بعد مرور حوالي 4 أشهر على العدوان الغاشم على غزة وما نتج عنه من حصار أنصار الله للسفن الصهيونية في البحر الأحمر يبدو أن الكيان الصهيوني يعيش تسونامي غلاء الأسعار حيث تشهد أسواق كيان الاحتلال موجات متلاطمة من ارتفاع لأسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية جراء ارتفاع أسعار النقل البحري بسبب المواجهة الدائرة في البحر الأحمر بين القوات المسلّحة اليمنية والتحالف الأمريكي البريطاني الذي يدافع عن السفن المرتبطة بكيان العدو، حيث أكدت صحيفة “غلوبس” الاقتصادية الإسرائيلية، أن شركات التأمين أوقفت تأمين سفن إسرائيلية وأمريكية وبريطانية تبحر في البحر الأحمر.
ومنذ السابع من أكتوبر، يتلقى الاقتصاد الإسرائيلي تحديات متلاحقة، مع ارتفاع الإنفاق الحكومي والاقتراض، وانخفاض عائدات الضرائب، إلى جانب تراجع مردودية قطاعات اقتصادية مؤثرة، وحسب مراقبين وخبراء فإن حكومة بنيامين نتنياهو فشلت في تحييد اقتصاد “إسرائيل” وتجنيبه الخسائر كما الحروب السابقة.
ولا سيما أن المنطقة التي كانت سبباً في معركة طوفان الأقصى (غلاف غزة) هي المسؤولة عن تزويد الاقتصاد الإسرائيلي بنحو 75% من المحاصيل الزراعية التي يحتاجها الاحتلال، لكن الحرب حولتها من منطقة زراعية إلى منطقة عسكرية مغلقة، ولا يخفى على أحد تداعيات العمليات اليمنية ضد الكيان الصهيوني وخاصة في البحر الأحمر، على الاقتصاد الإسرائيلي وتكاليف المعيشة داخل الكيان.
وقالت صحيفة “بيزبورتال” العبرية، إن اليمنيين لا يشكون قلقًا أمنيًا كبيرًا على “إسرائيل”، لكن تهديدهم يؤثر على أسعار البضائع والمركبات التي تصل إلى الأراضي المحتلة، وفي هذا السياق كشفت وسائل إعلام عبرية، مؤخراً، عن ارتفاع الأسعار في عدة شركات إسرائيلية إلى مستويات قياسية.
شركات بالجملة ترفع أسعارها
كان الإعلام الإسرائيلي، قد اعترف في وقت سابق، عن استمرار موجة رفع الأسعار في عدّة شركات إسرائيلية، وذلك بسبب الحصار اليمني المفروض على الملاحة الإسرائيلية، بدورها، أقرت صحيفة “إسرائيل هيوم” الصهيونية، بأن شركات إسرائيلية أعلنت زيادة أسعار بعض منتجاتها الغذائية ابتداء من الشهر المقبل بنسبة تتراوح بين 7% و15% ، ولفتت إلى أن ارتفاع أسعار النقل البحري إلى “إسرائيل” من 1500 دولار إلى 7200 دولار، وضاعف مدة النقل من 35-40 يوماً إلى 65 – 80 يوماً.
وفي هذا السياق قالت شركة “دكتور فيشر” (DR. Fisher): إنها سترفع الأسعار بنسبة 10% على بعض منتجات الشركة، اعتباراً من 1 مارس، في سياق موجة من رفع الأسعار في عدة شركات إسرائيلية، ومن جهة أخرى، ذكرت وسائل إعلام أن شركة “Willifood”، سترفع أيضاً أسعار بعض منتجاتها، بنسبة تصل إلى 15%، اعتباراً من 1 فبراير 2024.
ويعود ارتفاع الأسعار في كيان الاحتلال الصهيوني بشكل عام، إلى زيادة أسعار الشحن، بسبب التهديدات اليمنية المتزايدة لمسارات الإبحار إلى “إسرائيل” في البحر الأحمر، لكن التهديد الذي يتعرض له كيان الاحتلال في الشمال، بسبب نيران حزب الله، يعتبر عاملاً مساعداً في رفع الأسعار، وخصوصاً في القطاع الزراعي، وفي هذا الإطار، تحدث موقع “إسرائيل هيوم” عن زياداتٍ كبيرة في أسعار بعض السلع والخدمات في كيان الاحتلال، مؤكداً الحاجة إلى تدخل حكومي قبل أن تتحول هذه الزيادات إلى موجة حقيقية.
وفي السياق، أعلن المستورد العملاق “Shastowitz”، أنه اعتباراً من فبراير، سيرفع أسعار منتجاته بمعدل 10%، على الرغم من حقيقة أن الدولار قد انخفض بأكثر من 6% في الأشهر الثلاثة الماضية.
وتشمل الزيادة في الأسعار أدوات التنظيف والمنتجات الغذائية، من العلامات التجارية “Colgate” و”Ajax” و”Palmolive” و”Barilla” و”Master Chef”، من بين أمور أخرى، وستنطبق على نحو 15% من المنتجات، كذلك، أعلنت “سوغت”، أكبر منتج للأغذية في قطاع البقوليات، زيادةً في الأسعار تتراوح بين 5% و10%، وتشمل هذه الزيادة بعض منتجات الشركة ويمكن أن تصل إلى 40 بالمئة.
وأكدت القناة الإسرائيلية العاشرة، أن شركة شاستويتز العملاقة لاستيراد المواد الغذائية والرعاية وأدوات الزينة، أعلنت أنها سترفع الأسعار بنسبة تصل إلى 20% على مجموعة متنوعة من المنتجات. وأبلغت شركة “بيت هاشيتا” المنتجة للزيتون والمخلل، تجار التجزئة، بزيادة أسعار الزيتون بنحو 15%، والمخللات بنحو 5%، كما أعلنت شركة “يخين” عن زيادات في الأسعار بنسبة 10% إلى 12% في بعض منتجاتها، مثل الطماطم المعلبة والذرة والحمص والفول والفاصوليا.
بدوره، قال كبير الاقتصاديين في شركة الاستشارات (BDO)، حِن هرتسوغ، أن الأثر الاقتصادي لارتفاع الأسعار يأتي على خلفية الانخفاض المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي، والوضع الذي يتعين فيه على “الجمهور الإسرائيلي” تحمل تكلفة الحرب، والتي من المتوقع أن تصل إلى نحو 200 مليار شيكل – نحو 65 ألف شيكل لكل عائلة في الكيان الاسرائيلي.
فاعلية الحصار اليمني
وجهت قوات أنصار الله اليمنية في الـ19 من نوفمبر الماضي، أول ضربة لحركة التجارة الإسرائيلية في البحر الأحمر، حيث أعلنت حظر الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، وقامت باحتجاز حاملة السيارات “جالاكسي ليدر” المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي إبراهام أونغر، لتنقل تهديدها ضد السفن الإسرائيلية إلى مستوى ملموس.
وعقب تلك العملية بدأ عدد من السفن بالاستجابة لرسائل وجهتها إليها قوات صنعاء بشأن تغيير مسارها، وأكدت وكالة “رويترز” أن سفينتين تابعتين لشركة “راي شيبينغ” التي يديرها رجل الأعمال الإسرائيلي ابراهام أونغر، حولتا مسارهما أيضاً بعيداً عن البحر الأحمر، وقالت وسائل إعلام إسرائيلية يومها: “إن العملية ستؤثر على الأمن الغذائي لـ”إسرائيل” لأن 70% من الغذاء يأتي عن طريق البحر”.
وقدرت خسائر كيان الاحتلال الإسرائيلي الناجمة فقط عن حصار قوات صنعاء للإمدادات البحرية من البحر الأحمر الذي بدأ منذ الـ19 من نوفمبر الماضي حتى نهاية ديسمبر 2023 بنحو 4.2 مليارات دولار جراء أيام الحصار- الفعلي البالغة 42 يوماً- للإمدادات البحرية من البحر الأحمر- فقط- إلى كيان الاحتلال.
وأقرت وسائل إعلام أمريكية بوضع “إسرائيل” الاقتصادي الصعب بعد تسبب هجمات قوات صنعاء في عزل كيان الاحتلال عن حركة التجارة في البحر الأحمر، رداً على جرائم جيش الاحتلال في غزة، ووفقاً لما نشرته مجلة “نيوزويك” الأمريكية الشهيرة، أدت سلسلة من الهجمات التي نفذتها قوات صنعاء إلى قطع شريان حاسم لاقتصاد كيان الاحتلال الاسرائيلي وسط حربها المستمرة ضد حماس في غزة.
هل يصمد اقتصاد الكيان أمام الحرب الأغلى
مع استمرار حربه على غزة لأكثر من 100 يوم يتلقى الاقتصاد الإسرائيلي سلسلة من “الضربات الموجعة”، ما يرسم لوحة قاتمة لواقع ومستقبل هذا الاقتصاد حيث وصلت خسائر هذا الكيان الاقتصادية منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول ما يفوق 165 مليار دولار، و ما يتم الإعلان عنه إسرائيلياً جزء بسيط من الخسائر العسكرية الحقيقية، فالتكلفة التشغيلية لهذه الحرب وصلت إلى 280 مليون دولار يومياً، أي ما يعادل 28 مليار دولار في 100 يوم الأولى من المعركة.
فضلاً عن تكلفة الآليات العسكرية التي أعلنت المقاومة عن تدميرها، والتي تزيد على ألف مدرعة ودبابة، وهذه خسائر عسكرية لم يعلن الاحتلال عنها حتى الآن، ويمكن إجمال الخسائر التي تكبدها كيان الاحتلال في حربه العدوانية على غزة بالتالي:
– هروب وتعطيل استثمارات خارجية ما تسبب في خسائر كبيرة وصلت إلى ما يقارب 15 مليار دولار بالإضافة لتوقف عجلة السياحة لدى القطاع الذي كان يرفد الاقتصاد الإسرائيلي بما يقارب 20 مليار دولار سنوياً.
-تعطيل قطاع التكنولوجيا بسبب إفراغه من العمالة وسحبهم ليصبحوا جنود احتياط في الجيش الاسرائيلي، فمنذ بدء الحرب على غزة وقرار التجنيد الواسع لقوات الاحتياط، خلت شركات التقنية من العمال لتواجه أزمة اقتصادية؛ تمثلت بتراجع الاستثمارات فيها بنسبة 50% مقارنة بالعام الماضي.
– إعادة إيواء وتعويض العائلات الصهيونية التي تهجرت من المناطق الساخنة بغلاف غزة والمناطق الحدودية مع لبنان الأمر الذي يتطلب تكاليف باهظة لا تقل عن 10 مليارات دولار بالإضافة إلى تعويض وعلاج جرحى الحرب من المدنيين، وجرحى الحرب من الجنود، فضلاً عن تعويض أهالي قتلى الجنود، ومعالجة الجرحى والمعوقين جراء الحرب.
– انخفاض الواردات الضريبية نتيجة هجرة ما يزيد على 400 ألف اسرائيلي ممن يحملون جنسيات مزدوجة
– التوقف التام للقطاع الزراعي في غلاف غزة و فرار العمالة التايلاندية التي تعمل في تشغيل هذا القطاع ما يضيف عبئا مضاعفاً على الأسعار في هذا القطاع الحيوي، حيث تسببت الحرب على غزة بخسارة الغلة الزراعية في غلاف غزة بنسبة 75% و80% من إنتاج الحليب والبيض، إضافة إلى ترك 29 ألف عامل في هذه الأراضي الزراعية فيما تظهر بيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية أن مزارع غلاف غزة تشكل 30% من الأراضي المخصصة لزراعة الخضروات في كيان الاحتلال الاسرائيلي، حيث تُعرف المنطقة المحيطة بقطاع غزة باسم “رقعة الخضار الإسرائيلية”، وتحوي -كذلك- مزارع للدواجن والماشية، إلى جانب مزارع للأسماك.
-توقف حركة الملاحة في ميناء إيلات بنسبة 95% نتيجة استمرار أزمة الملاحة في البحر الأحمر بالإضافة لرفع تكلفة الشحن والتي تسببت في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والمركبات إلى أرقام قياسية لم يشهدها الكيان من قبل.
تعتيم على حجم الخسائر
تعمل حكومة نتنياهو جاهدة لإخفاء حقيقة خسائرها الاقتصادية لكي لا تشوش على مجريات المعركة في قطاع غزة، إلا أن وسائل الإعلام الغربية -لا سيما الأمريكية- كشفت مؤخراً حقيقة الخسائر التي تكبدها الاحتلال منذ ما يزيد على 100 يوم من العدوان على قطاع غزة.
يأتي هذا على الرغم من أن موازنة كيان الاحتلال الاسرائيلي للعام 2023 -قبل الحرب- بلغت 130 مليار دولار، وهي أضخم موازنة في تاريخها، غير أنّها اضطرّت مع اندلاع الحرب إلى إقرار موازنة مُلحَقة بـ8.1 مليارات دولار، لتلبية حاجات الحرب العسكريّة، ما سيؤدّي إلى ارتفاع العجز المالي إلى3.7% من النّاتج المحلّي العام الماضي، ثمّ إلى 5% عام 2024.
وعلى الرغم من تخصيص البنك المركزي الإسرائيلي 45 مليار دولار لحماية سعر صرف الشيكل، فقد تدهوَرت قيمته، مُسجلاً أطول سلسلة خسائر منذ 39 عاما، بينما بلغت خسارة المركزي 7.3 مليارات دولار من احتياطياته من العملات الأجنبيّة، وقد حث البنك المركزي الإسرائيلي الحكومة على ضرورة اتخاذ خطوات فورية للحد من تراجع الناتج المحلي الإجمالي، ويتركز التراجع في قطاعات التقنية والزراعة والبناء والسياحة، وطالب البنك برفع الضرائب لاحتواء تكاليف الحرب.
يأتي ذلك رغم محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تسويق رواية لمواطنيه وحلفائه السياسيين عنوانها اقتصاد “إسرائيل” قوي ومستقر؛ بينما تندلع خلافات في بنك “إسرائيل” المركزي تعكس حجم التفاوت بين واقع سوق المال والتصريحات، إذ يطالب محافظ البنك المركزي أمير يارون رئيس الوزراء باتخاذ إجراءات تجنب الدخول في أزمة اقتصادية حادة، من بينها: فرض ضرائب جديدة، أو رفع القائم منها.
هل يصمد اقتصاد “إسرائيل” أمام جبهة لبنان؟
تثير المتغيرات الجديدة تساؤلات بشأن مدى قدرة اقتصاد الكيان الإسرائيلي الذي يتعرض لضغوط كبيرة بفعل الحرب التي يخوضها في غزة، على الصمود أمام احتماليات فتح جبهة قتال جديدة، قد تستنزفه بشكل أعمق، على الحدود الشمالية، فيما يجمع محللون اقتصاديون على أن التصعيد مع حزب الله سيشكل “عبئا إضافيا” على الاقتصاد الصهيوني الذي يخوض حرباً هي الأغلى في تاريخه ما يشير أن اتساع الاشتباكات مع حزب الله إلى مواجهة مباشرة، من شأنه “تعميق التحديات التي يواجهها هذا الكيان وفرض إشكالات اقتصادية يتطلب التعافي منها سنوات.
فيما تحذر شركات التصنيف الائتماني وتقارير اقتصادية إسرائيلية من التداعيات الخطيرة لفتح جبهة جديدة بالشمال، على المؤشرات الاقتصادية العامة للكيان، وسلط تقرير لمعهد “آرون” للسياسات الاقتصادية ومؤسسة “مايند إسرائيل” البحثية، على التبعات الاقتصادية التي يمكن أن تنجم عن اتساع نطاق الحرب مع حزب الله، متوقعا أن يتسبب في “خسائر اقتصادية جديدة تصل لنحو 30 مليار شيكل”، أي حوالي 9 مليار دولار، ويرجح التقرير الصادر حديثا، أن يحدث سيناريو نشوب الحرب مع حزب الله “جمودا قد يصل لمدة شهر، في معظم الأنشطة الاقتصادية في شمال فلسطين المحتلة، ما يؤدي إلى انخفاض يصل إلى نسبة 70 بالمئة في التوظيف”.
وقدر تقرير معهد “آرون” الأثر الاقتصادي للحملة الشمالية بنحو 28 مليار دولار حتى نهاية عام 2024، ويشمل هذا الرقم: 7.5 مليارات دولار خاصة بالنفقات الأمنية، ونحو 9 مليارات دولار للخطط الاقتصادية ومدفوعات الدفاع، وحوالي 3.5 مليارات دولار للإصلاحات وتعويضات الأضرار في الممتلكات، وتقريبا 800 مليون دولار للنفقات المدنية التي لا تشمل الصحة والرعاية الصحية.
علاوة على رقم 9 مليارات دولار المتعلق بالخسائر الاقتصادية، وتحدث تقرير سابق لصحيفة “واشنطن بوست”، عن تأثيرات الحرب المندلعة والاشتباكات على الجبهة اللبنانية، مشيرا إلى أن اقتصاديين يتوقعون تعرض اقتصاد الكيان الصهيوني لـ”صدمة” شبيهة بالأضرار التي لحقت به جراء جائحة فيروس كورونا، بينما يذهب آخرون لتوقع سيناريو “أسوأ” مع تضرر التصنيف الائتماني للكيان.