مصر أكدت للولايات المتحدة أن التهديد بإلغاء اتفاق السلام هو جزء من استراتيجية للضغط على إسرائيل، مما يشير إلى أن الاتفاق لا يزال ساريا ولن يتأثر بشكل كبير.
وأشارت إلى أن مصر طلبت من سائقي شاحنات المساعدات، لأول مرة منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر الماضي، الابتعاد عن منطقة معبر رفح، بسبب استمرار تشديد الإجراءات الأمنية، وهو ما يعكس التخوف من حدوث تصعيد وتدهور الوضع الأمني. فيما نقلت قناة إكسترا نيوز المصرية عن مصدر مصري رفيع قوله إن الجهود المصرية أدت إلى تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، مؤكدا التزام مصر بحماية أمنها القومي خلال عملية التفاوض.
كامب ديفيد في مهب الريح
الحركة المدنية الديمقراطية، التي تضم عددًا من الأحزاب والشخصيات العامة المعارضة، تحدثت بوضوح أن دخول كيان الاحتلال لمنطقة رفح يُعتبر انتهاكًا صريحًا لبنود اتفاقية كامب ديفيد، مؤكدة بأنها “أسقطتها عمليًا من جانب واحد”، كما طالبت بشكل صريح بإلغاء الاتفاقية وكل ما يترتب عليها من تداعيات، وطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية من مصر، وقطع العلاقات الدبلوماسية.
وجاء هذا الخطاب في وقت تسعى فيه الدولة رسميًا إلى “ضبط النفس” والتحكم في التوترات، مع تجنب الانجرار نحو تصعيد قد يتسبب في عواقب سلبية على المنطقة بأسرها، وقد تفسر هذه المطالب من المعارضة كضغط مباشر على الحكومة المصرية لاتخاذ إجراءات قوية لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، ويُعتبر هذا الخطاب إشارة سياسية بأن الغضب الشعبي في مصر تجاه كيان الاحتلال قد بلغ مستويات مرتفعة، ما يعزز الدعوات إلى اتخاذ إجراءات فورية لضمان عدم المساس بالأمن القومي.
وظلت اتفاقية كامب ديفيد على مر السنين موضعًا لمزايدات بين بعض قوى المعارضة في مصر، إلا أن موقف النخب الداعمة اليوم يثير تساؤلات كثيرة حول احتمالية حدوث زلزال في العلاقات المصرية مع تل أبيب، وخاصة مع الاعتراف بعدم أهميتها على المستوى الرسمي وبالتأكيد على غياب دورها في تعزيز قدرة الجيش المصري على تأمين سيناء من الإرهاب.
ولم يكن الوضع محصورًا في ذلك فقط، بل لم يسهم وجود حالة السلام الواهي مع كيان الاحتلال في تأمين المناطق الصحراوية الشاسعة على الحدود مع غزة، على الأقل قبل اندلاع الحرب الأخيرة، ولكن بعد هذه التطورات، ارتفعت الشكوك حيال تقيُّد كيان الاحتلال بالاتفاقية وزادت الاتهامات بمحاولتها إحراج مصر، ومن هنا عادت مطالب تعليق الاتفاقية والتهديد بإلغائها لتصبح مسألة محورية في النقاش السياسي الحالي.
تشهد بعض الشعارات المناهضة للسلام مع كيان الاحتلال تفاعلًا داخليًا، وتوافقًا مباشرا من الحكومة على دعمها في الضغط على كيان الاحتلال، وتتعامل القوى السياسية المعارضة، التي تفتقر إلى حضور قوي في الشارع، مع قضية الدعم للقضية الفلسطينية كأداة قد تُعيد تشكيل علاقتها مع الشعب، ولم تقتصر شعارات الانتقاد لاتفاقية كامب ديفيد على الأصوات المعارضة فحسب.
بل استخدمت وسائل الإعلام المقربة من النظام المصري خطابًا مماثلاً، بل انتهى بهم الأمر إلى المطالبة بتوقيع اتفاقية جديدة قادرة على معالجة الأخطاء الواقعة في الاتفاقية الحالية، ما يشير إلى وجود مرحلة جديدة في العلاقات مع كيان الاحتلال تختلف كثيرًا عما كانت عليه في نهاية السبعينيات من القرن الماضي.
وإن المطالبات بتوقيع معاهدة سلام جديدة بوساطة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، تعكس التغيرات التي شهدتها المنطقة في السنوات الماضية بعد “خرق إسرائيل لاتفاقية كامب ديفيد”، كما تعني أن الكيان الصهيوني اخترق معاهدة السلام مع مصر، وهذا يُعتبر إلغاءً للمعاهدة بالنسبة للمصريين، ومصر جاهزة بعد هذه الخروقات لكل السيناريوهات للحفاظ على أمنها القومي، ومصر ليست دولة حرب، ونحن بحاجة إلى معاهدة سلام جديدة مع إسرائيل، لأن المعاهدة القديمة أصبحت عبئًا ومُحرجة، كما تقول وجهة نظر البعض.
غضب شعبيّ عارم في مصر
بالتأكيد، إن الاستفزازات التي تحدث من الجانب الإسرائيلي في رفح أثارت حالة من الغضب الشعبي في مصر، وإن المعارضة تعبر عن رأيها وآراء عموم المواطنين، مع التأكيد على ضرورة وجود أهمية التوجهات الشعبية والسياسية والدبلوماسية في التحركات الحكومية، والتي يجب أن تقوم على تهييج المشاعر أو التحريض في بعض الحالات التي تستدعي ذلك.
وتحدثت معلومات أن القاهرة تأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل وتتصرف وفقًا للمعلومات الدقيقة التي تمتلكها، ويتمتع المعارضون والمؤيدون بثقة في الأجهزة الرسمية التي تعمل بكل قوة لتفادي تداعيات تأثيرها على الجميع في المنطقة، مع الحفاظ على أن جهود التهدئة ما زال في صدارة الأولويات لتجنب تصاعد الأزمة الحالية، وخاصة أن اتفاق السلام يخضع للمصالح الإقليمية والدولية، وهو مسؤولية الدولة المصرية، وإن “التلويح بإلغاء الاتفاقية حق مشروع ” للشعب المصري الذي لم يطبع يوما مع الإسرائيليين.
وعلى هذا الأساس، إن إدارة الملفات الحيوية مسؤولية أجهزة الدولة الرسمية التي تدرك حجم المكاسب والخسائر المحتملة من بقاء الاتفاقية أو إلغائها، ودعم الدولة هو المتفق عليه بين المعارضين، مع فرصة حالية لتصفية خلافات الأحزاب المعارضة، وقد طالبت الحركة المدنية الديمقراطية، التي تمثل القوام الرئيسي للمعارضة في مصر، الدولة بـ”استخدام كل أدوات ومصادر القوة لرد العدوان”، ودعت إلى “إطلاق سراح السجناء الذين اعتقلوا بسبب التظاهر تضامنًا مع فلسطين، وجميع سجناء الرأي”، وتسيطر على الحركة المدنية مجموعة من الأحزاب الناصرية واليسارية التي تعتمد في خطابها على معارضة التطبيع مع كيان الاحتلال، وظلت تستخدم هذا الخطاب على مر السنين، حتى خلال فترات الهدوء في العلاقات.
ويجب ألا ننسى أن ما قامت به تل أبيب في رفح فعليًا أسقط اتفاقية كامب ديفيد، ما أثر على مواقف النخبة التي أدركت خطورة هذه الخطوة، مع رفض المصريين التنازل عن أرضهم بأي شكل من الأشكال، وهذه المحاولة هي تذكير لكيان الاحتلال بأنه في طريقه لإحداث كارثة في المنطقة لا يمكن لها أن تخدمه، بعد أن زاد من مشاعر الكراهية والرفض تجاهه مصريا وعالميا، على الرغم من كذبة السلام التي استمرت لعقود.
الخلاصة، إنّ المعارضة تتباين كثيرًا مع الحكومة وتتفق معها أيضًا في القضايا الوطنية، كما أن التلويح بإلغاء الاتفاقية أو تعديلها هو موقف يعزز قوة الدولة في مواجهة الدعم الأمريكي لكيان الاحتلال، وبالتالي إنّ الحراك الشعبي المصري يشعر بالتواصل مع الحراك في عدة دول، ومواقف الأحزاب المؤيدة للدولة تدعم هذا الموقف مع الاعتقاد بأن سيناء تتعرض لتهديد من قوى خارجية.
والتاريخ يشير إلى أن المصريين يتوحدون في مواجهة الخطر دون اللجوء إلى المظاهرات، ويواصلون حياتهم اليومية في ظل الأحداث الجارية، وقد قام قانونيون مصريون بتفسير اجتياح كيان الاحتلال لرفح ودخول معدات عسكرية ثقيلة على أنه خرق للمادة الرابعة من الاتفاقية التي تنص على إقامة مناطق منزوعة السلاح على جانبي الحدود، وحذروا من تصاعد الانتهاكات التي تهدد “معاهدة السلام”، ما يمنح مصر الحق في تعليق الاتفاقية أو الانسحاب منها وفقًا لأحكام القانون الدولي.