“جاهزون لأي خيارات عسكرية إذا تدخلت أمريكا بشكل مباشر في العدوان على فلسطين” إنذار أطلقه زعيم حركة أنصار الله في اليمن عبد الملك الحوثي بعد أيام من بدء عملية طوفان الأقصى، وثمة من لم يأخذ الكلام على محمل الجد، نتيجة الجهل والاستهتار بالقوة العقائدية والعسكرية والبشرية التي يملكها اليمن.
اليمن تدخل الحرب
تستحوذ التجارة البحرية على 70% من واردات كيان الاحتلال الإسرائيلي، إذ يمر 98% من تجارته الخارجية عبر البحرين الأحمر والمتوسط، وتسهم التجارة عبر البحر الأحمر ب34.6% في اقتصاده، وذلك وفق وزارة المالية التابعة للكيان.
أكدت حركة أنصار الله في بيان أن قواتها “مستمرة في منع كل السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية من أي جنسية كانت من الملاحة في البحرين العربي والأحمر حتى إدخال ما يحتاجه إخواننا الصامدون في قطاع غزة من غذاء ودواء”.
ولمّا لم تكف الولايات المتحدة عن مساندة كيان الاحتلال وتقديم كل أشكال الدعم له، إضافة إلى عدم استجابة الكيان للمطلب اليمني بفك الحصار وإدخال الغذاء والدواء إلى قطاع غزة، كان لا بد لليمن من الدخول بشكل مباشر في الحرب، فبدأت بفرض حصار بحري على الكيان الإسرائيلي، ومنع السفن المتجهة إليه من إكمال طريقها أو إيصال أي شيء عبر الممرات التي تتحكم بها اليمن، وكذلك استهدفت نقاطا حيوية في الداخل الإسرائيلي بالصواريخ بعيدة المدى.
وهاجمت كذلك سفنا متجهة إلى الكيان بالطائرات المسيرة والصواريخ، ومنها “يونيتي إكسبلورر” و”نمبر 9″، التابعتان للكيان، وسفينة شحن بريطانيّة تابعة للأمن البحري، بالإضافة إلى إيقاف سفينة “غالاكسي ليدر” الإسرائيلية واقتيادها إلى الساحل اليمني، واحتجاز طاقمها، المكوّن من 25 شخصًا.
إن الإجراءات اليمنية ضد الكيان أخذت طابعا تصعيديا في اليمن، بعدما انتقلت من حالة الاستهداف بالصواريخ والمسيرات عن بعد إلى حالة استهداف السفن في البحر الأحمر، والاحتجاز، إذ إن حركة أنصار الله تمتلك مخزونا من الصواريخ المضادة للسفن، ما يجعلها قادرة على تهديد أي سفينة تعبر في مضيق باب المندب الذي يمر عبر الساحل اليمني، حسب تحليل سابق نشرته “الإيكونوميست”، في الرابع من ديسمبر.
مصادر داخل كيان الاحتلال تؤكد أن تلك التهديدات باتت تؤثر على الداخل الإسرائيلي، ومع استمرار حالة الحصار والتهديد بالاستهداف من الممكن أن ينعكس الأمر على أسعار السلع ليس فقط في الكيان بل في أوروبا ومناطق أخرى.
لكن أنصار الله تعهدوا بمواصلة الهجمات حتى يوقف الكيان الإسرائيلي عدوانه في غزة، وحذروا من أنهم سيهاجمون السفن الحربية الأمريكية إذا أصبحت الحركة نفسها هدفا.
وفي 9 يناير 2024 قالت القيادة المركزية للجيش الأمريكي إن قوات تابعة للولايات المتحدة وبريطانيا أسقطت 21 طائرة مسيرة وصاروخا أطلقتها الحركة اليمنية على جنوب البحر الأحمر باتجاه الممرات البحرية الدولية.
محاولات الردع الأمريكية
رغم أن واشنطن لا ترى أنها “في حالة صراع” مع حركة أنصار الله إلا أن في جون فاينر، نائب مستشار مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض في الثامن من ديسمبر 2023 قال “إننا نعمل على حماية المنطقة والملاحة وتواجدنا العسكري”، وكذلك متحدث البنتاغون باتريك رايدر خرج ليؤكد بعد شهر أن أمريكا ليست ضعيفة حيال التهديدات في البحر الأحمر، إذ إن هناك عواقب للهجمات في البحر الأحمر وإنه ينبغي أخذ التصريحات الأمريكية بالخصوص على محمل الجد.
وما كان منها إلا الدعوة إلى عمل دولي مشترك ضد اليمنيين من خلال القوات البحرية المشتركة، إذ أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023 تشكيل قوة مهام بحرية تضم عددا من الدول، بينها دولة عربية واحدة هي البحرين، لمواجهة الهجمات في البحر الأحمر.
وفي 12 يناير 2024 قصفت قوات أمريكية وبريطانية، الأراضي اليمنية، باستخدام سفن حربية مختلفة وطائرات مقاتلة وصواريخ توماهوك، ومن بينها 4 مقاتلات بريطانية من طراز “تايفون”.
يبدو أن التهديدات الأمريكية لن تثني اليمنيين عن المضي في تلك الحرب ضد العدوان والظلم، إذ شنّت حركة أنصار الله أكثر من 25 عملية استهداف لسفن تجارية يشتبهون بأنها مرتبطة بكيان الاحتلال أو متّجهة إلى موانئه، قرب مضيق باب المندب الاستراتيجي عند الطرف الجنوبي للبحر الأحمر.
وكان آخرها استهدافهم سفينة أمريكية كانت تقدّم الدعم لكيان الاحتلال، مستخدمين أكثر من 20 طائرة مسيّرة وصاروخاً فوق البحر الأحمر، أسقطتها القوات الأمريكية والبريطانية، في ما وصفته لندن بأنه “أكبر هجوم يُنفّذ منذ بدء حرب غزة.
وقبل ساعات على هذه الضربات، أكد زعيم أنصار الله أن “أي اعتداء أمريكي لن يكون أبداً من دون رد، ولن يكون فقط بمستوى العملية التي نفذت أخيراً بأكثر من 24 طائرة مسيرة وبعدّة صواريخ، بل أكبر من ذلك”.
وشهد ميدان السبعين في العاصمة صنعاء، خروجا مليونياً استثنائياً هو الأوسع، في مسيرة بعنوان “تحالف حماية السفن الإسرائيلية لا يرهبنا”، إذ رددت السيول البشرية الكبيرة والاستثنائية، المتدفقة إلى ميدان السبعين شعبيا ورسميا، هتافات الغضب تجاه العدوان الصهيوني المستمر على غزة، وهتافات التضامن مع حركات الجهاد والمقاومة في فلسطين المحتلة.
ورفع المشاركون في المسيرة الأعلام الفلسطينية واليمنية وشعارات الصرخة في وجه المستكبرين، مؤكدين جاهزية واستعداد أبناء شعبنا اليمني للتضحية بالمال والروح فداء للأقصى ونصرة للشعب الفلسطيني المظلوم.
أما الخبراء الاقتصاديون والسياسيون فيتحدثون لوسائل الإعلام، بأن تجنب السفن مسار البحر الأحمر لصالح طريق رأس الرجاء الصالح، سيؤدي إلى رفع تكلفة الشحن والتأمين والخدمات اللوجستية البحرية الأخرى بنسب تصل إلى 30 في المئة، ويتوقعون ارتفاعا في الأسعار في أوروبا والولايات المتحدة بنسبة 10 إلى 15 في المئة، إذا توقف الشحن عبر ممر قناة السويس خلال الأسابيع القليلة القادمة.