كشف تحقيق لهيئة الإذاعة البريطانية BBC عربي، تورط دولة الإمارات العربية المتحدة بتنفيذ جرائم اغتيالات سياسية في اليمن، حيث قامت بإستئجار مرتزقة أمريكيين ودربت يمنيين بعد إنكشاف المرتزقة لتنفيذ مهمة الإغتيالات جنوب البلاد.
التحقيق الذي أعدته الصحفية نوال المقحفي، توصل إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة قامت بتمويل عمليات اغتيال ذات دوافع سياسية في اليمن، مما أدى إلى تفاقم الصراع الذي تشارك فيه الحكومة اليمنية والفصائل المتحاربة والذي عاد مؤخرًا إلى دائرة الضوء الدولية بعد الهجمات على السفن في البحر الأحمر.
وقال أحد المخبرين لتحقيقات بي بي سي إن التدريب على مكافحة الإرهاب الذي يقدمه المرتزقة الأمريكيون للضباط الإماراتيين في اليمن تم استخدامه لتدريب السكان المحليين الذين يمكنهم العمل في مكان أقل شهرة، مما أدى إلى زيادة كبيرة في الاغتيالات السياسية.
وأوضح التحقيق أن الإغتيالات التي نفذها مرتزقة من الولايات المتحدة الأمريكية لم تستهدف تنظيم القاعدة، مشيرة إلى أن أشخاص في القاعدة صاروا ضمن تشكيلات عسكرية تابعة للإنتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا. وذكر أن موجة القتل في اليمن استهدفت أكثر من 100 عملية اغتيال في فترة ثلاث سنوات، حيث كان أغلب الذين تم اغتيالهم من أعضاء حزب الإصلاح.
معدة التحقيق مراسلة بي بي سي نوال المقحفي قالت بأنها قامت بتغطية الصراع في موطنها اليمن منذ بدايته في عام 2014، وشهدت خلال رحلاتها الصحفية المتكررة في ذلك الوقت موجة من عمليات القتل المستهدف الغامضة، في المناطق الجنوبية التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، لمواطنين يمنيين غير مرتبطين بالجماعات الإرهابية.
وقالت المقحفي: أعطتني اللقطات المسربة من طائرة بدون طيار لمهمة الاغتيال الأولى نقطة انطلاق للتحقيق في عمليات القتل الغامضة هذه. يعود تاريخه إلى ديسمبر 2015 وتم إرجاعه إلى أعضاء شركة أمنية أمريكية خاصة تسمى Spear Operations Group.
وتمكن المقحفي من اللقاء بأحد الرجال الذين يقفون وراء العملية التي تظهر في اللقطات في أحد مطاعم لندن في عام 2020. وكان إسحاق جيلمور، وهو ضابط سابق في البحرية الأمريكية أصبح فيما بعد مدير العمليات الرئيسي لشركة Spear، واحدًا من العديد من الأمريكيين الذين قالوا إنه تم تعيينهم لـ تنفيذ اغتيالات في اليمن من قبل الإمارات.
ورفض الحديث عن أي شخص كان على “قائمة القتل” التي قدمتها الإمارات العربية المتحدة إلى سبير – بخلاف هدف مهمتهم الأولى: إنصاف مايو، النائب اليمني وزعيم حزب الإصلاح في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد.
وأوضحت “المقحفي” أنها واجهت اسحاق غيلمور بشأن حقيقة أن السلطات الأمريكية لم تصنف حزب الإصلاح على الإطلاق كمنظمة إرهابية، غير أنه قال لها: “إن الصراعات الحديثة للأسف غامضة للغاية”. “نرى هذا في اليمن – الزعيم المدني ورجل الدين لشخص ما، هو زعيم إرهابي لشخص آخر.”
وأكد غيلمور وموظف آخر في شركة Spear في اليمن في ذلك الوقت – ديل كومستوك – أن المهمة التي قاموا بها انتهت في عام 2016. لكن الاغتيالات في جنوب اليمن استمرت، في الواقع، أصبحت هذه الجرائم أكثر تواتراً، وفقاً لمحققين من مجموعة حقوق الإنسان ريبريف.
وحققت “ريبريف” في 160 عملية قتل نُفذت في اليمن بين عامي 2015 و2018، وقالوا إن معظمها حدثت منذ عام 2016، وأن 23 فقط من أصل 160 شخصًا قُتلوا كانت لهم صلات بالإرهاب، وتم تنفيذ جميع عمليات القتل باستخدام نفس التكتيكات التي استخدمها سبير – تفجير عبوة ناسفة لتشتيت الانتباه، يليها إطلاق نار مستهدف.
أقر جيلمور وكومستوك واثنين آخرين من المرتزقة من شركة “سبير” أن الشركة شاركت في تدريب ضباط إماراتيين في القاعدة العسكرية الإماراتية في عدن، والذين “بدورهم قاموا بتدريب اليمنيين المحليين على القيام بالاستهداف”، كما تحدث ضابط يمني لمعدة التحقيق.
وأشار التحقيق إلى أن الإمارات بتدريب يمنيين لتنفيذ مهمة الاغتيالات كانت تهدف لعدم تحملها المسؤولية، في الوقت الذي تحدثت المقحفي إلى أكثر من اثني عشر مصدرًا يمنيًا آخر قالوا إن هذا هو الحال ـ تدريب يمنيين للإغتيالات ـ وكان من بينهم رجلان قالا إنهما نفذا عمليات اغتيال لا علاقة لها بالإرهاب، بعد أن تم تدريبهما على القيام بذلك على يد جنود إماراتيين – ورجل قال إنه عُرض عليه إطلاق سراحه من أحد سجون الإمارات مقابل اغتيال أحد كبار المسؤولين. شخصية سياسية يمنية، مهمة لم يقبلها.
وتطرق التحقيق لإنشاء قوات ـ شبه عسكرية ـ في 2017م بتمويل إماراتي، وقال التحقيق إن قوات الانتقالي “منظمة أمنية تدير شبكة من الجماعات المسلحة في جميع أنحاء جنوب اليمن”، حيث تعمل في جنوب اليمن بشكل مستقل عن الحكومة اليمنية، وتتلقى الأوامر فقط من الإمارات العربية المتحدة، ولم يتم تدريب المقاتلين على القتال في الخطوط الأمامية النشطة فحسب. وقد تم تدريب وحدة معينة، وهي وحدة النخبة لمكافحة الإرهاب، على تنفيذ الاغتيالات.
وتحصلت معدة التحقيق على وثيقة تحتوي على 11 اسمًا لأعضاء سابقين في تنظيم القاعدة يعملون الآن في المجلس الانتقالي الجنوبي، مشيرة إلى اسم ناصر الشيبة، والذي كان عضو رفيع المستوى في تنظيم القاعدة، وقد سُجن بتهمة الإرهاب ولكن أطلق سراحه لاحقاً. وحياليا يعمل قائد إحدى القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
ولفت التقرير إلى اغيتال نجل المحامية هدى الصراري التي تقوم بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها هذه القوات المدعومة من الإمارات على الأرض. ونتيجة لعملها، كانت تتلقى في كثير من الأحيان تهديدات بالقتل. لكن ابنها محسن البالغ من العمر 18 عاماً هو الذي دفع الثمن النهائي.
وخلص تحقيق لاحق أجراه المدعي العام في عدن إلى أن محسن ـ نجل الصراري ـ قُتل على يد أحد أعضاء وحدة مكافحة الإرهاب المدعومة من الإمارات، لكن السلطات لم تلاحق أي ملاحقة قضائية، غير أن معدة التحقيق الت أن أعضاء مكتب المدعي العام – الذين لا نستطيع ذكر أسمائهم لأسباب تتعلق بالسلامة – أخبروها أن الاغتيالات واسعة النطاق خلقت مناخًا من الخوف، مما يعني أنهم خائفون جدًا من تحقيق العدالة في القضايا المتعلقة بالقوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة.