شبح المأساة يعود من جديد.. اصرار “طلاب الجامعات الأمريكية” على استمرار “مظاهرات دعم غزة” والإدارة الأمريكية تقمع الاحتجاجات

176

أقيمت مؤخراً مظاهرات في العديد من الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية، وككثير من مظاهر رفض الاحتلال، ظن العديد من المعلقين والمراقبين أن هذه التحركات سرعان ما ستخمد، إلا أن ما يجري اليوم لم يكن في الحسبان، إذ إن دائرة هذه التحركات توسع نطاقها ليس فقط على صعيد جامعات الولايات المتحدة، بل إنها أمست ظاهرة تنتشر بسرعة في شتى أنحاء العالم، خاصةً في الغرب المهيمن. في الصدد، يشرح هذا المقال المطالب الأساسية التي ينادي بها المتظاهرون في الجامعات الأميركية.

وقف الإبادة الجماعية في غزة

انتشرت في العديد من الجامعات الأمريكية منشورات توضح الأهداف الرئيسية من التظاهر في باحات الجامعة، والعنوان الرئيسي لتلك المنشورات هو “وقف الإبادة الجماعية القائمة في غزة”، فإن أعداد الضحايا إلى ارتفاع كل يوم وقد تخطى عددهم الـ30 ألفاً، بالإضافة إلى أكثر من 70 ألف جريح و11 ألف مفقود، لذا؛ فإن الشعارات بأغلبها جوهرها تنادي بوقف آلة القتل الإسرائيلية.

سحب الاستثمارات

يقول أحد الأمريكيين اليهود وهو من المتظاهرين دعماً لفلسطين في جامعة كولومبيا الأمريكية: “يتعين علينا أن نركز على الواقع المادي للحرب: الذخائر التي ترسلها حكومتنا إلى إسرائيل، والتي تقتل الفلسطينيين بالآلاف، والأميركيين المشاركين في أعمال العنف.

تعد الولايات المتحدة الأمريكية البلد الأكثر دعماً للكيان المؤقت بشتى الطرق، على الصعيد المالي والعسكري، التكنولوجي والعلمي، الأمني والصحي. ورغم العديد من التصريحات التي دعت فيها الإدارة الأمريكية عبر مسؤوليها الرسميين إلى وقف القتل والدمار، إلا أنها ما تزال رافضةً لوقف الحرب وما تزل تقدم المساعدات المالية والعسكرية للكيان المؤقت بناءً على الحاجات المشتركة بينهما.

بلينكن: “نحن ملتزمون بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها حتى لا يتكرر 7 أكتوبر وفي نفس الوقت بحماية مدنيي غزة”.

ويظهر كلام بلينكن التناقض، من خلال التزامه بالدفاع عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها كي لا يتكرر سيناريو السابع من أكتوبر وهو ما يفتح الأفق أمام معالجات كثيرة لعدم تكرار هذا السيناريو ويلتزم بنفس الوقت بحماية المدنيين في غزة رغم أن هذا الكلام قد صدر عنه في شهر آذار الماضي أي بعدما تخطى عدد الضحايا الـ25 ألفاً.

وحول ما يجري في مخيمات التضامن وتحت عنوان ماذا يجري في كولومبيا، أشار موقع “reason” الأمريكي إلى التالي: “ماذا يحدث في كولومبيا؟ إن “مخيم التضامن مع غزة” هو في الأساس عبارة عن مدينة من الخيام أقامها الطلاب الذين يحتجون ليس فقط على الحملة العسكرية الإسرائيلية داخل غزة ولكن أيضًا على “الاستثمار المالي المستمر لجامعة كولومبيا في الشركات التي تستفيد من الفصل العنصري الإسرائيلي والإبادة الجماعية والاحتلال في فلسطين”، الذي أنشأه زعماء العالم. جامعة كولومبيا، سحب الفصل العنصري، طلاب من أجل العدالة في فلسطين، والصوت اليهودي من أجل السلام. لدى الطلاب جميع أنواع المطالب الفردية وذات الصلة بشكل عرضي، بما في ذلك توقع قيام الجامعة بقطع جميع العلاقات مع قسم شرطة نيويورك”.

وفي وصف دقيق لكيفية قيام المتظاهرين بالمطالبة بسحب الاستثمارات، يشير موقع “Crimethink” من خلال تحديثاته لما يجري خلال التظاهرات إلى التالي: “اكشفوا، اسحبوا الاستثمارات، لن نتوقف، ولن نرتاح! متمردون يرتدون الكوفيات يرقصون بحماس، وآخرون يقرعون على الأواني. في كيس نوم سميك بجواري، ينام الطالب الذي خرج من السجن الليلة الماضية بشكل ملائكي”.

قطع الصلة بين المؤسسات الأمريكية والكيان

من المطالب الهامة التي يطالب بها المعتصمون، وقف التعامل بين المؤسسات على اختلافها مع الكيان المؤقت، وذلك للضغط نحو وقف الحرب، إذ يعتبر المتظاهرون أن موارد الدعم التي يتلقاها الكيان هي التي تبقي آلة القتل قائمة.

وقال متظاهر في جامعة كولومبيا: “إنه لشرف أن يتم طردي من الجامعة من أجل فلسطين، إنه لشرف لي أن يتم اعتقالي من أجل فلسطين”.

قمع الاحتجاجات الجامعية الأمريكية

تشهد الولايات المتحدة احتجاجات طلابية واسعة في حرم الجامعات تنديداً بالابادة الجماعية التي يرتكبها كيان الاحتلال ومطالبة بوقف الحرب، فيما تواجه بالقمع في محاولة لإسكات الصوت ومنعها من أن تصبح قوة ضغط بشعبية أوسع، تنقل المشهد إلى نقطة يصعب السيطرة عليها. ليست هذه المرة الأولى التي توضع فيها قوات الأمن والشرطة بكامل عتادها بوجه الطلبة المحتجين. فللإدارات الأميركية المتعاقبة تاريخ طويل في قمع الحركة الطلابية منذ ما قبل حرب فيتنام إلى اليوم.

واقترح رئيس مجلس النواب مايك جونسون والسيناتور الجمهوري توم كوتون وجوش هاولي اللجوء إلى الحرس الوطني للسيطرة على احتجاجات الحرم الجامعي في جميع أنحاء الولايات الأميركية.

تعيد هذه الدعوات إلى ذاكرة الجمهور الأميركي مأساة متكررة تعرض لها الطلاب المحتجون مراراً. وتشير الأستاذة المشاركة في دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية في جامعة نيويورك، هيلغا طويل الصوري، في هذا الصدد، “لقد كنت في جامعة نيويورك منذ ما يقرب من 20 عاماً ورأيت عدداً من الاحتجاجات تحدث. لا أعتقد أنني رأيت حملة قمع من هذا النوع”.

في نيسان/ أبريل 1968، نظم الطلاب في جامعة كولومبيا احتجاجاً على حرب فيتنام. أسفرت الاحتجاجات عن سيطرة الطلاب على 5 مباني في الحرم الجامعي واحتجاز العميد رهينة لفترة وجيزة. وبعد حوالي أسبوع من بدء الاحتجاج تم استدعاء حوالي 1000 ضابط لمدينة نيويورك من قبل رئيس كولومبيا. وألقت الشرطة القبض على حوالي 700 طالب وأصيب حوالي 148 طالب.

وأجبرت هذه الاحتجاجات البلاد على قطع علاقاتها مع معهد البنتاغون الذي كان يجري أبحاثاً لحرب فيتنام وحصل الطلاب الذين شاركوا في الاحتجاجات على عفو خاص. كما أثارت مثل هذه الدعوات ذكريات المأساة التي وقعت قبل 54 عاماً في جامعة ولاية كينت في شمال شرق أوهايو.

في 1 مايو 1970، تدفق عدة مئات من طلاب وبدأوا بتحطيم نوافذ المتاجر ورش المباني بشعارات مناهضة للحرب. اتصل العمدة ليروي ساتروم، وطلب إرسال الحرس الوطني إلى كينت. لكن مسؤولي الجامعة فضلوا التعامل مع الموقف باستخدام شرطة الجامعة، مع نواب عمدة المقاطعة كتعزيزات وضباط دوريات الطرق السريعة بولاية أوهايو كملاذ أخير.

في ليلة السبت تلك، وضع الطلاب المتظاهرون ضد حرب فيتنام مبنى تدريب ضباط الاحتياط في ولاية كينت كهدف لهم. وفي نهاية المطاف، طردت شرطة الجامعة التي ترتدي معدات مكافحة الشغب المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع، مع وصول عدد من ناقلات الجنود المدرعة وسيارات الجيب والشاحنات إلى الحرم الجامعي تحمل عدة مئات من رجال الحرس الوطني في أوهايو.

تجمع ما يصل إلى 3000 طالب على مشاعات الجامعة لحضور مسيرة مناهضة للحرب كانت مقررة مسبقا. فيما قرر قائد قوات الحرس الوطني في مكان الحادث، تفريق المتظاهرين. حينها تساءل أحد رجال الحرس: “لماذا تضع جنوداً مدربين على القتل في حرم جامعي؟”.

تقدم الطلاب نحو رجال الحرس، ليفتح العديد من القوات النار. أسفرت المواجهة عن مقتل 4 طلاب من ولاية كينت واصابة 9، أحدهم أصيب بالشلل مدى الحياة.

ويقول بريان فانديمارك الذي درس التاريخ في الأكاديمية البحرية للولايات المتحدة، في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية، في معرض حديثه عما يجري في حرم الجامعات اليوم، أن لهذه المأساة التي كان يمكن تجنبها تماما جذورها الدموية في الأداء الصاخب لسياسي يسعى للحصول على الأصوات. مضيفاً “يجب أن يكون ذلك درساً موضوعيا لمسؤولين مثل زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل وحاكم تكساس الذين دعوا إلى استخدام القوة لقمع الاحتجاجات الطلابية اليوم على الحرب في غزة”. مؤكداً على أنه “حتى الآن، كانت مظاهرات الحرم الجامعي مصدر إزعاج لكنها لم تكن عنيفة، ولا ينبغي التهديد بالعنف ردا على ذلك”.

مصدرموقع الخنادق

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا