كان مشهد غرق السفينة البريطانية في خليج عدن، أصدق انباءاً بواقع الولايات المتحدة في البحرين الأحمر والعربي. اذ أن العملية النوعية التي انتقلت فيها القوات المسلحة من الاستهداف الموضعي إلى الإغراق المتعمّد، تعكس التورط الأميركي المتزايد في معركة كانت آخر ما يريده الرئيس الأميركي المرشح لولاية ثانية، والتي بدأت تأخذ منحى أكثر تعقيداً في ظل تعثر المفاوضات لوقف إطلاق النار، وانفتاح المواجهة على أكثر من سيناريو يكون التوقيت غير المعلوم لإنهاء الحرب أمراً مشتركاً بينها.
مع تصاعد وتيرة ونوعية العمليات العسكرية اليمنية والتي وصلت إلى مستوى استهداف أكثر من سفينة خلال 24 ساعة، ثم القيام بعمليات مزدوجة في البحر والبر مع اسقاط طائرة تجسسية استطلاعية أميركية في محافظة الحديدة، تدل المؤشرات على ان قرار التصعيد قد اتخذ. في حين ان الإشكالية الأميركية البريطانية تكمن في ليّ ذراع صنعاء وتجريدها من قدرتها دون الذهاب إلى حربٍ مفتوحة.
ينتج هذا الحال واقعاً معقداً بالنسبة إلى واشنطن. اذ ان المشي بخطوات حذرة بين النقاط حتى وان لبّى الهدف بالالتزام “بالاشتباك النظيف”، يضر بصورة الهيمنة الأميركية. والتعويل على الوقت لحل مثل هذه المعضلات تجعل الامر أكثر سوءاً، على بعد أشهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية والمأزق الإسرائيلي في قطاع غزة.
ويؤكد عضو المكتب السياسي في حركة أنصار الله، محمد البخيتي، في حديث خاص لموقع “الخنـادق” أن العمليات النوعية تأتي في سياق التصعيد ضد الكيان الصهيوني بسبب الاستمرار بجرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني ورداً على العدوان الأميركي الذي يطال اليمن وهذا يعتبر حقاً مشروعاً”. مشيراً إلى أنه “حتى الآن لم تتسبب عملياتنا في مقتل أي افراد بينما تسببت العمليات الأميركية والبريطانية سواء المباشرة او غير المباشرة التي بدأت في عام 2015 في وفاة ملايين اليمنيين سواء قتلاً او بسبب المجاعة”.
ويضيف البخيتي في إطار حديثه عن الجهود الأميركية الرامية إلى وقف العمليات العسكرية اليمنية في البحرين الأحمر والعربي، إلى ان مسار الضغط الأميركي على صنعاء اتخذ عدة مستويات. اذ أنه بدأ بالتهديد لعدم التدخل ثم الترغيب لوقف العمليات وأخيراً الترغيب لخفض التصعيد. ويشير إلى ان “الرسالة الامريكية الأولى كانت عبر الوسيط العماني كانت رسالة تهديد والفحوى منها ان أمريكا قد أبلغت كل الدول العربية والإسلامية بعدم التورط في دعم الاخوان في فلسطين وان فعلت ذلك ستكون العقوبة بهجوم امريكي عسكري مباشر وأضافوا ان كل الحكومات العربية الإسلامية قد التزمت، وان على اليمن القيام بالمثل”.
وتابع البخيتي أن “جواب القيادة في اليمن كان واضحاً وهو الطلب من واشنطن بحذف اسم صنعاء من قائمة الاملاءات التابعة لها وان اليمن سيتدخل عسكرياً لصالح الشعب الفلسطيني ولوقف جرائم الإبادة”.
وعن تفاصيل الرد اليمني على الرسالة الأولى، يكشف البخيتي أنه في الخطوة الأولى في إطار الرد كان تواصل قائد حركة انصار الله السيد عبد الملك الحوثي مع القوات الصاروخية والجوية بتنفيذ اول استهداف في عمق كيان الاحتلال وبالتالي وصل الجواب إلى الأمريكي بالصواريخ والطائرات قبل ان يصل الجواب من الوسيط العماني”.
ويضيف البخيتي أنه “بعد ذلك لجأت أمريكا إلى أسلوب الترغيب وعرض على القيادة في اليمن بالاعتراف بحكومة صنعاء وبتمكين اليمن باستعادة ثرواته النفطية والغازية والتخلي عن ادواتهم في الداخل مقابل وقف اليمن لعملياته العسكرية ضد الكيان وفي البحر الأحمر والعربي ولكن القيادة رفضت ذلك بشكل قاطع”. مؤكداً على أن “صنعاء كان على استعداد لتحقيق السلام على مستوى الداخل اليمني وعلى مستوى الإقليم لكن كملف منفصل عما يجري في البحر الأحمر”.
بعد أن لمست واشنطن ضيق خياراتها في وقف العمليات العسكرية في البحرين الأحمر والعربي، وإصرار صنعاء على المضي بقرارها، عدلت عن طلبها الأول في وقف العمليات وذهبت نحو طلب “أقل حدّة” وهو خفض التصعيد. ويقول البخيتي في هذا الصدد أن “نحن لا نتحرك من منطلق المصلحة الشخصية بل بهدف وقف الإبادة الجماعية في غزة”. مؤكداً “العمليات العسكرية سواء في عمق الكيان الصهيوني او في البحر الأحمر لن تتوقف ان لم تتوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة حتى لو اضطررنا للقتال إلى يوم القيامة”.