يواصل مجلس الأمن الدولي الانسياق الأعمى خلف التوجيهات الأمريكية لا سيما فيما يتعلق بالأحداث باليمن. ومؤخراً صدر عن المجلس بيان يدين عمليات القوات المسلحة اليمنية المساندة لغزة في البحرين الأحمر والعربي، في موقف جديد اعتبره المراقبون انحيازاً واضحاً للعدو الإسرائيلي الذي يرتكب جرائم حرب إبادة جماعية في قطاع غزة، ويعكس ما وصل إليه المجلس من ارتهان خطير للرغبة الأمريكية الإجرامية.
لكن اليمن التي اعتادت هذه البيانات من هذا المجلس، لم تعر اهتماماً له، بل واصلت عملياتها العسكرية، ملتزمة بواجبها الديني والأخلاقي الذي يحتم عليها الوقوف إلى جانب إخواننا الفلسطينيين في قطاع غزة.
وتصاعدت العمليات العسكرية اليمنية بشكل أكبر من السابق، بقرار القيادة الثورية والعسكرية توسيع رقعة المواجهة عبر قرار منع ملاحة السفن الأمريكية والبريطانية، وكذلك السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بها في المحيط الهندي وشمال أفريقيا وحتى طريق الرجاء الصالح، الطريق البديلة التي لجأ لها العدو بعد منع الملاحة الصهيونية في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن إسنادا لقطاع غزة.
أما في الجانب الدبلوماسي والسياسي فقد أكدت وزارة الخارجية اليمنية عبر بيان لها، أن موقف مجلس الأمن، ينتهك كل القوانين والشرائع والأخلاق والقيم الإنسانية المشتركة ويضع المهمة التي أنشئ من أجلها المجلس في مهب الريح. وفي السياق أوضح عضو الوفد الوطني التفاوضي عبد الملك العجري أن بيان مجلس الأمن الأخير حول عمليات الجيش اليمني ضد السفن المتجهة لإسرائيل لا قيمة له ولا أخلاقية له ولا سياسية.
وقال في تغريدة له على منصة إكس: ” إن المجلس الذي عجز عن وقف الإبادة في غزة وعن فرض القانون الدولي على إسرائيل لا يحق له أن يطالب الآخرين باحترام القانون الدولي”، مؤكداً أنه عندما يعمل القانون الدولي في غزة سيعمل في غيرها”.
تحريف وتزييف الحقائق
ما جاء في بيان مجلس الأمن بشأن العمليات اليمنية في البحر الأحمر والعربي ليس جديداً، ولا غريباً، فكل بياناته وقراراته متشابهة، وصادرة في اتجاه واحد، مما يوضح أن هذا المجلس ليس أكثر من مؤسسة صهيونية يتحكم فيها اللوبي الصهيوني، والذي يصر على مواصلة حرب الإبادة في غزة، وكذلك تشويه حقيقة العمليات العسكرية اليمنية في البحرين الأحمر والعربي وفصلها عما يحدث في غزة، عبر وصفها بالعمليات العبثية والقرصنة البحرية.
وفي هذا الشأن يرى مستشار رئيس المجلس السياسي الأعلى سعادة السفير عبد الإله حجر أن بيان مجلس الأمن وإدانته العمليات العسكرية اليمنية المساندة لقطاع غزة لا يختلف كثيراً عن البيانات الصادرة عن هذا المجلس من منذ بداية طوفان الأقصى، وبداية عمليات الإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان الصهيوني بدعم من أمريكا وبريطانيا ودول أخرى.
ويضيف السفير حجر في تصريح خاص “للمسيرة” إنما هناك بعض النقاط الهامة في هذا البيان، والتي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، فهذا البيان لم يشر في فقراته العديدة إلى ما يحدث في فلسطين، وكأن فلسطين ليست متواجدة على الخارطة، وأن الشعب الفلسطيني لا يستحق الحياة، ويستحق ما يقوم به الكيان الصهيوني من ابادة جماعية.
ويتابع حديثه، مكتفياً ” البيان” وعلى استحياء بالإشارة إلى ضرورة معالجة جذور هذه الأزمة، متجاهلاً ما يحدث في غزة، وإصرار هذا البيان على أن ما تقوم به القوات المسلحة اليمنية عمليات عسكرية في البحر الأحمر، هي عمليات عبثية وقرصنة ليس لها أي مبرر، موضحاً أنها مغالطة تتحمل مسؤوليتها جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن سواء الدائمة أو غير الدائمة.
ويقول إن هذا البيان أشار إلى دعم حكومة الفنادق والتي يسميها “شرعية” للتصدي للعمليات العسكرية اليمنية في البحر الأحمر، داعياً الدول الداعمة لهذه الحكومة الفاشلة والعميلة إلى تشجيعها ومساندتها، بعد فشل أساطيل الدولتين الدائمة العضوية في مجلس الأمن أمريكا وبريطانيا في وقف هذا العمليات الكبرى رغم عدوانهم على اليمن. ويضيف حجر: “وتضمن البيان الحديث عن غرق السفينة روبيما، وحرق سفينة، وكذلك إصابة سفينة ومقتل اثنين من البحارة الفلبينيين واصابات أخرين وكأن هؤلاء البحارين دماءهم أغلى من دماء عشرات الالاف من الفلسطينيين الذين يقتلون ويجرحون ويفرض عليهم حصاراً شاملاً حد الموت جوعاً”.
ويؤكد أن هذه فضيحة كبيرة لمجلس الأمن، ولكل دولة تشارك هذا المجلس في قراراته أو بياناته، موضحاً أن البيان يظهر مدى العزم والإصرار من قبل محور الشر الذي تقوده أمريكا والاستمرار في تصفية الشعب الفلسطيني وارتكاب العديد من عمليات الإبادة الجماعية والاستمرار في عسكرة البحر الأحمر والبحر العربي. ويؤكد كذلك أن ذلك سيؤدي إلى تصعيد غير مسبق، وآثار كارثية على العالم بأكمله، معتبراً ما يحدث في البحر الأحمر يتم تشويهه من خلال هذا البيان، وعرقلة لحركة التجارة البحرية، وتغيير أو تحريف الحقائق، فالقوات البحرية اليمنية لا تستهدف سوى تلك السفن المتوجهة إلى الكيان الصهيوني لفرض حصار عليه.
ويتساءل حجر: أين القانون الدولي الإنساني من قتل آلاف العشرات، تجويع وحصار 2 مليون إنسان؟ ثم يأتي هذا البيان “المتناقض” وما يسمونه القانوني الدولي الإنساني، متحدثين عن قتل اثنين من الفلبينيين خطأ، كانوا على متن سفينة متجهة إلى إسرائيل، رغم تحذير السلطات اليمنية لكل شركات النقل البحري بأنها ستتعرض للضربات البحرية وللعمليات العسكرية البحرية اليمنية في حالة توجهها إلى الكيان الصهيوني، ويسمون ذلك انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني؟ ويرى أن هذه مهزلة، وأن هذا البيان بعيد عن الواقع كما هو حال مجلس الأمن وما يتشدق به من تحقيق الأمن والسلم الدوليين، كما أن هذا البيان لا يزيدنا إلا إصراراً على الاستمرار في عملياتنا العسكرية والتصعيد بشكل أكبر.
المساواة بين الجلاد والضحية
من جانبه يقول الأكاديمي والخبير العسكري العميد محمد هاشم الخالد إن مجلس الأمن بإصداره هذا البيان يكشف ويؤكد مرة أخرى انحيازه لإسرائيل، وهيمنة قوى الاستكبار العالمي وعلى رأسهم أمريكا ومن خلفها بريطانيا على هذا المجلس، ساخراً من مجلس الأمن بقوله: “والمثير للضحك أن مجلس الأمن أنشئ أصلاً للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين والانتصار للقضايا العادلة والتحررية على مستوى العالم، ولكن هو مجرد لعبة وأداة طائعة في يد أمريكا وبريطانيا ومن حالفهم من دول الغرب وإسرائيل لتحقيق مآربهم ومصالحهم في أي وقت ومكان”.
ويوضح الخالد في تصريح خاص “للمسيرة” أن أمريكا ومن حالفها من دول الغرب وكذلك حليفها الأهم والأكبر الذي زرعته في المنطقة “إسرائيل” يسيرون مجلس الأمن كيف يشاؤون، ويصدرون البيانات والقرارات التي تخدم قضاياهم وتخدم مصالحهم، ولا ينظرون إلى القضايا العادلة والمهمة مثل القضية الفلسطينية. ويشير إلى أن مجلس الأمن اليوم عندما يدين هذه الهجمات – كما يسميها- أو العمليات في البحر الأحمر فهو يساوي بين الجلاد والضحية، في حين أن نفس المجلس لم يصدر بياناً حقيقياً يدين العمليات العسكرية الوحشية والقتل والإبادة الجماعية في غزة، مؤكداً أن هذا تناقض واضح وصارخ بالنسبة لمؤسسة دولية “مجلس الأمن الدولي” والذي أصبح لا قيمة ولا تأثير له، ولا وزن على مجريات الأحداث العالمية والمتغيرات الدولية.
ويكرر التأكيد على أن مجلس الأمن كان يفترض به أن يصدر قراراً يدين العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ويصدر أيضاً قراراً بوقف إطلاق النار فوراً، استجابةً لنداءات الشعوب وأحرار العالم الذين شددوا على مجلس الأمن، وطالبوه بسرعة إصدار بيان، وتبني قراراً لإيقاف العدوان على غزة بدلاً من إصدار بيان يدين العمليات التي تقوم بها القوات المسلحة اليمنية في صنعاء دفاعاً عن غزة وانتقاماً من ذلك الاستكبار والتكبر والتسلط والإجرام الصهيوني في غزة.
ويلفت إلى أن أمريكا اليوم صنعت القرار في الهيئة الأممية كما يقال، وبالتالي فأن صنعاء كان موقفها واضحاً من هذا القرار، حيث أكدت استمرار العمليات العسكرية اليمنية في البحر الأحمر كموقف إنساني وديني وأخلاقي لنصرة المظلومية في غزة، وأن هذه العمليات ستتوقف عندما يتوقف العدوان على غزة ، إلى جانب دخول المساعدات والأدوية والغذاء والكساء إلى سكان قطاع غزة.
ويؤكد أن قرار وموقف صنعاء موقف واضح لا غبار عليه، ولا تراجع عنه، وأنه مهما كان قرار مجلس الأمن فهو لا يعني السلطات اليمنية والقيادة في صنعاء بشيء، مشيراً إلى أن السيد القائد عبدالملك الحوثي – يحفظه الله- وضح ذلك في أكثر من مناسبة وخطاب، حيث أكد أن على مجلس الأمن إدانة الجلاد الذي ارتكب أبشع الجرائم المتنافية مع القانون الإنساني والدولي الذي ينادون ويتغنون به على مدى سنوات، في حين أن القانون الإنساني وحقوق الإنسان الفلسطيني تنتهك باستمرار، فقد انتهكت كل الحرمات في فلسطين المحتلة، وحصلت كل جرائم الحرب المخالفة للمواثيق الدولية الإنسانية التي يتشدقون بها، دون أن يحرك العالم ساكناً.