بعد احتجاج اليهود المتطرفين على جهود بعض الجماعات السياسية في النظام الصهيوني لإلغاء الإعفاء العسكري لخريجي المدارس الدينية، هدد الحاخام الأكبر لليهود حكومة النظام بأنه إذا تم تنفيذ هذا القانون، فإنه وأتباعه سيغادرون الأراضي المحتلة، وذكر إسحاق يوسف، كبير حاخامات اليهود السفارديم في الأراضي المحتلة، أنه إذا أُجبرت هذه الحركة على أداء الخدمة العسكرية، فإن جميع أتباع هذه المجموعة سيهاجرون خارج الأراضي المحتلة.
فيما تعززت المعارضة لمشروع قانون الإعفاء لليهود المتدينين بسبب الوضع الصعب للجيش الإسرائيلي في حرب غزة، من قبل يائير لابيد، رئيس المعارضة الإسرائيلية، وطلبه من غادي آيزنشت وبيني غانتس، عضوي الحرب مجلس الوزراء، بالانضمام إلى هذا الإجراء، وردا على تصريح الحاخام يوسف، قال بيني غانتس: على الجميع، بما في ذلك الحريديم، المشاركة في الخدمة العسكرية في هذا الوقت العصيب، حيث باتت الخلافات الإسرائيلية في أوجها منذ الحرب الإرهابية على غزة.
خلافات إسرائيلية متصاعدة
بشدة، هاجم يائير لابيد، رئيس حركة المعارضة في الحكومة الإسرائيلية الحالية، رئيس وزراء هذا النظام وشدد مرة أخرى على ضرورة تجنيد الحريديم في ظل الضغوط الشديدة الحالية على الجيش ونقص القوى البشرية، مقابل التحديات الكبيرة المقبلة، وقد صرح رئيس الوزراء السابق ورئيس حركة المعارضة في الحكومة الصهيونية الحالية في الاجتماع الأخير لكتلة “المستقبل هنا” في الكنيست بأن “نتنياهو هو مؤسس ثقافة الكذب”، وقد هاجم يائير لابيد نتنياهو في اجتماع أمس لأعضاء حزب المستقبل ووصفه بالكذاب، قائلا إن رئيس الوزراء سيخدع الحريديم وسيحاول تقديم خطط عامة تبدو وكأنها الحل، لكنه ليس كذلك”.
وردا على كبير حاخامات النظام الإسرائيلي، إسحاق يوسف، الذي قال إنه إذا أصبحت الخدمة العسكرية إلزامية للحريديم، فسنشتري تذكرة ونغادر “إسرائيل” معا.. أعط احتياطيا خدم 70 أو 90 أو 120 يوما هذا العام، وقال لبيد لكبير الحاخامات الصهيونية: هل يعطيك أحد في الخارج ما أعطيناك هنا؟ أليس لديك أي واجبات هناك؟”، كما أن نتنياهو وعد الحريديم بزيادة مخصصاتهم الوزارية ومنحهم امتيازات تحت الطاولة إذا ألغت المحكمة العليا ميزانيتهم الخاصة.
ولطالما كانت مسألة التجنيد الإجباري للحريديم -الفارين من الخدمة العسكرية بحجة دراسة التوراة- قضية معقدة في المجتمع الإسرائيلي، وأصبحت سببا للانقسام السياسي حول قانون التجنيد، وتم إعفاء 66 ألف حريدي من الخدمة العسكرية في السنوات الأخيرة، ومنذ عام 2017، لم يتمكن الصهاينة من التوصل إلى اتفاق حول الخدمة العسكرية لهذه المجموعة من اليهود (الطائفة السفاردية أو الشرقية(، ولم يسلم بيني غانتس، عضو حكومة الحرب، من انتقادات لابيد.
وأوضح رئيس حركة المعارضة في حكومة نتنياهو أن الخطة التي اقترحها غانتس لا تشمل الحريديم، لم يعد بإمكاننا أن نخدع أنفسنا بعد الآن.. ليس هناك قوات كافية في غزة، مثلما لا توجد قوات كافية في الضفة الغربية، إذا كان هناك صراع في الشمال، فليس لدينا ما يكفي من الجنود لهذا الصراع، “الجيش صغير والتحديات كبيرة”.
وإذا كان هذا الافتراض غير صحيح، يقول الإسرائيليون إنه يجب التفكير في استبدال وحدات كاملة وأجيال كاملة من القادة في الجيش الذين اتخذوا قرارات سيئة، لقد كانوا ببساطة غير مسؤولين وغير مهنيين وتعاملوا مع الكيان الإسرائيلي بشكل غير عادل، وصرح رئيس لجنة الأمن القومي عضو الكنيست العميد (احتياط) تسفيكا فوغل: ‘لا أريد أن أصدق ذلك وأريد أن أصدق أن هناك من خانهم من الداخل’.
وأضاف: ‘ربما سيتعين علينا في المستقبل اكتشاف الحقيقة’، واختتم فوغل تصريحاته بالقول: ‘لا أعرف أيهما أفضل، أن نكتشف أن هناك خائن هنا أو أن نكتشف أن هناك مجموعة غير مهنية’، ‘لا يمكنني استبعاد وجود مؤامرة في هذه المسألة، لا يمكننا أن نكون غير مسؤولين إلى هذا الحد، آمل أن أكون مخطئًا”، يتزامن ذلك مع تصاعد الخلافات بين نتنياهو ومواطنيه في كل ما يتعلق بالحرب على غزة.
وفي السابع من أكتوبر من العام الماضي، هاجمت حماس الحاميات والمستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة، ما أدى إلى وفاة نحو 1200 إسرائيلي، وجرح نحو 5431، وأسر 239 على الأقل، وبادلت عشرات الأسرى، حسب السلطات الفلسطينية، ونتيجة الحرب الإسرائيلية على غزة استشهد نحو 35 ألف فلسطيني وجرح 65،087 ومعظمهم من الأطفال والنساء، مخلِّفةً دمارًا هائلًا وكارثةً إنسانية غير مسبوقة، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.
توترات أمنية خطيرة
تقدم المقتطفات أعلاه نظرة متعمقة على التوترات الأمنية والسياسية في “إسرائيل”، مع التركيز بشكل خاص على الصراع مع حركة حماس في قطاع غزة، والتي هي سبب هذه التوترات بين الإسرائيليين، الخوف والشكوك حول قدرة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على مراقبة الأحداث في قطاع غزة وتحديد المخاطر المحتملة كما يتضح من تصريحات رئيس لجنة الأمن القومي الإسرائيلي وأعضاء آخرين، فالتصريحات التي تسلط الضوء على وجود “خونة من الداخل” تعكس درجة من القلق من الاختراقات والدسائس التي يعتقد البعض أنها ربما لعبت دوراً في الأحداث الأمنية الأخيرة، وبالطبع فإن هذه التصريحات تثير تساؤلات حول كفاءة وذكاء الجيش والأجهزة الأمنية.
ويسلط الوضع الأخير للهجمات والعمليات العسكرية بين الجانبين التي تسببت بخسائر فادحة في الأرواح والدمار في قطاع غزة الضوء على الوضع الإنساني الصعب الذي يواجهه الفلسطينيون في القطاع نتيجة الإرهاب الإسرائيلي ويعزز دعوة المجتمع الدولي لوقف الأعمال العدائية وإطلاق عملية سلام شاملة، وبشكل عام، يتبادل الإسرائيليون الاتهامات والتهديدات، ما يزيد من حدة التوتر ويجعل الوضع في الكيان أكثر تعقيداً، ومن المهم مواصلة الجهود الدولية لتحقيق وقف إطلاق النار والشروع في حوار جاد يعيد الثقة ويعالج القضايا الجوهرية.
ونظراً للتوترات بين الأطراف واستمرار تصعيد الصراع، فقد ازداد الوضع سوءاً وابتعدت تل أبيب عن الحوار السياسي والدبلوماسي الذي أصبح الأداة الرئيسية لتصعيد الصراع وتحقيق ما وعد به الطرفان، ولذلك، يجب على المجتمع الدولي، ولا سيما القوى الكبرى ومجلس الأمن الدولي، العمل بفعالية لضمان وقف الأعمال العدائية في تل أبيب والتوصل إلى حل عادل ودائم للمشكلة الفلسطينية.
ضرورة التفاوض مع حماس
ينبغي على الأطراف الدولية أن تتبنى استراتيجيات لتعزيز بناء الثقة والتعاون الإقليمي، بما في ذلك الجهود الرامية إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة وتوفير الفرص الاقتصادية للسكان، وتعتبر المفاوضات والحوار مع حماس وسيلة فعالة لحل النزاعات في المنطقة، كما أن تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة يتطلب التزاماً قوياً من قبل الأطراف المعنية بوقف الأعمال الإرهابية العمياء التي تقوم بها القوات الإسرائيلية.
وعلاوة على ذلك، ينبغي أيضاً النظر في ضرورة تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية وتعزيز الحكم الذاتي في فلسطين من أجل تعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة، ويجب على المجتمع الدولي دعم هذه الجهود من خلال تقديم المساعدة المالية والتقنية والسياسية، وسيساهم ذلك في بناء مؤسسات ديمقراطية قوية وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، كما أنه من الضروري تنظيم مؤتمر دولي شامل يجمع كل الأطراف الفلسطينية لمناقشة وحل القضايا الرئيسية ووضع خطط عمل عملية من أجل تحقيق السلام والاستقرار رغم احتلال المنطقة.
ويجب أن تحظى هذه الجهود بدعم كامل من كل الأطراف ويجب على المجتمع الدولي أن يلعب دوراً رئيسياً في تحفيز هذه العملية وتيسيرها من خلال دعم الحوار والمفاوضات، ومساءلة تل أبيب والعمل على إيجاد حلول سلمية وعادلة لجميع القضايا العالقة، كما يجب على الأطراف الدولية والمنظمات الإقليمية اتخاذ تدابير فعالة لوقف تمويل ودعم محاولات تل أبيب لزعزعة استقرار المنطقة، ويجب بذل الجهود لمكافحة التطرف وتعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات والأديان من أجل بناء مجتمع متسامح ومتعايش.
وعلى الصعيد الإنساني، يجب على الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية أن تولي اهتماماً خاصاً للمساعدات الإنسانية للمتضررين من الإرهاب الإسرائيلي، بما في ذلك توفير الرعاية الطبية والمساعدات الغذائية والإسكان والتعليم، ويجب أن تكون هذه الجهود متواصلة ومستدامة حتى يتمكن السكان المحليون من التغلب على آثار الحرب الإسرائيلية الهمجية وبناء مستقبل أفضل لهم ولأجيالهم القادمة، وفي نهاية المطاف، يجب أن يكون السلام والاستقرار هدفاً مشتركاً لجميع الأطراف المعنية بفلسطين ومن يدعم قوات العدو، ومن خلال العمل المشترك والتعاون الدولي، يمكن تحقيق السلام والاستقرار والازدهار لهذا الشعب المنكوب.