للهروب من الهزيمة في البحر الأحمر وإنقاذ الصهاينة، يخطط الأمريكيون لإشعال الصراعات في اليمن من جديد، لكنهم يواجهون عقبتين رئيسيتين، وفي الأسابيع الماضية، زعم الأمريكيون وحلفاؤهم، من خلال خلق موجات إعلامية، أنهم صدوا أكثر من 95% من عمليات الجيش اليمني في البحر، وأن صنعاء لم تحقق أي نتائج ملموسة، وأن النقل استمر في تهريب البضائع إلى الأراضي المحتلة رغم التهديدات، ومن ناحية أخرى، كان عقابهم بتنفيذ هجمات جوية وصاروخية مشتركة فعالاً، وبهذه الطريقة غرسوا في الرأي العام أن قدرة القوات اليمنية على الضغط على الكيان الصهيوني سوف تنخفض.
لكن الجيش اليمني كثف في الأيام الأخيرة عدد هجماته ضد السفن التي تتحرك من مضيق باب المندب والبحر الأحمر إلى الأراضي المحتلة، كما استأنفت الوحدات الصاروخية والمسيرة جولة جديدة من العمليات، بقوة أكبر وضرر أكبر، لقد أحدثوا ضرراً كبيراً بالطرف الآخر وأثبتوا مرة أخرى أن ادعاءات الجيش والإعلام الأمريكي كاذبة وأن شيئاً آخر يحدث في ساحة المعركة.
ومن هذه العمليات الناجحة التي قامت بها قوات وحدة الصواريخ والمسيرات التابعة للجيش اليمني، رغم التهديدات المتكررة من الأمريكيين والبريطانيين، استهداف سفينة “كيم رينجر” على شواطئ “المكلا” في خليج عدن (جنوب اليمن)، التابعة للولايات المتحدة؛ وتقع مدينة المكلا الساحلية جنوب غرب القواعد الإماراتية والأمريكية في منطقة الريان.
وكانت الأضرار التي لحقت بالتحالف الغربي والعبري والغربي في البحر واضحة ولا يمكن إنكارها لدرجة أن غضب الأمريكيين ظهر باستهداف محافظات صنعاء وتعز والبيضاء من جديد، إلا أن هذه الهجمات لم تردع ولم تمنع الجيش اليمني من التراجع ففي يوم الاربعاء الرابع من بهمن لم يقتصر الأمر على استهداف السفن الصهيونية.
واشتبكت قوات الجيش اليمني، التي أظهرت أنها غريبة عن الخوف، مع البوارج الحربية الأمريكية لعدة ساعات هذه المرة، وحسب مصادر ميدانية فإن وحدات الطائرات المسيرة والصواريخ أدت واجباتها بشكل جيد كما في السابق، حتى الآن، إذ تشير الأخبار إلى أن الأضرار كانت كبيرة، وتم الاهتمام بالجانب الآخر، الذي يخضع بالطبع لرقابة شديدة من قبل واشنطن.
ويظهر اتجاه التطورات الميدانية أن العمليات المستمرة للجيش اليمني ضد المصالح الأمريكية والصهاينة في البحر لن تتوقف ما دامت الحرب في غزة مستمرة، ورغم التهديدات فإنها ستزداد حسب الظروف، ووفق هذا التوجه يحاول الأمريكيون استخدام خيار آخر لإضعاف صنعاء.
واشنطن في هذه الأيام في غاية الحيرة والارتباك بشأن خيار بدء حرب أهلية في اليمن، وبناء على معلومات تحصل عليها من مصادر ميدانية، تحاول بمساعدة بعض الدول العربية إشراك الجيش اليمني في سيناريو الحرب الأهلية، و إعادة تنشيط الجبهات الصامتة والضغط لإيجاد مخرج لها وللصهاينة في البحر، وقال مصدر ميداني في حديث للمشرق: إن الدول الغربية تحاول إنقاذ الكيان الصهيوني وتفعيل جبهات الصراع من جديد في محافظات صعدة وحجة والجوف ومزيراب والبيضاء والحدبادة وتعز والضالع ولحج حتى تضطر قوات الجيش وأنصار الله في اليمن إلى استخدام جزء كبير من قوتهم للقتال مع العناصر المتمردة.
وذكر هذا المصدر الميداني أن تعطيل تمركز القوات اليمنية في القتال ضد الأمريكيين والصهاينة في البحر هو الهدف الأساسي لتفعيل الجبهات الداخلية وقال: إن التجربة وحرب السبع سنوات على اليمن أثبتت أن كل شيء في الميدان لا يسير كما يريده الغربيون بل يواجهون مشاكل في تنفيذ هذا السيناريو، وحسب هذا المصدر الميداني، فإنه في حال تفعيل الجبهات وبدء الصراعات، فمن الطبيعي أن ينفتح داعمو العناصر المتمردة التابعة للتحالف، ومن بينهم السعودية والإمارات، على الصراعات لأنهم يدعمون الجماعات الانفصالية، وبالطبع عليهم هذه المرة أن يجهزوا أنفسهم للعمليات الواسعة والأقوى للجيش اليمني وأنصار الله، وهي أكبر بكثير من الماضي وغير قابلة للإصلاح، ولا تقتصر على استهداف المناطق النفطية فقط.
وأضاف هذا المصدر الميداني: المشكلة الثانية التي يواجهها الغربيون هي الوضع السيئ جداً للعناصر المتمردة في المناطق المحتلة، وسكان هذه المناطق، نظراً للأداء الإيجابي للجيش اليمني في مواجهة الصهاينة والدفاع عن الشعب الفلسطيني، ومن المحتمل أن تشتعل الصراعات ضد القوات التابعة لها التي تتخذ موقفاً مع التحالف ويتغير الوضع ميدانياً 180 درجة لمصلحة الجيش وأنصار الله.
الصعوبات السياسية والعسكرية التي تواجهها أمريكا ومثابرة أنصار الله
شدد المسؤولون الأمريكيون في بيانهم على استخدام العمليات العسكرية لإضعاف العمليات البحرية لأنصار الله من أجل دعم حرية الملاحة الدولية في البحر الأحمر، ورغم أن هناك القليل من الناس الذين لا يعرفون أن الحكومة الأمريكية مكلفة بدعم الحملة العدوانية التي يشنها الكيان الصهيوني في غزة وأن حماية أمن الشحن الدولي ما هي إلا غطاء للدفاع عن أمن التجارة الخارجية ل”إسرائيل” ضد الاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن الهجمات اليمنية، ويؤكد كبار المسؤولين الأمريكيين أنهم لا يتطلعون إلى توسيع الحرب من هذه الهجمات.
وقال جون كيربي، المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، لشبكة MSNBC: إن الضربات الجوية كانت تهدف إلى استهداف قدرة الحوثيين [أنصار الله] على تخزين وإطلاق وتوجيه الصواريخ والطائرات دون طيار، مشددًا على أن قصف اليمن لا يؤدي إلى تصعيد للحرب، وقال: “نحن لا نسعى للصراع مع إيران”، وأضاف: “لا نسعى إلى التصعيد ولا يوجد سبب لتصعيده إلى ما هو أبعد مما حدث في الأيام القليلة الماضية”.
لقد كانت أمريكا في عام الانتخابات الرئاسية وسط تحديات داخلية كبيرة أمام الديمقراطيين لمواجهة ترامب، وخاصة بالنظر إلى الحالة الجسدية المشكوك فيها لجو بايدن، وهي واحدة من المشاكل العديدة التي يواجهها أداء البيت الأبيض في السياسة الخارجية، والتي من المؤكد أنها تحت وطأة حادة من قبل النقاد الجمهوريين وحتى أنصار بايدن.
وفي هذا المجال، وبعد الانسحاب المخزي من أفغانستان والفشل في وقف انتصارات روسيا الميدانية في حرب أوكرانيا، برزت سياسة بايدن في الشرق الأوسط مع تحرك العرب تجاه منافسي أمريكا العالميين (روسيا والصين)، وحرب غزة وانعكاساتها الاقتصادية والأمنية والعسكرية، وما خلفته من عواقب على حقوق الإنسان بالنسبة للولايات المتحدة، وهو ما قد يؤدي إلى انتقادات مثل عدم القدرة على حماية القواعد الأمريكية ضد هجمات قوى المقاومة في المنطقة، فضلا عن زيادة أسعار الوقود وإقحام الولايات المتحدة في حرب أخرى غير مثمرة، وفي اليمن سيكون كعب أخيل له. ولذلك، يصر مسؤولو البيت الأبيض على أنهم لا يتطلعون إلى عملية طويلة الأمد في اليمن أو تصعيد التوتر مع المقاومة.
خطوط أنصار الله وشعارهم ضد التهديدات
وتأتي التحركات الأمريكية للقيام بعمل عسكري ضد أنصار الله في ظل ظروف يحذر فيها اليمنيون أعضاء التحالف الأمريكي كل يوم من استعدادهم للرد على التهديدات، و حذر مسؤول يمني، السبت، من أن أي دولة تشارك في التحالف الأمريكي في البحر الأحمر ستفقد أمنها البحري، وبعد ادعاء وسائل إعلام أمريكية وجود تخطيط أمريكي محتمل لمهاجمة مواقع الجيش اليمني، أكد المتحدث باسم هذه الحركة محمد عبد السلام أن الشعب اليمني لا يقبل لغة التهديد.
وفي الأشهر الثلاثة الماضية أثبت قادة صنعاء أنهم لا يخافون من تهديدات البيت الأبيض وتل أبيب، ومتى أرادوا ردوا على السفن الصهيونية والسفن الأمريكية، وفي هذا الصدد، وفور التهديد العملي والرد الناري للجيش الوطني اليمني على رسالة التهديد الأمريكية، انفجر زورق يمني دون طيار بالقرب من موقع الطراد الأمريكي في البحر الأحمر، وعلى متنه براد كوبر قائده، وأعلن قائد الأسطول البحري الخامس للجيش الأمريكي، أن هذا القارب كان مليئا بالمتفجرات، لكن السفينة وطاقمها لم يصابوا بأذى.
ويبدو أن إرسال هذه القارب دون طيار هو رسالة تحذيرية يوجهها أنصار الله لتصرفات الولايات المتحدة وحلفائها، ويظهر أن صنعاء جاهزة لسيناريوهات تصعيد الصراع، ومن المؤكد أن دخانه سيبلغ عيون السفن التجارية للدول الأخرى، ورغم التحذيرات الأمريكية ومحاولة مهاجمة مواقع الجيش اليمني، إلا أن المؤكد هذه الأيام أن أنصار الله لهم الكلمة الأولى والأخيرة في البحر الأحمر، وتغيير مسار السفن التجارية من البحر الأحمر قد أجبر الشركات الأجنبية الموجودة في هذه المنطقة الزرقاء على قبول هذه التهديدات.