يبدو أن الصين باتت تتفوق عالمياً على الولايات المتحدة الأمريكية في مُعظم المجالات الاقتصادية والعسكرية والتقنية والدبلوماسية، بعد أن ظلت أمريكا تتفاخر بهيمنتها لعقود طويلة. وفي هذا السياق.. كشف (مؤشر الدبلوماسية العالمية) للعام الجاري 2024، الصادر عن معهد “لوي” الأسترالي، اليوم الإثنين، أنّ الصين تمتلك أكبر شبكة دبلوماسية في العالم، متقدّمةً على الولايات المتحدة.
وقال معهد “لوي”: إنّ “الصين هي أكبر قوة دبلوماسية في العالم، وأنها تتمتع بحضور أوسع من الولايات المتحدة في الساحات الدولية”. ويشار إلى أن مؤشر الدبلوماسية العالمية يُصنّف 66 دولة ومنطقة بحسب عدد المناصب الدبلوماسية التي تمتلكها في العالم، وفي التصنيف الصادر حديثاً، جاءت الصين في المركز الأول بامتلاكها 274 منصباً في شبكتها الدبلوماسية، تليها الولايات المتحدة في المركز الثاني بعدد 271.
وكشفت نتائج التقرير اليوم، أنّ بكين تتقدم في أفريقيا وشرق آسيا ودول جزر المحيط الهادئ وآسيا الوسطى، فيما لا تزال واشنطن تتمتع بالتفوق في أوروبا وأمريكا الشمالية والوسطى وجنوب آسيا، وهما تتساويان في الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية.
وسلّط التقرير الضوء على نتاج جهود الصين لتوسيع نفوذها وسط منافسة جيوسياسية مكثفة مع واشنطن. وقال مدير برنامج الرأي العام والسياسة الخارجية في معهد لوي رايان نيلام: “غالباً ما يتمّ التغاضي عن الدبلوماسية كمقياس للتأثير، لكنها من أكثر العناصر أهميةً في فن الحكم”.. مضيفاً.. إنّ “مؤشر الدبلوماسية العالمية يُظهر أنّ الحكومات تواصل الاستثمار في الدبلوماسية لإظهار القوة وتحقيق مصالحها”.
وفي وقتٍ سابق، كشف موقع (مودرن ديبلوماسي) الأمريكي، أنّ الصين اكتسبت في السنوات الأخيرة قوة حاسمة في مناطق جنوب شرقي آسيا وأفريقيا. وأوضح الموقع أنّ نهوض الصين في الشرق الأوسط ليس بالأمر الجديد، وأنه ساهم، إلى جانب تأثيرها المتزايد في الاقتصاد والسياسة وتحولها إلى شريك موثوق، في دعم صعود الصين على المستوى السياسي في الشرق الأوسط.
وأضاف الموقع: إنّ “الصين تعتبر شريكاً جديراً بالثقة من جانب دول الشرق الأوسط، إذ تركز معظم المصالح الصينية على المنظور الاقتصادي، ولم تنحَز الصين إلى أي من النزاعات الإقليمية”. ووفقاً للتقرير، فقد ظلّت الصين ثابتة في دعوتها لاتخاذ إجراءات دولية، مثل عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لمعالجة القضايا الأمنية. واعتبر الموقع الأمريكي العلاقة المتغيرة بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط عاملاً سمح للصين بالتألق في الشرق الأوسط.
ومنذ بداية العام الجاري، حذر وزير البحرية الأمريكي من أن البحرية الصينية تتمتع بمزايا كبيرة مقارنة بمنافستها الأمريكية، بما في ذلك أسطول أكبر، وقدرة أكبر على بناء السفن الحربية وإنتاجها.
عسكرياً
قالت نائبة وزير الحرب الأمريكي كاثلين هيكس في تصريحات لها خلال مؤتمر للتقنية العسكرية في واشنطن مؤخراً: إن التفوق الأساسي للصين هو “الكمية: عدد أكبر من السفن، عدد أكبر من الصواريخ، عدد أكبر من العناصر”. وأضافت: إن بلادها تعتزم مواجهة التفوق الكمّي الصيني بتفوّق كمّي خاص بها، “لكن التخطيط (لمواجهته) سيكون أصعب، ضربه سيكون أصعب، هزيمته ستكون أصعب”.
وتعتبر واشنطن، الصين بمثابة أبرز التحديات التي تواجهها عالميًا في مجالات عدة، حيث أكد مسؤولوها أكثر من مرة سعيهم لتفادي أي مواجهة مباشرة معها خصوصاً في التباين بشأن تايوان. ووسط منافسة جيوسياسية محتدمة منذ سنوات على كافة الأصعدة بين الصين والولايات المتحدة، يبدو أن بكين أطاحت بواشنطن في مجال الدبلوماسية، فقد أضحت بكين أكبر قوة دبلوماسية في العالم، متمتعة بحضور أوسع من الولايات المتحدة.
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد أكد في ديسمبر الماضي 2023 عبر خطاب ناري أن بلاده “أصبحت دولة كبرى تتمتع بنفوذ دولي قوي، وجاذبية أخلاقية أكبر”، كما أكد حينها أن سياسة القطب الواحد انتهت، في إشارة إلى تصدر القوة الأمريكية السياسة العالمية.
ويُذكر أن الصين كانت قد لعبت دورا فعالا ومهما في تقريب وجهات النظر في عدد من الملفات، منها الحوار السعودي الإيراني، والحرب الأوكرانية الروسية، إذ طرحت مبادرة من أجل استئناف المفاوضات بين كييف وموسكو العام الماضي.
وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي في كلمة رئيسية ألقاها خلال جلسة بعنوان (الصين في العالم) بمؤتمر ميونخ للأمن الذي انعقد يوم السبت الماضي: إن الصين تعتزم أن تكون قوة استقرار في التعامل مع القضايا الساخنة.. مؤكداً أن بكين تسعى إلى استكشاف حلول للقضايا الساخنة ذات الخصائص الصينية، وتلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتعارض فرض الإرادات على الآخرين.
وشدد على أن الصين تلتزم بالتمسك بالموضوعية والعدالة، وتعارض السعي نحو المكاسب الشخصية، وتدعو إلى التسوية السياسية وتعارض استخدام القوة، وتؤمن بمعالجة كل من الأعراض والأسباب الجذرية وتعارض قصر النظر والتحيز.
في مجال الطاقة
توقعت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الأخير أن تحقق الصين في هذا العام أهدافها في مجال تنمية طاقة الرياح والطاقة الشمسية لعام 2030، أي قبل ست سنوات من الموعد المحدد.. وبحلول عام 2028، ستمثل الصين ما يقرب من 60 في المائة من حجم توليد الطاقة المتجددة العالمي.
وأصدرت الحكومة الصينية “خطة عمل للوصول إلى ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030″، و”الخطة الوطنية لبناء المدن التجريبية للوصول إلى ذروة انبعاثات الكربون”.. وغيرها من الوثائق لتعزيز التحول الأخضر في الإنتاج.. بهدف نقص ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وفي الوقت الذي تحقق الصين فيه تنميتها النظيفة ومنخفضة الكربون، فإنها تساهم أيضا بنشاط بالحكمة الصينية في تحول الطاقة العالمية ومواجهة تغير المناخ.
تجارياً
عارضت وزارة التجارة الصينية اليوم الاثنين، بشدة تقرير أمريكي ينكر مساهمة الصين في النظام التجاري متعدد الأطراف والاقتصاد العالمي بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية قبل أكثر من عقدين. وقالت الوزارة في بيان لها: إن الصين وبصفتها أكبر دولة نامية عضو في منظمة التجارة العالمية، لطالما دعمت بقوة النظام التجاري متعدد الأطراف، ومارست بصدق التعددية، وأوفت بجدية بالتزاماتها تجاه منظمة التجارة العالمية.
ووفقا لاستطلاعات الرأي التي أجرتها أجرته شبكة (CGTN) التابعة لمجموعة الصين للإعلام بالمشاركة مع جامعة رينمين الصينية عبر معهد العصر الجديد للاتصالات الدولية، فإن أكثر من 90 في المائة (90.6 في المائة) من المستجيبين العالميين يشيدون بأن الصين دولة مهمة، وأن تعميق التعاون متبادل المنفعة مع الصين يصب في مصلحتهم الخاصة.. وقد تلقى هذا الرأي توافقا مشتركا بين أعضاء المجتمع الدولي.
ويؤكد مراقبون أنه لا يمكن للصين أن تتطور بمعزل عن العالم، والعالم يحتاج إلى الصين من أجل الازدهار، وفي نظر المستجيبين العالميين، فإن الصين ليست محركا للنمو الاقتصادي العالمي وفرصة للتنمية العالمية فحسب، بل تعد أيضا شريكا مستقراً وموثوق به للمجتمع الدولي.
الجدير ذكره أن الصين في وقتنا الحاضر، تنخرط في عدة مشاريع ذي أهمية كبرى، من مفهوم المجتمع العالمي ذي المستقبل المشترك، مبادرة الحزام والطريق، إلى مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية، ثم إلى التوسط بين الدول في الشرق الأوسط لتحقيق المصالحة التاريخية، وتعزيز مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ للوصول إلى التوافق.. لذلك فإن أفكار الصين وخططها وحكمتها تحظى بثقة وتوقعات متزايدة من المجتمع الدولي وذلك ما يعزز مكانتها عالمياً.