أحدثت الحرب في غزة تغيرات كبيرة في الخريطة الجيوسياسية وتوازن القوى في غرب آسيا، وكلما طال أمد هذه الأزمة تقلصت قوة الجبهة العبرية الغربية وزاد ثقل موقع فصائل المقاومة، وبينما حاولت أمريكا منع أنصار الله من القيام بعمليات عسكرية في البحر الأحمر لضمان سلامة السفن الصهيونية من خلال تشكيل تحالف بحري يعرف باسم “حراس البحر” وتنفيذ هجمات واسعة على البنية التحتية لليمن، إلا أن هذه الهجمات جاءت بنتائج عكسية، والآن اليمنيون، وبفضل الإنجازات الجديدة، في المجال العسكري، قاموا بتوسيع عملياتهم إلى ما وراء البحر الأحمر.
وكتب محمد عبد السلام، المتحدث باسم أنصار الله، مؤخراً على شبكة تويتر الاجتماعية: “نظراً للعدوان العسكري المستمر على غزة، نؤكد أن اليمن كثف هجماته على السفن الإسرائيلية في المحيط الهندي ويمنع هذه السفن من المرور عبر الحدود”، وأكد عبد السلام: “على شركات الشحن المرتبطة بالكيان الإسرائيلي أن تأخذ تصعيد هجماتنا في المحيط الهندي على محمل الجد، وأن تعلم أن أي سفينة مرتبطة بإسرائيل معرضة للصواريخ اليمنية”.
ويأتي هذا التحذير من صنعاء فيما استهدفت القوات المسلحة اليمنية عدة سفن تابعة للكيان الصهيوني أو سفن تحمل بضائع لهذا الكيان في البحر الأحمر والمحيط الهندي ومضيق باب المندب خلال الأشهر الماضية دعما من شعب اليمن لغزة، وتعهدت القوات المسلحة اليمنية أنه ما لم يتوقف الكيان الصهيوني عن هجماته على قطاع غزة وقتل أبناء هذه المنطقة، فسوف يستمر في مهاجمة سفن هذا الكيان أو السفن المتجهة إلى الأراضي المحتلة، وسفن الحلفاء الغربيين لهذا الكيان في البحر الأحمر.
ويأتي توسع عمليات أنصار الله من المحيط الهندي إلى جنوب أفريقيا في وضع كشف فيه اليمنيون في الأسابيع الأخيرة عن أسلحة جديدة زادت من الخوف والذعر بين الصهاينة والغربيين، وفي الأسبوع الماضي، اختبرت أنصار الله صاروخا “فرط صوتي” يمكنه السفر بسرعة 8 ماخ باستخدام الوقود الصلب، وفي الشهر الماضي أيضا، أعلنت أنصار الله عن وصول غواصتها غير المأهولة إلى القوات المسلحة اليمنية، الأمر الذي يمكن، حسب الخبراء، أن يغير معادلة الصراع في البحر الأحمر، ويعتبر تهديدا خطيرا للسفن والسفن الأمريكية.
ويقول خبراء عسكريون إنه على الرغم من عدم وجود معلومات حول الصاروخ اليمني الذي تفوق سرعته سرعة الصوت، نظرا لقدرته على إجراء مناورات سريعة ومعقدة، إلا أن هذا الصاروخ لديه إمكانية المرور عبر حاجز الدفاعات الصاروخية في الجو، مثل فلاخان داود والباتريوت، ولذلك، إذا استخدم أنصار الله مثل هذه الأسلحة ضد الأراضي المحتلة، فلن يكون الصهاينة آمنين في أي مكان.
وأظهر إنتاج أنصار الله للأسلحة المتطورة وتوسيع نطاق العمليات في المحيط الهندي أن التحالف البحري الأمريكي لم يفشل في إضعاف صنعاء فحسب، بل جعل القوات اليمنية أكثر إصرارا على الدفاع عن شعب فلسطين المظلوم، وإن توسع منطقة الاستهداف إلى المحيط الهندي وتغطية النيران لمسافة أكثر من 1000 كيلومتر من السواحل اليمنية يظهر القدرات العسكرية لصنعاء التي تمكنت من تحقيق هذه النجاحات الكبيرة في ظل ظروف عقوبات واسعة النطاق.
نفقات تل أبيب الباهظة
ومع عملياتها في البحر الأحمر خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، أوقفت أنصار الله حركة السفن الصهيونية عبر هذا الممر المائي الدولي، وحسب مدير ميناء إيلات، أصبح هذا الميناء خاليا من السفن، وفي هذه الحالة، فإن سقوط الصواريخ اليمنية في جميع أنحاء الأراضي المحتلة يمكن أن يؤدي إلى تعطيل رسو السفن في موانئ حيفا وتل أبيب.
والآن، بالإضافة إلى البحر الأحمر، فإن السفن الصهيونية والدول الغربية الداعمة لها ليست آمنة في المحيط الهندي وجنوب أفريقيا، وبعد انطلاق عملية أنصار الله في نوفمبر الماضي، غيرت السفن الصهيونية مسارها من مضيق باب المندب إلى رأس الرجاء الصالح، تفاديا لهذه العملية في البحر الأحمر، والتي كلفت الصهاينة الكثير من الوقت والمال، ولذلك، مع بدء عملية أنصار الله في رأس أوميدنيك، لن تتمكن السفن الصهيونية من السفر عبر هذا الممر المائي الدولي، وهذا الأمر سيجعل الوضع أكثر صعوبة على تل أبيب.
ما يقرب من نصف التجارة البحرية للكيان الصهيوني تتم عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي، وإذا استمرت العمليات اليمنية، فمن الممكن أن تضع اقتصاد “إسرائيل” في وضع حرج للغاية، وهذا الموضوع يتطلب دعمًا ماليًا للمحتلين أمام حرب غزة المستمرة، وسوف تنتهي لأنه مع توقف مرور السفن الصهيونية عبر البحر الأحمر ورأس الرجاء الصالح.
لم يعد هناك طريق بديل آخر للتجارة مع شرق آسيا، وعليهم اللجوء إلى الخيار الجوي الذي لا يستطيع منافسة الطرق البحرية في آسيا من حيث الحجم والتكلفة، وتدعي السلطات الصهيونية أنها ستواصل الحرب في غزة إلى أجل غير مسمى حتى القضاء على حماس، لكن تحقيق هذا الهدف المعلن غير ممكن رغم المخاوف الأمنية خارج الأراضي المحتلة، وخاصة من اليمن ولبنان.
رسالة تحذيرية إلى تل أبيب وواشنطن
إن وقوع المحيط الهندي في مرمى صواريخ أنصار الله يشكل تحذيراً خطيراً لـ”إسرائيل” وحلفائها الغربيين لإنهاء الحرب في غزة قبل فوات الأوان لإنقاذ أنفسهم، لأن استمرار الإبادة الجماعية الفلسطينية له عواقب وخيمة، كما اعترفت وسائل الإعلام الصهيونية بهذه القضية وكتبت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في تقرير تؤكد فيه نجاح اختبار الصاروخ اليمني الذي تفوق سرعته سرعة الصوت: “تسعى قوات أنصار الله إلى تكثيف هجماتها في شهر رمضان المبارك تماشيا مع تعاطفهم وتضامنهم مع الفلسطينيين في غزة.
وأصبحت العمليات البحرية لأنصار الله في خليج عدن والبحر الأحمر وبحر العرب عقبة متزايدة أمام التجارة البحرية في جميع أنحاء العالم، واضطرت الدول الداعمة لـ”إسرائيل” إلى تغيير طرقها واستخدام طرق بحرية أطول بكثير خوفا من صواريخ أنصار الله”.
وتواصلت الولايات المتحدة، التي لم تتمكن من تحقيق النجاح من خلال الضربات الجوية على اليمن، مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة واصفة عملية أنصار الله بأنها تهديد لسلام وأمن الشحن الدولي وزيادة الضغط العالمي على صنعاء، وفي هذا الصدد، أصدر أعضاء مجلس الأمن مساء الاثنين مرة أخرى بيانا أدانوا فيه بشدة هجمات أنصار الله ضد السفن التجارية في البحر الأحمر وطالبوا بوقفها فورا، وفي يناير/كانون الثاني، أصدر مجلس الأمن قراراً يدين عمليات أنصار الله وأذن بشكل غير مباشر بشن هجمات أمريكية وبريطانية على اليمن، لكن هذه التصرفات لم تعد الأمن إلى البحر الأحمر فحسب، بل مع تصاعد التوترات والإنجازات الجديدة في صنعاء، امتد نطاق التوترات الآن أيضا إلى المحيط الهندي وجنوب أفريقيا.
ويعلم المجتمع الدولي أن استمرار جرائم “إسرائيل” في غزة والتحريض الأمريكي على الحرب في البحر الأحمر هو السبب الرئيسي للتوتر في المنطقة، لذلك، بدلاً من إدانة عمليات أنصار الله، ينبغي على أعضاء مجلس الأمن زيادة الضغط على البحر الأبيض، وكيان قتل الأطفال لإنهاء الإبادة الجماعية في غزة، لأن استمرار هذه الحرب في غزة سيزيد من التوترات بين فصائل المقاومة مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، كما أنه يشكل خطرا على السلام العالمي.
يقوم أنصار الله بإحداث تغييرات استراتيجية في المنطقة والعالم لصالح الشعبين المظلومين في فلسطين واليمن، في حين يقف الأمريكيون عاجزين وليس لديهم خيار سوى الفشل أكثر، والسبيل الوحيد للهروب من هذا الوضع هو وقف العدوان، عدوان الجيش الصهيوني ورفع الحصار عن غزة، لقد خلقت صنعاء معادلة جديدة في البحر الأحمر، تعتبر تحدياً خطيراً للهيمنة الأمريكية، ووضعت هذا البلد في معضلة صعبة جداً.
إذا أرادت الولايات المتحدة بدء حرب واسعة النطاق مع اليمن، فسوف ينتظرها مصير أسوأ من الحرب في أفغانستان وفيتنام، لأن أنصار الله أثبتوا قوتهم للجميع في الحرب التي استمرت 9 سنوات مع التحالف السعودي الإماراتي للسيطرة على اليمن، آخذين بعين الاعتبار كل الجوانب، ومسؤولو البيت الأبيض يعرفون أيضاً أن دخول اليمن لن يتم دون دفع تكاليف باهظة، والهزيمة في هذه الحرب ستشوه صورة واشنطن في العالم، ومن ناحية أخرى، فإن الجهود الواضحة التي تبذلها الولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة لم تسفر عن شيء، والمتطرفون في تل أبيب لا يستجيبون لطلب واشنطن بأن المهمة أصبحت صعبة على رئيس الولايات المتحدة جو بايدن.
وفي الختام يمكن القول إن توسيع نطاق عمليات أنصار الله في المحيط الهندي في نفس الوقت الذي يتزايد فيه عدد جبهات المقاومة وزيادة مشاركتها في معادلات حرب غزة يرهق الكيان الصهيوني، واستمرار هذا التوتر سوف يؤدي إلى تفاقم الوضع، حيث تواجه حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة، رئيس وزراء هذا الكيان، تحديات كبيرة، ومع تزايد حجم الاحتجاجات في الأراضي المحتلة، فإن الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ الصهاينة تقترب خطوة واحدة من الانهيار.