أفادت تقارير عن مصادر أمنية رفيعة المستوى أن حكومة السيسي بصدد وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية بيع رأس الحكمة للنظام الإماراتي في صفقة بقيمة 22 مليار دولار أمريكي، في وقت تتصاعد فيه أزمة العملات الأجنبية وتدهور الجنيه المصري الذي فقد أكثر من نصف قيمته خلال عام واحد في الأسواق الموازية، مما أدى إلى تفاقم التضخم.
وحسبما وُرد فإن مستثمرين بالنيابة عن نظام محمد بن زايد يصلون إلى مصر خلال الأسابيع المقبلة لإتمام صفقة شراء مدينة رأس الحكمة الواقعة على البحر الأبيض المتوسط شمال غرب مصر وذلك بهدف إقامة منتجع ضخم.
وانخفض سعر الجنيه إلى أكثر من 70 جنيها مقابل الدولار الأمريكي في السوق السوداء، مما جعل العملة أضعف بأكثر من 50 في المائة من سعر الصرف الرسمي للبنك المركزي البالغ حوالي 30.9 جنيه
واختتمت بعثة من صندوق النقد الدولي زيارة لمصر استمرت أسبوعين يوم الخميس لإجراء محادثات حول صفقة إنقاذ محتملة قد تصل إلى 10 مليارات دولار ومن المتوقع أن يتبعها تخفيض قيمة العملة رسميًا لتتناسب مع أسعار السوق السوداء.
على هذه الخلفية، ذكرت وسائل الإعلام المصرية في الأسبوع الماضي أنه من المقرر أن يتم الاستحواذ على منطقة رأس الحكمة من خلال استثمارات أجنبية بقيمة 22 مليار دولار، وهو مبلغ قالوا إنه سيخفف من عجز العملة الأجنبية في البلاد.
منطقة “رأس الحكمة” هي جزء من مدينة مرسى مطروح بمحافظة مطروح، يقع قطاعها الساحلي الذي يبلغ طوله 50 كيلومترًا بين مدينة الضبعة ومرسى مطروح، ويضم بعضًا من أكثر الشواطئ البكر في العالم، ذات الرمال البيضاء والمياه الفيروزية.
البيع لإنهاء أزمة سعر الصرف
وأدرجت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي المنطقة ضمن مشروع التطوير العمراني للساحل الشمالي الغربي، المقرر الانتهاء منه بحلول عام 2050 حسبما تدعي الحكومة.
المذيع المصري الموالي للنظام أحمد موسى يروج حاليًا لهذه الصفقة، ويردد رواية الحكومة من أجل تمرير الصفقة للشعب، حيث قال خلال برنامجه إن هناك صفقة يتم العمل عليها الآن للسماح بالاستثمارات في رأس الحكمة من شأنها أن “تنهي أزمة سعر الصرف”، وزعم أن الصفقة ستجذب 20 مليار دولار من “الاستثمار المباشر والتمويل المباشر من الخارج”.
النقد الدولي يقدم التسهيلات
وكان صندوق النقد الدولي قد وافق على قرضه الأخير لمصر، وهو الرابع خلال ست سنوات، في ديسمبر/كانون الأول 2022، وكجزء من صفقة بقيمة 3 مليارات دولار، وافقت القاهرة على مجموعة من الشروط الصارمة، بما في ذلك التحول إلى سعر صرف مرن، وفتح دفاتر الشركات المملوكة للدولة.
وكان من المقرر إجراء المراجعة الأولى للبرنامج الذي تبلغ مدته 46 شهرًا في 15 مارس/آذار 2023، ولكن تم تأجيلها حيث ورد أن المُقرض ظل يؤجل حتى يرى المزيد من التقدم من القاهرة لضمان نجاح المراجعة.
وقالت رئيسة الوفد إيفانا فلادكوفا هولار يوم الخميس الماضي إن صندوق النقد الدولي حقق “تقدما ممتازا” في المحادثات مع المسؤولين المصريين. وأضافت هولار: “ولتحقيق هذه الغاية، اتفق فريق صندوق النقد الدولي والسلطات المصرية على عناصر السياسة الرئيسية للبرنامج… أعربت السلطات المصرية عن التزامها القوي بالعمل بسرعة على جميع الجوانب المهمة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر”.
وبحسب ما ورد يجري صندوق النقد الدولي مفاوضات لرفع مبلغ الصفقة الحالية إلى 10 مليارات دولار لدعم الاقتصاد في أعقاب التوترات في البحر الأحمر والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وقالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا يوم الخميس إن المفاوضات بين الجانبين لجمع القرض وصلت إلى “المرحلة الأخيرة”.
موجة غضب
لكن الأخبار تسببت في موجة غضب عارمة بين عموم الشعب المصري وفي صفوف المعارضين والنشطاء، من بينهم هشام صبري، وهو مسؤول أمني سابق معارض للسيسي حاليًا، حيث قال تعليقًا على هذه الأنباء: ” “أنا غير قادر على مواكبة كوارث السيسي… إنه يسير بسرعة 250 حادثًا في الساعة”، وعبر عن اعتراضه على بيع المدينة التي وصفها بأنها “جنة على الأرض”.
وانتقد الفنان المصري عمرو واكد، الممثل والمخرج، السيسي، وقال تعليقًا على الصفقة: “من أعطى الحق للمدعو عبد الفتاح السيسي في بيع رأس الحكمة؟ أعني هل كان ميراث أمه أم أبيه؟”. فيما قال ممدوح حمزة، وهو معارض آخر للسيسي، إن المشروع يجب تسليمه إلى المطورين المصريين وليس إلى المطورين الأجانب.
وقال حمزة، الذي وصف شاطئ رأس الحكمة بأنه “أجمل شاطئ في مصر”: “سيكون من الحكمة أن يتم تطوير المشروع من قبل مطورين مصريين قادرين على الدفع بالدولار، لأن العوائد في هذه الحالة ستبقى داخل البلاد… أما المطور الأجنبي سيقوم بتحويل الأرباح، التي تساوي أضعاف سعر الأرض، إلى خارج البلاد بالعملة الأجنبية”.
وكانت الاستثمارات الإماراتية في الساحل الشمالي لمصر قد أثارت في السابق ضجة بعد أن قال الخبراء إن المشروع الذي تديره الإمارات في سيدي عبد الرحمن تسبب في أضرار لا يمكن إصلاحها للشواطئ.
أزمة اقتصادية حادة
وتواجه مصر، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 109 ملايين نسمة، أزمة اقتصادية حادة، مع تضخم قياسي ونقص في العملات الأجنبية، وفي أغسطس/آب، وصل معدل التضخم السنوي في مصر إلى ما يقرب من 40%، وفقاً للأرقام الرسمية، مما أدى إلى سقوط العديد من المصريين بالقرب من خط الفقر أو تحته.
وحسب محللين وخبراء، فإن تخفيض قيمة الجنيه، وهو أحد شروط صندوق النقد الدولي، قد تم تأجيله إلى ما بعد انتخاب السيسي لتجنب ردود الفعل الشعبية التي من شأنها تعطيل العملية الانتخابية.
وأُعيد انتخاب السيسي لولاية ثالثة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد تصويت شابه إقصاء المعارضين والتعبئة الجماعية للمواطنين باستخدام الرشاوى والترهيب. وتضاعفت الديون الخارجية أربع مرات، لتصل إلى 164 مليار دولار، خلال فترة رئاسة السيسي التي استمرت قرابة 10 سنوات. وتستهلك خدمة الدين حالياً معظم النفقات السنوية للدولة.
ويبلغ إجمالي احتياطيات مصر من العملات الأجنبية 35 مليار دولار، لكن في عام 2024 وحده، من المقرر أن تدفع الدولة 30 مليار دولار للدائنين. وبحسب البنك المركزي المصري، فإن نسبة الديون قصيرة الأجل إلى احتياطيات العملات الأجنبية في عام 2022 تجاوزت 80 في المائة، أي ضعف ما كانت عليه في عام 2021.