اربعه مشاريع انفصالية استطاعت بريطانيا تحقيق اثنين منها، فيما فشلت بمشروع قيام دولة بالساحل الغربي من المخا حتى ميدي عام 1920م , ومشروع انفصال حضرموت والمهرة ككيان مستقل عام 1967م. لم تكن مواليد عدوان 26مارس 1915م , ولا عدوان اليوم الانجلو – أمريكي 2024م , إنها مشاريع انفصالية قديمة مؤجلة تسعى اليوم بريطانيا وأمريكا إلى إحياءها لتمزيق اليمن الموحد إلى دويلات وكيانات خدمة لأهدافها ومصالحها والتي بدأت بوادرها تظهر بقيام مطار المخا بدعم اماراتي وانشاء مجلس حضرموت الوطني برعاية سعودية .
أخطر الأحداث
كانت السنوات (1918- 1925م) من أهم وأخطر ما مر على اليمن في تاريخها الحديث, وذلك بسبب جسامة الحوادث التي تعرضت لها, فالأخطار المحدقة بها كانت عظيمة والقوى المتربصة لها كانت كبيرة, ومعاول الهدم لكيانها كانت حادة, ومقصات التجزئة كانت مشحوذة.
والباحثون عن الزعامة كانوا أكثر ولو أراد مراقب منصف أن يرسم صورة لما كان يدور حول اليمن, لا يرسم إلا صورة لفريسة تناوشها وحوش الفلاة من كل صوب وحدب, الإدريسي حليف الانجليز يتخطف تهامة اليمن بمعونة ضخمة ممن يوجهون حركته, فما كان قتاله إلا لمنفعة حلفائه من البريطانيين الذين سعوا ايضا إلى ايجاد دولة ساحلية في تهامة تخدم اهدافهم ومصالحهم في المنطقة, وتأمن خطوط تجارتهم البحرية عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
دولة ساحلية
حيث يتضح من الوثائق البريطانية آنذاك – والتي نراها اليوم تتجلى فيما يخص المخا منذ احتلاله عام 1917م – أن السياسة البريطانية كانت تحاول خداع حكومة صنعاء بشأن الحديدة بعد احتلالها في ديسمبر 1918م, بعد أن تذرعت بريطانيا باستسلام القوات العثمانية غير الكامل في اليمن.
وخلال عام 1920م نشط الضباط البريطانيون, للالتفاف على مطالب حكومة صنعاء الخاصة بالحديدة, فأوعزوا إلى بعض أعيان الحديدة رفع الاسترحامات والاستعطافات والالتماس والتي كانت مملاة من قبل الضباط البريطانيين وبواسطة الحاكم السياسي في الحديدة الميجر ميك إلى لجنة الأمم ( عصبة الأمم ) التي ستنعقد في باريس في مؤتمر الصلح فرساي, يعبرون فيها عن مطالبهم تمشيا مع القاعدة المنشأة بين الدول في حق تقرير المصير.
ويستشف من الوثائق البريطانية ايضا بخصوص الوثيقتين التي رفعها بعض اعيان وتجار الحديدة لمؤتمر الصلح المنعقد في باريس بعد الحرب العالمية الأولى أن بريطانيا قد خطت خطوة متقدمة تجاه الحديدة وسهل تهامة بإقامة دولة ساحلية نظرا لأهمية الساحل في تأمين خطوط مواصلاتها البحرية إلى الهند والعمل على الضغط على حكومة صنعاء للاعتراف بمعاهدة الانجلو – عثمانية الموقعة عام 1914م بخصوص الاعتراف بالحدود بين عدن وشمال اليمن.
حيث اعتبر ترسيم الحدود بين المحتل البريطاني لجنوب اليمن والمحتل العثماني لشماله في عام 1914م. إعلان لتقسيم اليمن الطبيعية إلى شمال وجنوب والموحدة وهذا أول مشروع انفصال سعت بريطانيا لتحقيقه وهذا ما رفضته صنعاء معتبره ان ذلك الترسيم غير قانوني باعتبار بريطانيا والعثمانيين محتلين لليمن.
وحين القاء نظره على خارطة تلك التقسيم فقد سعى كل طرف ان يستولى على اكبر قدر ممكن من الاراضي العامة استراتيجيا تمسك بريطانيا بجزيرة ميون ومضيق باب المندب ومنطقة جبل الشيخ سعيد المطل والمشرف على جزيرة ميون من الساحل اليمني.
ترسيم الحدود
وقد حددت بريطانيا حدود تلك الدولة الساحلية, فمن خلال زيارة (باريت) المقيم السياسي في عدن إلى الحديدة والتي حمل رسالة من أعيان الحديدة تتصل بمستقبل حكومة المدينة في حال انسحاب القوات البريطانية منها فالرسالة تتضمن بأن التجار في الحديدة يرغبون في إنشاء مملكة تضم متصرفية الحديدة بحدودها التي تمتد من أبي عريش من المنطقة التي يسيطر عليها الإدريسي في الشمال إلى زبيد التابعة لحكومة صنعاء وتشمل ايضا تلك الدولة باجل وجبل ريمة وملحقاته وجبل برع في الشرق.
ولتدعيم حجة بريطانيا في عدم إقدامها على احتلال الحديدة إلا حماية لسكانها والنزول عند رغبتهم في تقرير مصيرهم وما سوف يصدر عن ذلك من خلال انعقاد مؤتمر الصلح بباريس, فقد قبلت بريطانيا من شيخ مشايخ ريمة محمد أمين رسالته التي يطلب حمايته وقبيلته التي تزيد تعدادها عن مائة ألف. ولعل القادة البريطانيين في عدن والحديدة يشيرون إلى رغبة التجار في الحديدة في إنشاء مملكة تكون ريمة أحد ملحقاتها.
فشل المشروع
كذلك سعت بريطانيا ايضا في انشاء الدولة الساحلية في تهامة عام 1920م, إلى جعلها دولة عازلة تفصل صنعاء عن الساحل كدولة حبيسه قد تتآكل وتنتهي وتجزئ مع مرور الوقت ويصبح قرارها السياسي مرهون بيد بريطانيا المسيطرة على المنافذ والموانئ البحرية في عدن والحديدة والتي اوجدت منهم كيانات ضعيفة وهزيلة ومستقلة عن الوطن الأم مما يسهل ادارتها سياسيا واقتصاديا وعسكريا والتدخل في شؤونها الداخلية عبر معاهدات صداقة وحماية واستشارة يسمح لبريطانيا.
لكن مشروع تلك الدولة الساحلية انهار بقيام صنعاء بعمليات عسكرية طيلت سبع سنوات قادت عام 1925م, إلى تحرير ساحل تهامة وميناء الحديدة حتي ميدي ومن ثم الزحف نحو عسير معقل الكيان الادريسي المتحالف مع بريطانيا لاستعادة عسير إلى الوطن الأم.
واليوم نجد ان ذلك المشروع الانفصالي قبل مائة عام بإنشاء دولة ساحلية في تهامة تحاول بريطانيا إحياءه من جديد عبر ادواتها أولا بعدوان 2015م, واليوم عبر عدوانها الانجلو- امريكي والتي تزامن مع إنشاء مطار ميناء المخا والذي يشكل جرس انذار مبكر لذلك المشروع الانفصالي الاستعماري القديم.