إن الحرب المشتركة للولايات المتحدة وحلفائها ضد اليمن في الأشهر الأخيرة لم تخلق رادعاً ضد أنصار الله فحسب، بل مع مغامرتها في البحر الأحمر فتحت قضايا جديدة في المنطقة لحكومة جو بايدن، والتي لن تأتي دون تكاليف، وبدأت مواجهة أمريكا مع عمليات أنصار الله مع إنشاء التحالف البحري “حارس الرخاء” في 19 من كانون الأول/ديسمبر، وركز في البداية على صد هجمات أنصار الله بالطائرات المسيرة والصواريخ ضد السفن الصهيونية، لكنه وصل في 22 كانون الثاني/يناير إلى مرحلة العمليات، وقامت الولايات المتحدة مع إنجلترا بشن غارات جوية على أماكن في اليمن، وعلى الرغم من عشرات الضربات الجوية باستخدام أسلحة متطورة ضد اليمن، يتساءل الخبراء عما إذا كان هذا الحجم من العمليات ناجحا أم لا.
واعتقدت الولايات المتحدة وإنجلترا أنه مع الهجمات اليومية على الأراضي اليمنية، سينسحب أنصار الله في نهاية المطاف من العملية ضد السفن الصهيونية في البحر الأحمر، ولكن الآن لم تنخفض حركة السفن الصهيونية في البحر الأحمر إلى الصفر فحسب، بل إن السفن الأمريكية والبريطانية تتعرض للهجوم أيضاً.
حكومة بايدن تحت سكينة الكونغرس
وبعد فشل الولايات المتحدة في صد أنصار الله عن العملية الصاروخية، اشتدت موجة الانتقادات ضد حكومة جو بايدن، وشكك أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، في استراتيجية بايدن في التعامل مع هجمات أنصار الله، وأكدوا أنه يجب عليه الحصول على تفويض من الكونغرس لمواصلة العمل العسكري ضد هذه الجماعة.
وحسب تقرير موقع “بلقيس” اليمني، خلال جلسة الاستماع بالكونغرس، قال السيناتور الديمقراطي تيم كين، بينما أعرب عن قلقه بشأن الصلاحيات القانونية لحكومة بايدن فيما يتعلق بهذه الهجمات وتأثيرها: “لا أعتقد أنه إذا ازداد عدد الهجمات من 200 هجوم إلى 400، ثم 800 و1200، فسوف يتحقق الردع”، وأضاف “أعتقد أنكم ستعيدون الردع عندما نتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى يؤدي إلى وقف إطلاق النار وتقديم مساعدات إنسانية إلى غزة وفتح مساحة للحوار”، وقال كريس مورفي، وهو عضو ديمقراطي آخر في مجلس الشيوخ: “الدستور يتطلب من الكونجرس أن يأذن بالحرب، لقد أقسمنا على إطاعة الدستور، إذا اعتقدنا أن هذا عمل عسكري، فيجب علينا إصدار تصريح”.
وشدد تود يونغ، السيناتور الجمهوري، على الرغم من إعرابه عن شكوكه بشأن استراتيجية الحكومة الأمريكية، قائلاً: “من الضروري أن تتفاعل الحكومة مع هذه الإجراءات وتثبت أن استراتيجية منع العدوان والمبدأ القانوني مناسبان… حتى الآن، لم أر مثل هذه الإستراتيجية معروضة”.
من المؤكد أن حملة الهجمات الطويلة ضد أنصار الله هي أسوأ رد فعل على الإطلاق، وذلك لأن البحرية الأمريكية تواصل الغرق في رمال الشرق الأوسط لتحقيق هدف بعيد المنال، لقد كانت الولايات المتحدة أكبر قوة بحرية في العالم في العقود القليلة الماضية، وواصلت حاملات طائراتها القيام بدوريات من الشرق إلى الغرب لاستعراض قوة البلاد أمام منافسيها، لكن الآن أصبحت هذه القوة البحرية العظمى عاجزة أمام أنصار الله، إلى درجة أن أحد المسؤولين في البيت الأبيض اعترف مؤخراً بأن عملية أنصار الله كانت أكبر تحدٍ للبحرية في البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، ولذلك وجهت صنعاء لأمريكا ضربات لم تتعامل معها حتى الدول العظمى.
وشهدت الأسابيع الأخيرة استهداف العديد من السفن والسفن الأمريكية بصواريخ وطائرات مسيرة يمنية، وهذا يدل على أن اليمنيين لهم اليد العليا في التطورات الأمنية في البحر الأحمر، وقال قادة صنعاء إن عمليتهم ضد السفن الصهيونية وحلفائها الغربيين ستظل سارية طالما استمرت الحرب في غزة، وحذروا الغرب من إجبار “إسرائيل” على وقف الإبادة الجماعية في غزة لمنع تصاعد الصراع في البحر الأحمر.
وقد وضعت الولايات المتحدة وإنجلترا ثم الدول الأوروبية حملة بحرية على جدول الأعمال لوقف الأعمال العسكرية لأنصار الله، وأظهرت تجربة 9 سنوات من الحرب مع الجيوش المدججة بالسلاح للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أن أنصار الله وفي حين أن صنعاء تتعرض لحصار اقتصادي شديد دون مساعدات خارجية عززت قوتها الدفاعية والردعية ومثل هذه القرارات لا يمكن أن تجبر صنعاء على الاستسلام، حيث برزت أنصار الله الآن كقوة إقليمية تتمتع بعنصر المفاجأة والترهيب والصدمة الذي حاصر تل أبيب والغرب في البحر الأحمر.
إن المخاوف الأمريكية تتجاوز المرحلة الحالية المتعلقة بحرب غزة، والقلق الرئيسي هو على فترة ما بعد الحرب والوضع الجديد في الشرق الأوسط، الذي غيرته فصائل المقاومة بالكامل في الأشهر الأخيرة، وهو ما دق ناقوس الخطر في الغرب، فالعواصم التي على هذا الخليج الفارسي والبحر الأحمر لن تكون آمنة لهم، ولا يريد قادة البيت الأبيض الاعتراف بأن أنصار الله نجحوا في مواجهة قواتهم البحرية والجوية، وبالتالي، ومن أجل الحفاظ على صورتهم، فإنهم ينسبون نجاح ومسؤولية اليمنيين إلى إيران ويسمحون لهذا البلد بتجهيز القوات المسلحة اليمنية بالأسلحة والتكنولوجيا والاستخبارات، ويتهم بإظهار أن اليمنيين وحدهم ودون مساعدة الجمهورية الإسلامية لا يمكنهم مهاجمة أمريكا.
شروق قوة أنصار الله في سماء الغرب
انشغل اليمنيون في السنوات الأخيرة بتطوير قدراتهم العسكرية الجوية، من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز إلى الطائرات دون طيار، من قدرات هذه الحركة في المجال الدفاعي، لكن في الآونة الأخيرة أضيف سلاح خطير آخر إلى الأسطول البحري اليمني وهو يمكن أن يكسر قواعد اللعبة وقال عبد الملك بدر الدين الحوثي، زعيم أنصار الله، في خطابه الأخير، إن القوات المسلحة اليمنية أضافت “أسلحة غواصات” إلى نظامها القتالي في الهجمات على السفن الأمريكية والبريطانية والصهيونية، وإن هذه الأسلحة والغواصات سوف تسبب القلق للعدو.
وقال الحوثي إن صنعاء استهدفت حتى الآن 48 سفينة في البحرين العربي والأحمر وستزيد من كثافة عملياتها في هذا الممر المائي الدولي، وتابع: “عملياتنا ضد الأهداف الإسرائيلية بلغت 183 صاروخا وطائرة مسيرة، كما زادت العمليات البحرية كما ونوعا، كما زاد الاستخدام النشط للصواريخ والطائرات المسيرة والزوارق العسكرية”.
وقالت صحيفة “لارازون” الإسبانية، عن قدرات سلاح أنصار الله الجديد، إن الغواصة الصغيرة دون طيار ستؤدي إلى تعقيد الوضع المروري في البحر الأحمر، وبالإضافة إلى حمل المتفجرات، يمكن لهذه الغواصات أن تتحرك بسرعة عالية، ما يعني زيادة احتمالية إلحاق أضرار جسيمة بالسفن، ووفقا لهذه الصحيفة، ونظرا لقدرتها الملاحية المستقلة، يمكن تجهيز هذه الغواصات بأجهزة استشعار متقدمة والسونار ونظام تحديد المواقع العالمي وأنظمة الملاحة.
وحسب موقع “خليج أونلاين”، قال العقيد إسماعيل أيوب، الخبير العسكري، في إشارة إلى الاستخدام القديم لهذا النوع من الأسلحة: “غواصات أنصار الله دون طيار لا تختلف كثيراً عن الطوربيدات المعروفة في الأسلحة العسكرية البحرية، فالطوربيدات تشبه الغواصات غير المأهولة وشبه الموجهة، ولا تزال هي العامل الرئيسي في تدمير الغواصات والسفن، وإذا لم يتم اكتشافها، فلا يزال لها تأثير كبير.
ويقول هذا الخبير العسكري عن فعالية هذا السلاح: “على الرغم من هذا السلاح فإن القوات البحرية الغربية في البحر الأحمر وخليج عدن ستكون في حيرة من أمرها، لأن السفن البحرية يجب أن تقوم بتشغيل السونار بشكل مستمر، وهذا سوف يؤدي إلى تآكل أجهزة السونار”، ولقد فاجأت القوة العسكرية لأنصار الله حتى الخبراء والمسؤولين العسكريين الأمريكيين، وحسب صحيفة التلغراف، اعترف الأدميرال ليزا فرانشيتي، قائد البحرية الأمريكية، بأن القوات المسلحة اليمنية راكمت الكثير من الخبرات خلال السنوات التسع الماضية من العدوان، بالإضافة إلى مراكمة أسلحة ومعدات متطورة من حيث الكم والعدد والجودة.
وقال مايك مالوري، أحد المسؤولين السابقين في وزارة الدفاع الأمريكية، لـ ABC News: “الغواصة غير المأهولة هي قارب يمكنه التحرك تحت البحر ويظهر القدرات المتقدمة للحوثيين واستراتيجيتهم المتغيرة، وإن تحديد وتدمير الغواصات غير المأهولة أصعب من تحديد وتدمير الطائرات دون طيار والصواريخ المضادة للسفن، وقد تنجح هذه الغواصة في استهداف البحارة الأمريكيين، ويشكل هذا السلاح تهديدًا خطيرًا لأنه يمكنه تعطيل أنظمة الدفاع للسفن من خلال هجوم متعدد الجوانب يسمى هجوم السرب.
قوات “أنصار الله” هزت الهيمنة الأمريكية
وفي ظل الوضع الذي لجأت فيه أمريكا إلى الدول الأوروبية في الأسابيع الأخيرة للتعامل مع أنصار الله وزادت عدد سفنها في الخليج الفارسي والبحر الأحمر من أجل التخلص من هذه الدوامة التي صنعتها بنفسها، إلا أنه من المستحيل الخروج من هذه المعركة دون تكاليف وتعويضات باهظة، ولقد ثبت الآن أن التحالف البحري الأمريكي لم يفشل في استعادة أمن الشحن إلى البحر الأحمر فحسب، بل أشعل نيران الحرب في المنطقة من خلال الترويج للحرب ضد اليمن، حتى أن العديد من شركات الشحن غير مستعدة لذلك.
ورغم أن القوة العسكرية الأمريكية تعتبر الرتبة الأولى في العالم، إلا أنها منيت بهزائم ثقيلة في فيتنام وكوبا والعراق وأفغانستان، ولقد تحقق انتصار صنعاء في منطقة زعمت الولايات المتحدة أنها تسيطر على نقاط الدخول والخروج منها، لكن الآن تجد هذه الدولة نفسها عالقة في مواجهة تحد غير مسبوق.
وبالنسبة لواشنطن أيضاً، وعلى مستوى العلاقات الدولية والأزمة الواضحة في تشكيل التحالفات، يبدو أن الولايات المتحدة غير قادرة على تشكيل تحالف دولي لحماية السفن الصهيونية في البحر الأحمر، وهذا ما أدى إلى مشاركة الدول في التحالف البحري الأمريكي والتي لا يمكن العثور على أسمائها حتى على الخريطة.
اليوم، التوازن الدولي لم يعد لصالح الولايات المتحدة، وتحاول القوى الكبرى مثل روسيا والصين، في تنافس مع واشنطن، الاستفادة من الوضع في البحر الأحمر، الذي يقلل من النفوذ الأمريكي، والولايات المتحدة تخشى بشدة أن يفيد تصعيد التوتر منافسيها الشرقيين، وهو أمر مخيف، والآن ضعفت قوة الردع والهيمنة الأمريكية في المنطقة والعالم، ولا شك أن شيوخ العرب الذين عهدوا بأمنهم إلى هذا البلد سيعيدون النظر في سياساتهم الأمنية، تماماً كما توجهت هذه الدول نحو الصين وروسيا في الآونة الأخيرة، وهذا يعني الابتعاد عن واشنطن وتقليل الاعتماد العسكري على هذه القوة المتراجعة.
إن حكومة بايدن عالقة الآن في وضع لا طريق له للرجوع ولا طريق للمضي قدما، وإذا أوقفت الولايات المتحدة عملياتها ضد اليمن دون أي إنجازات محددة، فإن صورتها في العالم ستتشوه بشدة، وهو ما فشل أمام أنصار الله رغم وجود المعدات الحربية الحديثة، وإذا واصل مغامرته في البحر الأحمر، مع تصاعد الأزمة، فقد يقرر أنصار الله إغلاق مضيق باب المندب، وفي هذه الحالة ستعاني التجارة العالمية من أزمة خطيرة، وسيكون الغربيون هم المحرك الرئيسي.
وإذا استمر التصعيد، فإن عواقب الأزمة في البحر الأحمر سوف يتردد صداها إلى ما هو أبعد من ممراته المائية الضيقة، وتؤكد المعطيات أن صنعاء لها اليد العليا في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، والمعادلات الموجودة اليوم يمكن تطويرها غدا وستكون مقدمة لنهاية الهيمنة الأمريكية في المنطقة، ما يدل على عجزها النهائي عن حماية وجود الكيان الصهيوني.