فيما تشكو أغلب الجهات الدولية من التكاليف الباهظة لانتشار الانفلات الأمني في البحر الأحمر ومضيق باب المندب الإستراتيجي باعتباره القلب الرئيسي للشحن والتجارة الدولية، ويبحثون عن سبيل لذلك لمواجهة هذه الأزمة الأمنية الملاحية، في هذه الأثناء يبدو أن الوضع مختلف تماما بالنسبة لأنصار الله، وقد حقق دعم هذه الحركة المسلحة للمقاومة الفلسطينية وانخراطها مع المصالح التجارية البحرية الصهيونية العديد من الإنجازات لها.
تعزيز الأيديولوجية وتعزيز الشرعية
ترجع شرعية ومقبولية أنصار الله خلال السنوات السبع الماضية إلى النجاح الفريد والتاريخي لهذه الحركة في الدفاع عن وحدة الأراضي اليمنية ضد العدوان طويل الأمد من القوتين العربيتين المتحالفتين مع الغرب في المنطقة وفرض الهزيمة عليهما، حيث زادت بشكل كبير المراكز التقليدية لوجود الحوثيين، ففي شمال اليمن، وخاصة في محافظة صعدة، امتدت إلى مناطق أخرى من البلاد، وكان لذلك دور فعال في تولي السيادة السياسية لهذه الحركة.
إن التعليم الأيديولوجي، باعتباره العمود الفقري لتوسيع نفوذ أنصار الله في اليمن، يعتمد بشكل أساسي على أسس التعاليم الدينية لهذه الحركة السياسية والدينية، وبالتأكيد في المجتمع الديني في اليمن، الذي دعم تاريخياً الدفاع عن النضال من أجل التحرير وقضية الأمة الفلسطينية، فإن سياسة الدعم الكامل من غزة في الحرب الأخيرة ستلعب دورا فعالا في تعزيز الفكر السياسي والديني لهذه الحركة بين اليمنيين.
وتؤكد أيديولوجيا أنصار الله بشعارها المركزي “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام” على المقاومة ضد قوى الاستكبار والصهيونية، وتسعى هذه الحركة دائما، وسط الدعاية السلبية الواسعة للأعداء، إلى نشر هذه الأيديولوجية داخل اليمن وتتمثل في جمع الناس حولها وضم الشباب إلى صفوفها، وعندما بدأ غزو غزة سنحت الفرصة لأنصار الله لتوسيع قاعدة حشدهم من خلال إعادة التأكيد على التزامهم بهذه الأهداف الأيديولوجية، وفي المقام الأول القضية الفلسطينية.
تاريخياً، يُعرف المذهب الزيدي بخاصية الانتفاض على الظلم، أي الانتفاضة على الحاكم الجائر، وتعود جذورها إلى ثورة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب في الكوفة ضد الحكومة الأموية في القرن الثامن الميلادي ووفاته على يد هشام بن عبد الملك والي الخليفة الأموي.
بدأت حركة الحوثي المراحل الأولى من نهضتها السياسية والفكرية مطلع التسعينيات، والتي تأثرت بانتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني (رح)، وبعد زيادة حضور ونشاط الشباب في صفوفها، من خلال ترديد شعارات (الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل) جذبت المزيد من الاهتمام.
ومن ناحية أخرى فإن دعم المقاومة الفلسطينية سيؤثر بالتأكيد على نظرة الرأي العام في العالم العربي تجاه هذه الحركة وأفكارها، وهذه القضية مهمة لأن وسائل الإعلام الرئيسية في العالم العربي، التابعة للدول العربية والغربية، حاولت في السنوات الماضية تقديم صورة زائفة ومشوهة عن طبيعة أنصار الله وإحداثياتها الأيديولوجية والسياسية للجمهور الناطق باللغة العربية.
لكن الآن، ومع تغير موقف الرأي العام في العالم العربي لمصلحة قضية فلسطين وانقلابه ضد الرواية الغربية الصهيونية، فقد خلق دعماً عالمياً للعرب للعمليات العسكرية التي يقوم بها أنصار الله ضد الاحتلال الإسرائيلي، والآن، تحت قيادة أنصار الله، يعتبر اليمن الدولة العربية الوحيدة في الرأي العام العربي التي حملت السلاح بشجاعة ضد نظام الاحتلال الصهيوني، وتقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ورغم هجمات ما يسمى التحالف الغربي (أمريكا وإنجلترا) على اليمن، فإن أنصار الله يؤكدون باستمرار على التهديد البحري ضد مرور كل السفن التي تتجه إلى الكيان الصهيوني، حتى وصول المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة، وهو إجراء كامل وأمر شرعي.
وحسب نصر الدين عامر، نائب رئيس منظمة أنصار الله الإعلامية في حديث مع بي بي سي، فإن هذه الحركة تعارض تماما وصف عملياتها بـ”القرصنة” أو “الإرهاب البحري”، وأضاف: “هذا التصعيد للتوتر خطوة مشروعة” لخلق ضغط سياسي وإستراتيجي وعسكري على “إسرائيل” لوقف الحرب ورفع الحصار، وبينما أكد أن أنصار الله تقوم بواجبها الأخلاقي والديني، أدرج هذه الأعمال العسكرية بإجماع وتأييد الشعب اليمني.
دعم عملية السلام في اليمن
وفي الأشهر الماضية، وخاصة منذ بدء وقف إطلاق النار الذي أممته الأمم المتحدة في أبريل/نيسان 2022، ورغم أن محادثات السلام بين السعودية وأنصار الله استمرت بوساطة عمان ولعبت هذه المحادثات دورا فعالا في منع استمرار الحرب، إلا غطرسة الرياض على طاولة المفاوضات وعدم الاستجابة لمطالب صنعاء، وخاصة فيما يتعلق برفع الحصار الكامل عن البلاد، حالت دون التوصل إلى اتفاق سلام شامل ونهائي.
لكن الآن، أتاحت الأحداث في غزة لليمنيين الفرصة لإظهار ترسانتهم العسكرية المتوسعة وإظهار احتمال عدم تحقيق السلام للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهو أمر أكثر تكلفة بكثير مما كان عليه في الماضي، بمعنى آخر، قد يستخدم أنصار الله هذه الأحداث لممارسة المزيد من الضغوط على السعودية للحصول على تنازلات جديدة وتحسين موقفها التفاوضي، ولذلك فإن الفرصة المناسبة للتوصل إلى اتفاق بين الرياض وصنعاء متاحة أكثر من أي وقت مضى.
السيطرة على باب المندب.. الاستقرار الدولي لحكومة الإنقاذ الوطني
وتعتبر عمليات صنعاء البحرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب إنجازا كبيرا جدا في نظر المجتمع الدولي لجهة إثبات قدرة أنصار الله على السيطرة على وضع هذا المضيق البحري المهم، وخلال السنوات الماضية، وبدعم من الدول العربية والغربية وحتى الأمم المتحدة، سيطرت على اليمن حكومة منقسمة وقوقعة فارغة وغير شرعية تحت عنوان “الحكومة اليمنية الشرعية” في عدن والمنتديات العالمية وامتيازات حضور المنظمات الدولية والإقليمية.
في هذه الأثناء، أجبرت الحرب في غزة وحالة التوتر في البحر الأحمر حكومات العالم، وحتى الغربية، على الاعتراف بهيمنة صنعاء على وضع باب المندب، باعتباره جوهرة الخاتم، ونظراً للموقع الجيوستراتيجي لليمن، ولكي تمر السفن بأمان عبر هذا المضيق، عليها أن تتصرف وفقاً لأوامر صنعاء، وهذا ما جعل من الضروري تدريجياً أن تتواصل الحكومات مع صنعاء كقوة شرعية مؤثرة على وضع الملاحة في البحر الأحمر، وفي هذا الصدد، أكد أنصار الله مراراً أنهم ملتزمون بأمن واستقرار الملاحة في البحر الأحمر ولن يمنعوا السفن غير التابعة للكيان الصهيوني والتحالف البحري بقيادة الولايات المتحدة من العبور.
الالتحام مع محور المقاومة
ما لا شك فيه أن العمليات العسكرية التي يقوم بها أنصار الله ضد الأراضي المحتلة تتماشى مع مصالح المجموعة الإقليمية الفرعية لمحور المقاومة، ودعم فلسطين سيؤدي إلى المزيد والمزيد من الارتباك مع محور المقاومة، وحتى الآن، أدى تضافر ووحدة أنصار الله والمقاومة إلى تحويل هذه الحركة إلى قوة وفاعل إقليمي مؤثر وذراع قوي في هذه الجماعة.