تجاوزت الضربة العسكرية الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق القواعد القصوى لـ”حرب الظلال” القائمة بين طهران وتل أبيب، حيث أسقطت إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو كل الاعتبارات السابقة، مما أدخل المنطقة مرحلة جديدة تعيش فيها على وقع رد إيراني منتظر تكثر التكهنات بشأن مكانه وزمانه وطبيعته.
وتشير المعطيات والتحليلات وردود الأفعال إلى أنه يصعب على إيران “ابتلاع وهضم” الضربة الإسرائيلية القوية التي أدت إلى مقتل قائد “قوة القدس” في سوريا ولبنان اللواء محمد رضا زاهدي ونائبه العميد محمد هادي حاجي رحيمي، بالإضافة إلى 5 عسكريين آخرين.
ورفعت الضربة على القنصلية في دمشق والتهديدات الإيرانية منسوب التوتر والخوف في إسرائيل التي تتابع بانتباه وقلق شديدين تصريحات إيران وتحركات قيادتها، والرد المرتقب الذي وعد به المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، مهددا إسرائيل بالعبرية “ستندمين”.
تهديد خامنئي
وكان المرشد الإيراني علي خامنئي قال إن إسرائيل ارتكبت خطأ بهجومها على قنصلية إيران في دمشق، متوعدا بمعاقبتها، فيما حذر وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس من أن أي هجوم سيقابله رد في الداخل الإيراني.
وقال خامنئي خلال خطبة صلاة عيد الفطر في طهران اليوم الأربعاء إنه سيتم معاقبتها على ذلك، مضيفا “عندما هاجموا قنصليتنا هذا يعني أنهم يهاجمون أرضنا.. هذا يعتبر من الأعراف الدولية في العالم. الكيان الخبيث ارتكب خطأ في هذه المسالة ويجب أن تتم معاقبته على ذلك.. وستتم معاقبته”.
في المقابل، هدد وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأن إسرائيل سترد داخل إيران إذا قامت الأخيرة بمهاجمة إسرائيل انطلاقا من أراضيها.
استعداد إسرائيل
وتحسبا لرد إيراني، أخلت تل أبيب عددا من سفاراتها حول العالم، وكشفت صحيفة “جيروزاليم بوست” عن إغلاق 28 سفارة وقنصلية في الخارج، كما أعرب دبلوماسيون يعملون في الخارج عن قلقهم من أن سفاراتهم ستكون هدفا للانتقام.
كما نقلت شبكة “سي إن إن” الأميركية عن مسؤول كبير أن الولايات المتحدة في حالة “تأهب قصوى” وتستعد لهجوم إيراني يمكن أن يحدث خلال الأسبوع المقبل على المصالح الإسرائيلية أو الأميركية في المنطقة.
من جهته، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن المنظومة الدفاعية أنهت استعداداتها للرد على “أي سيناريو يتطور ضد إيران”. وأفاد مسؤولون إسرائيليون لموقع “أكسيوس” الأميركي بأن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة أنه في حال شنت إيران هجوما من أراضيها ضد إسرائيل انتقاما للضربة “القاتلة” التي وقعت في سوريا، فإن تل أبيب ستقوم برد قوي يأخذ المرحلة الحالية إلى مستوى آخر.
وبناء على تقييمه الوضع أعلن الجيش الإسرائيلي أنه “تقرر تعليق مغادرة جنود الوحدات القتالية لثكناتهم العسكرية مؤقتا”، إضافة إلى إعلانه “تعزيز وتجنيد جنود احتياط في أنظمة الدفاع الجوي”. كما شرعت إسرائيل في تشويش نظام تحديد المواقع “جي بي إس” في تطبيق “ويز” لإرشاد السائقين على الطرقات، خشية التعرض لقصف بمسيّرات وصواريخ ذكية موجهة، ونتيجة لذلك لاحظ مشغلو البرمجية في وسط البلاد وكأنهم في العاصمة اللبنانية بيروت، وفق هيئة البث الإسرائيلية.
ومن خلال تصريحات القادة العسكريين تبدو إسرائيل مستعدة لأسوأ السيناريوهات، بما في ذلك حرب محدودة وهجمات متبادلة مع إيران أو حرب إقليمية واسعة تشارك فيها جبهات عدة ضدها.
مشاركة أمريكية في اعتراض الهجوم الإيراني
وقال مسؤول أميركي إن تصريحات الرئيس جو بايدن بشأن حماية إسرائيل في وجه التهديدات الإيرانية لم تأت من فراغ، وأضاف أن واشنطن ستساهم في الدفاع عن إسرائيل إذا تعرضت لهجوم من إيران أو وكلائها. وأكد المسؤول الأميركي أنه في حال تعرضت إسرائيل لهجوم بالصواريخ والمسيرات فقد تساهم القوات الأميركية في اعتراضها، وأنه من غير المستبعد شن ضربات انتقامية مشتركة مع إسرائيل إذا تعرضت لهجوم من إيران أو وكلائها.
من جهته نقل موقع أكسيوس الإخباري الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين أن قائد القيادة الوسطى الأميركية قد يزور إسرائيل للتنسيق بشأن هجوم إيراني محتمل، مشيرا إلى أن التنسيق الإسرائيلي الأمريكي يشمل الدفاع الجوي والصاروخي المشترك في المنطقة.
وأضاف الموقع أن تواصل تل أبيب مع واشنطن، في شأن إمكانية الحد من رد إيران عبر رسائل التحذير وإبراز القوة، وأكدوا أن إسرائيل تستعد لهجوم إيراني مباشر محتمل وغير مسبوق بالصواريخ والمسيرات، وشددوا على أنه إذا هاجمت إيران إسرائيل مباشرة فسترد بالمثل. وأكد أكسيوس عن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين أن واشنطن وتل أبيب بحثتا خلال الأيام الماضية التحضير للرد الإيراني.
من جهته، نقل موقع بلومبرغ الأميركي عن مصادر أنه من غير المتوقع أن يستهدف هجوم إيران منشآت مدنية وقد لا يأتي بالضرورة من شمال إسرائيل، مشيرا إلى أن واشنطن وحلفاءها يرون أن هجوم إيران ووكلائها بصواريخ ومسيرات ضد أهداف إسرائيلية بات وشيكا.
تحذير إيراني لأمريكا
من جانبها، حذرت إيران الولايات المتحدة من “الزج بنفسها في الشرَك” الذي نصبته لها إسرائيل من خلال مهاجمة القنصلية الإيرانية في سوريا. وأدلى محمد جمشيدي، نائب رئيس مكتب الرئيس الإيراني للشؤون السياسية، بهذه التصريحات في منشور على منصة ((إكس)) أثناء تقديم تفاصيل عن “رسالة خطية” أرسلتها إيران إلى الحكومة الأمريكية.
وقال إن إيران حذرت في الرسالة “القيادة الأمريكية من الزج بنفسها في الشَرَك الذي نصبه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للولايات المتحدة” ونصحت الأمريكيين بأن “ابتعدوا” حتى “لا تتأذوا”. وأضاف جمشيدي أن الولايات المتحدة ردت على الرسالة بأن طلبت من إيران عدم استهداف المنشآت الأمريكية.
وتأتي هذه التصريحات في وقت وُضع فيه سلاح الجو الإسرائيلي على درجة قصوى من التأهب استعدادا لاحتمال قيام إيران بالرد عسكريا على إسرائيل في أعقاب اتهامها باغتيال محمد رضا زاهدي، أحد كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني، مع عدد من معاونيه في قصف القنصلية الإيرانية بدمشق الأسبوع الماضي.
وقد وضعت منظومات الدفاع الجوية الإسرائيلية أيضا على درجة عالية من التأهب للتصدي لأي تهديدات صاروخية.
وكان القسم القنصلي في سفارة إيران بدمشق تعرض مطلع الشهر الجاري لهجوم صاروخي إسرائيلي، أدى إلى مقتل 7 من أعضاء الحرس الثوري الإيراني، بينهم القيادي البارز محمد رضا زاهدي، ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي.