يستخدم النظام الأمريكي عدداً من الأدوات السياسية والاقتصادية والعسكرية لضرب خصومه، وإحدى هذه الأدوات تصنيف الخصوم في قائمة “الإرهاب”، وآخر هذه التصنيفات التي أقرّتها واشنطن كانت ضد حركة أنصار الله في اليمن، وجاء هذا التصنيف على خلفية عجز أمريكا عن ردع أنصار الله عسكرياً وسياسياً وفشلها في محاولة ثنيهم عن إيقاف الهجمات التي تشنها قوات صنعاء ضد السفن الإسرائيلية أو السفن المتجهة إلى موانئ الأراضي الفلسطينية المحتلة.
درجة التصنيف
إن قرار التصنيف الجديد الذي أقرته إدارة بايدن يوم 17 يناير الجاري ربما لا يتعدى كونه أحد الضغوط الذي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية ضد أنصار الله لمحاولة ثنيهم عن قرارهم بمنع مرور السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، وهذا ما أوضحه مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، حيث قال إن “التصنيف سيسري خلال 30 يوماً لمنحنا الوقت لتقليل آثار هذا القرار على الشعب اليمني، وأوضح أنه إذا أوقف الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر، فإن واشنطن ستدرس رفع هذا التصنيف”.
كما أن التصنيف الذي اعتمدته إدارة بايدن أخف من التصنيف الذي اعتمدته إدارة ترامب في العام 2021. والفرق بينهما أن تصنيف إدارة ترامب كان تحت مسمى “منظمة إرهابية أجنبية” وتعني منع أي تعاملات مالية مع المصنف وأي نشاطات داعمة لهم، ومعاقبة أي دول أو كيانات تتعامل معهم، وتوجه تهما جنائية لمن يرفع شعاراتهم أو يعلن تأييده لهم من داخل الأراضي الأمريكية، حتى لو بمشاركة في الفيس أو تغريدات في X “تويتر”.
أما الفئة التي أعلنتها إدارة بايدن فهي تحت مسمى “كيان إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص” وإجراءاتها مخففة، فهي تتيح تقديم الدعم الإنساني، وتعاقب فقط المنظمة بإجراءات محددة مثل: عرقلة وتقييد نشاطهم المالي وتطبيق إجراءات إنسانية استثنائية حسبما ذكر مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان حيث أوضح في بيان صادر عن البيت الأبيض، أن التصنيف هو “أداة مهمة لقطع تمويل جماعة الحوثي، وتقييد وصولهم إلى الأسواق المالية، ومحاسبتهم على أفعالهم”.
تبعات التصنيف على عملية السلام والأزمة الإنسانية
إن اعتماد هذا القرار من قبل إدارة بايدن سيكون له تداعيات سلبية على عملية السلام بين صنعاء والرياض وربما خفض التصعيد القائم بين الطرفين سيتلاشى وينتهي، وهو ما لمّح له المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن؛ تيموثي ليندركينغ، حيث قال خلال مشاركته في حلقة نقاشية نظمها مركز بحثي يمني، في ديسمبر الماضي، إن “التصعيد الأخير من الحوثيين في البحر الأحمر وباب المندب، ليس في صالح تحقيق السلام في اليمن”، ما يعني أن واشنطن ستتجه نحو التصعيد وستكون الرياض في مأزق حقيقي فهي تسعى بكل جهد للخروج من المستنقع اليمني والتفرغ لسياساتها الاقتصادية الداخلية أوما يسميها محمد بن سلمان برؤية 2030.
وينتقد الكاتب السياسي السعودي مبارك آل عاتي الخطوة الأمريكية بإعادة تصنيف أنصار الله، ورأى آل عاتي في حديثه لمركز سوث24 للدراسات أن “التصنيف الأمريكي للحوثيين متأخر، ويأتي في وقت غير مناسب للمنطقة العربية التي تستعد لمشروع السلام في اليمن”. مضيفا: “لقد جاء هذا التصنيف على استحياء، حيث حرصت واشنطن على إظهاره بأنه تصنيف مؤقت ومرتبط بأحداث البحر الأحمر”.
وخلال الفترة القادمة ستكون الكرة في ملعب الرياض فيما يخص عملية السلام، لأن صنعاء بادرت بفتح هذا الموضوع وطمأنة الجانب السعودي، حيث قال المتحدث باسم أنصار الله ورئيس وفد صنعاء المفاوض، محمد عبد السلام في مقابلة مع وكالة رويترز، إن “مشروع الهدنة مع السعودية لا يزال مستمراً”، وأضاف “نحن على تواصل إيجابي مع الأشقاء في السعودية والهدنة دائمة ومستمرة ونواصل الجهود في هذا الاتجاه”.
والأخطر من ذلك أن دخول القرار حيز التنفيذ سيعتبره أنصار الله بمثابة إعلان حرب، وبالتالي لن يتوقفوا من ضرباتهم ضد السفن الأمريكية على الأرجح حتى وإن توقف العدوان على غزة، وهذا ما أكده نائب وزير الخارجية بحكومة صنعاء، حسين العزي، حيث قال:” دخول التصنيف حيز التنفيذ سيؤدي لإطالة أمد الحرب مع أمريكا ما يعني عدم توقف الحرب بمجرد وقف العدوان الإسرائيلي”. وهذا يعني إن هذا القرار لن يعمل على عرقلة عملية السلام في اليمن فقط، بل إنه سيفتح باباً للاضطرابات وعدم الاستقرار في المنطقة ككل.
أما من ناحية تداعيات القرار على الأزمة الإنسانية في اليمن، فقد يزداد الوضع تعقيداً فاليمن اليوم يعاني من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وسيأتي هذا القرار ليفاقم المأساة ويضع ملايين من اليمنيين على حافة المجاعة، لأن القرار سيؤثر على المساعدات والتبادل التجاري والمالي، ولأن المناطق التي تسيطر عليها حكومة صنعاء تضم عدداً كبيراً من السكان يتراوح ما بين 70-80 % من عدد السكان الإجمالي في اليمن، وتتزامن هذه الكثافة مع الحصار وشحة الموارد وتداعيات الحرب.