بعد حوالي 9 سنوات من دعم الولايات المتحدة لحرب السعودية على اليمن، وجدت واشنطن نفسها بحاجة للتدخل المباشر للحد من قدرة القوات المسلحة اليمنية في تنفيذ عملياتها في البحرين الأحمر والعربي. وهذا ما يطرح أسئلة حول المكاسب التي حققتها تلك الحرب، وما هي المتغيرات المستجدة حالياً التي من الممكن أن تعطي مكاسب مختلفة لما تم تجربته سابقاً.
يقول الباحث المؤسس لشركة البحر الأحمر للتحليلات الدولية، مايكل هورتون، ان العمليات التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر “حازت على مكانة رفيعة لدى شريحة واسعة من اليمنيين”. وقال في مقال نشرته مجلة Responsible Statecraft، أن “الغارات التي تنفذها الولايات المتحدة وبريطانيا لن تؤثر فعلياً على القدرة الصاروخية اليمنية”. مشيراً إلى انها لن تستطيع الحد من استخدام الطائرات المسيرة أو الألغام البحرية لو ارادت صنعاء ذلك”.
اللافت تأكيد المجلة التابعة لمعهد كوينسي الأميركي على عدم قدرة هذه الغارات على التأثير على قدرة المصانع الإنتاجية: “هذه المرافق تقع تحت الأرض…وحتى مع استمرار الحملة الجوية ضدهم، فإن الحوثيين في وضع يسمح لهم بمواصلة التهديد بالألغام المضادة للقذائف والألغام لأشهر إن لم يكن لسنوات”. مشيرة إلى ان “الضربات الجوية الغربية تخاطر بتعزيز قبضة الحوثيين على السلطة. يعبر العديد من أعداء الحوثيين السابقين علنا وسرا عن دعمهم للجماعة الآن. إن هجمات الحوثيين على ما يصفونه بالسفن الإسرائيلية والأمريكية يتردد صداها لدى العديد من اليمنيين، وفي الواقع، العديد من الناس في جميع أنحاء العالم الذين ينددون بالأعمال الإسرائيلية في غزة”.
ناقش العديد من المحللين الواقع اليمني انطلاقاً من المشهد الذي كان خلال الحرب. لكن هذا الأمر أثبت تبدله سريعاً وفق الأحداث التي تشهدها المنطقة، خاصة وان القضية الفلسطينية لها وقع خاص لدى الشعب اليمني. اذ يشير هورتون، إلى أن “صنعاء أرضية أخلاقية عالية، ولا ينبغي الاستهانة بقوة هذه السردية، بغض النظر عن صحتها”.
وكشفت المجلة عن ان “هناك مؤشرات على أن شخصيات معارضة، من أعضاء الإصلاح إلى القبائل وقطاعات من القبائل في المناطق المتنازع عليها، تتماشى معهم. أشار العديد من المحللين اليمنيين والمسؤولين الحكوميين السابقين إلى أن بعض الفصائل داخل الإصلاح تقدم الآن الدعم المادي للحوثيين في شكل عمليات نقل أسلحة”.
كانت صنعاء تخوض معركة متوازية مع خوض الحرب ضد السعودية، وهي بناء الدولة. مع تجاوز مرحلة خفض التصعيد عامها الثاني، بقيت صنعاء تمضي في المسار نفسه خلال مواجهتها الحالية مع الولايات المتحدة وبريطانيا وترسم شكل المرحلة اللاحقة لانتهاء الحرب على قطاع غزة وكل ما يتعلق بسياستها الخارجية. وتعلق المجلة بهذا الصدد، بأن “الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة لا تفعل شيئاً لمعالجة الاختلالات الأساسية والمتنامية في القوة والسمعة بين الحوثيين وخصومهم المحليين. وبدلاً من ذلك، تخاطر الضربات الجوية بتفاقم هذه الاختلالات من خلال إجبار المزيد من الميليشيات على التحالف مع الحوثيين الذين ينظر إليهم بشكل متزايد على أنهم منتصرون ليس فقط على المملكة، ولكن أيضا على جزء كبير من الغرب”.
الواقع، ان المرحلة التي ستلي وقف إطلاق النار وانهاء الحرب على غزة، هي فصل جديد بالنسبة لحركة انصار الله في اليمن، وعلى غير صعيد. خاصة بما يتعلق بعلاقتها مع المكونات السياسية المحلية الداخلية التي كان يتم تعبئتها لعداء صنعاء باختلاق الادعاءات عن انحراف انتماءاتها وقضاياها. وهذا ما قد يكون فاتحة جيدة لترميم العلاقة بين هذه المكونات، خاصة وان السعودية التي مولت جزءاً كبيراً من تلك الجماعات، هي نفسها محرجة من الموقف اليمني إلى جانب فلسطين، في الوقت الذي تقف فيه متفرجة تناور بملف التطبيع.