على مدى عدة أشهر، وعلى وقع القتال الميداني بين حركة حماس وجيش الاحتلال، شهدت عدة دول مفاوضات بين الطرفين، لتحديد الخسائر والمكاسب وبناء معالم النصر والهزيمة، أو بالحد الأدنى التوصل إلى هدنة تفتح مسار وقف إطلاق النار.
وبينما يواصل جيش الاحتلال ارتكاب المجازر في ظل مجاعة يعاني منها سكان غزة، تستمر المفاوضات، التي ما إن تتقدم خطوة إلى أمام، حتى نجدها تعود إلى نقطة الصفر، بسبب عقبات يضعها الجانب الإسرائيلي على طريق الاتفاق، في المقابل يرفض الجانب الفلسطيني التنازل عن شرط وقف إطلاق النار بشكل كامل كمقدمة لعملية تبادل الأسرى. في هذا السياق، بدأ في القاهرة يوم الخميس اجتماع عربي تشارك فيه السلطة الفلسطينية، ويبحث سبل إقامة هدنة إنسانية في القطاع، كما تستضيف الدوحة لقاءً جديداً بعدما استضافت في السابق جولات عديدة من اللقاءات والمفاوضات غير المباشرة.
ضغوط أمريكية ومخاصمات إسرائيلية
أرسلت “إسرائيل” إلى هذه المفاوضات (الدوحة) وفداً مكوناً من مسؤولين في الموساد والاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن العام، بعد الحصول على تفويض من مجلس الحرب الإسرائيلي لبحث تفاصيل القضايا المطروحة على طاولة المفاوضات. وجاءت هذه الجولة لنقاش مقترح جديد قدمته حماس، على وقع ضغوط أميركية ومخاصمات إسرائيلية داخلية، ظهرت مؤخراً على شكل استئثار نتنياهو بقرار المفاوضات بعيداً عن مجلس الحرب (الكابينت).
في وقت تحدثت فيه “القناة 12” العبرية عن “ضغوط أميركية هائلة على الوسطاء للبدء بالتحرك بسرعة كبرى”، مستدركةً بأن “أعضاء مجلس الحرب يوآف غالانت وبني غانتس وغادي آيزنكوت، سمعوا عن مغادرة رئيس الموساد إلى الدوحة من وسائل الإعلام”، ما يعني أن نتنياهو يتفرّد بإدارة ملف المفاوضات، وهو أشد تطرفاً من باقي أعضاء المجلس، ما قد يحدّ من “التفاؤل”.
في هذا السياق، من المرجّح أن تكون الزيارة الإقليمية لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، والمتزامنة مع زيارة وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، إلى الولايات المتحدة الأميركية التي قد تعتبر “استدعاءً”، هي الجزء المعلن من الضغوط، رغم أنها تظهر بعناوين مخفّفة تتمحور حول التنسيق والشراكة.
أصبح احتلال رفح موضع شك
عاملان يجعلان عملية رفح موضع شك، الضغوط الأميركية، ومسار المفاوضات، وذلك على الرغم من الزخم السياسي الذي أخذه قرار احتلال رفح (تأكيد إسرائيلي متكرر من أعلى الهرم، تسريبات عن موافقة أميركية ومصرية وإيجاد حلول لأزمة نقل السكان خارج منطقة رفح).
أما العامل الأول، الضغوط الأميركية فقد تزداد حدتها في الفترة القادمة لوقف الحرب وليس الاقتصار فقط على هدنة مؤقتة، ربطاً بالضغوط الداخلية والخارجية التي يتعرّض لها بايدن، بالإضافة إلى الانتخابات الأميركية القادمة، وقد تستخدم الولايات المتحدة عدة أدوات، كالحد من الأسلحة العسكرية، وتجفيف منبع الدعم اللوجستي، وسياسياً إطلاق مسار ضغوط خارجية على إدارة نتنياهو، بالتوازي مع ضغوط من داخل الكيان نفسه عبر الشخصيات السياسية والمؤسسة الأمنية والاحتجاجات الشعبية.
العامل الثاني، مسار المفاوضات، وذلك عبر التوصّل إلى اتفاق مع حركة حماس، التي قدّمت في هذا السياق عدة نوافذ لإخراج اتفاق، وعليه فإن المؤشرات السياسية تحمل في طياتها احتمالية هدنة مؤقتة قد تفتح مجالاً لوقف إطلاق النار بشكل كامل، ما لم تحمل الأيام القادمة مفاجآت قد تغيّر من مجرى الأحداث.