تزامناً مع هجمات الكيان الصهيوني على قطاع غزة في شهرها الرابع، أصبحت الجبهات الأخرى أكثر اشتعالاً من ذي قبل، وأصبحت جبهة اليمن والبحر الأحمر في مركز الاهتمام العالمي بسبب أهميتها الاستراتيجية، وتتعرض الحكومة الأمريكية، المسؤولة عن تأمين مصالح الكيان الصهيوني في البحر الأحمر منذ شهر مضى لضغوط من بعض الأوساط السياسية في الداخل، بضرورة مهاجمة مواقع أنصار الله في اليمن بشكل فوري من أجل عودة الأمن لهذه المنطقة الزرقاء.
ولذلك، سعى المسؤولون في واشنطن في الأيام الأخيرة إلى إيجاد حل للتعامل مع عمليات أنصار الله، وذكرت شبكة “إن بي سي” الجمعة الماضية أن مسؤولين من إدارة الرئيس جو بايدن عقدوا اجتماعا لمناقشة الخيارات العسكرية التي يعدها الجيش لمواجهة التهديدات التي تواجه الشحن التجاري في البحر الأحمر، وأكدت الشبكة أن تلك الخيارات تشمل مهاجمة أهداف لأنصار الله في اليمن، وأشارت إلى أن البيت الأبيض لم يوافق على أي من الخيارات العسكرية التي أعدها الجيش.
وذكرت الشبكة نقلاً عن مسؤولين في البيت الأبيض، أن الغرض من الاجتماع هو تقديم تفاصيل حول خيارات مختلفة أقوى من تلك التي تم النظر فيها سابقًا والتي كان من المقرر تنفيذها بمشاركة دول أخرى، ونقلت مجلة بوليتيكو عن بعض المصادر الأمريكية، أن إدارة بايدن تتفاوض حول سيناريوهات قد تقود واشنطن إلى حرب في الشرق الأوسط، ووصف المتحدث باسم البنتاغون الجنرال بات رايدر هجمات أنصار الله بالخطيرة، وأكد أن بلاده تتخذ الإجراءات اللازمة لحماية القوات المتمركزة في المنطقة وتعمل مع شركائها لمنع هجمات أنصار الله في البحر الأحمر وخليج عدن.
وأكد تيم ليندر كينغ، المبعوث الأمريكي إلى اليمن، في كلامه، أن أي هجوم لأنصار الله على السفن الأمريكية سيقابل بالرد، وشدد على ضرورة الحد من تصعيد التوترات من أجل تعزيز جهود السلام في اليمن، كما قال دبلوماسي غربي لشبكة CNN إن الولايات المتحدة أبلغت أعضاء مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء الماضي في مشاورات مغلقة أنها تعتزم تقديم مشروع قرار يدين هجمات أنصار الله على السفن في البحر الأحمر.
واستشهاداً بتصريحات المسؤولين الأمريكيين وتناقضهم حول كيفية الرد على هجمات أنصار الله، يظهر أن قادة البيت الأبيض عالقون في طريقين ويشعرون بقلق بالغ من عواقب تصاعد التوترات في البحر الأحمر والفارسي، وحاولت الولايات المتحدة جمع دول مختلفة في تحالفها البحري والتمكن من إجبار أنصار الله على الانسحاب من استهداف السفن الصهيونية بإجماع أكبر، لكن العديد من الدول رفضت المشاركة في التحالف، وحاليا فقط إنجلترا تقف رسميا إلى جانب واشنطن.
إن وجود حفنة من الدول في هذا التحالف قد قيد أيدي واشنطن لمهاجمة اليمن، ولهذا السبب تقرر في اجتماع حكومة بايدن التعامل مع أنصار الله بمفردهم ودون مساعدة حلفائهم.
المسؤولون الأمريكيون في حيرة وارتباك أمام موجة عمليات أنصار الله، ودول الخليج الفارسي التي فتحت واشنطن حسابا خاصا لها، لم ترفض أمريكا فحسب، بل طلب السعوديون من البيت الأبيض عدم اتخاذ أي إجراء ضد صنعاء، لأن توسيع نطاق الحرب في البحر الأحمر سيكون خطيراً على هذه الدول التي تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط والعائدات المتأتية منها.
خطوط أنصار الله وشعارهم ضد التهديدات
وتأتي التحركات الأمريكية للقيام بعمل عسكري ضد أنصار الله في ظل ظروف يحذر فيها اليمنيون أعضاء التحالف الأمريكي كل يوم من استعدادهم للرد على التهديدات، و حذر مسؤول يمني، السبت، من أن أي دولة تشارك في التحالف الأمريكي في البحر الأحمر ستفقد أمنها البحري، وبعد ادعاء وسائل إعلام أمريكية وجود تخطيط أمريكي محتمل لمهاجمة مواقع الجيش اليمني، أكد المتحدث باسم هذه الحركة محمد عبد السلام أن الشعب اليمني لا يقبل لغة التهديد.
وفي الأشهر الثلاثة الماضية أثبت قادة صنعاء أنهم لا يخافون من تهديدات البيت الأبيض وتل أبيب، ومتى أرادوا ردوا على السفن الصهيونية والسفن الأمريكية، وفي هذا الصدد، وفور التهديد العملي والرد الناري للجيش الوطني اليمني على رسالة التهديد الأمريكية، انفجر زورق يمني دون طيار بالقرب من موقع الطراد الأمريكي في البحر الأحمر، وعلى متنه براد كوبر قائده، وأعلن قائد الأسطول البحري الخامس للجيش الأمريكي، أن هذا القارب كان مليئا بالمتفجرات، لكن السفينة وطاقمها لم يصابوا بأذى.
ويبدو أن إرسال هذه القارب دون طيار هو رسالة تحذيرية يوجهها أنصار الله لتصرفات الولايات المتحدة وحلفائها، ويظهر أن صنعاء جاهزة لسيناريوهات تصعيد الصراع، ومن المؤكد أن دخانه سيبلغ عيون السفن التجارية للدول الأخرى، ورغم التحذيرات الأمريكية ومحاولة مهاجمة مواقع الجيش اليمني، إلا أن المؤكد هذه الأيام أن أنصار الله لهم الكلمة الأولى والأخيرة في البحر الأحمر، وتغيير مسار السفن التجارية من البحر الأحمر قد أجبر الشركات الأجنبية الموجودة في هذه المنطقة الزرقاء إلى قبول هذه التهديدات.
وأعلنت شركة الشحن الدنماركية ميرسك، أمس، أن جميع سفنها ستتجنب المرور في البحر الأحمر لبعض الوقت بسبب الهجمات اليمنية، وأكدت شركة ميرسك أن جميع المعلومات المتوافرة تظهر أن المخاطر الأمنية على السفن على هذا الطريق لا تزال مرتفعة، وتزعم واشنطن أنها تستطيع توفير الأمن البحري في البحر الأحمر، لكن الجهات الأجنبية لا تثق في قدرة هذا البلد على إعادة الاستقرار والأمن للتجارة البحرية الدولية، ولهذا السبب رفضوا المشاركة في التحالف البحري.
ويقع مضيق باب المندب تحت سيطرة أنصار الله، الذين يستطيعون إغلاق هذا المضيق الاستراتيجي وزيادة التكاليف على الولايات المتحدة وحلفائها في حالة قيام الولايات المتحدة بالتحريض على الحرب، وكما حدث في الأشهر الثلاثة الماضية، وجه أنصار الله ضربة اقتصادية ثقيلة للسفن الصهيونية التي تواجه نقصا في الموارد المالية.
أعلنت القناة التليفزيونية الإسرائيلية 12 اليوم الجمعة أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يدرس إغلاق بعض مكاتب الحكومة لاستخدام الأموال المخصصة لها لتغطية التكاليف الباهظة للحرب، ولذلك، وفي ظل هذا الوضع الفوضوي واليائس، إذا امتد نطاق الحرب في غزة إلى البحر الأحمر، فمن المؤكد أن الصهاينة وأمريكا سيعانون أكثر من غيرهم.
إن قادة صنعاء قاتلوا لمدة 9 سنوات ضد التحالف السعودي الذي كان مزودا بأسلحة الغرب المتقدمة، والآن وصلوا إلى مستوى من القدرة العسكرية التي جعلت السعودية تبحث عن اتفاق سلام للهروب من الأزمة من أجل تجنب الهجمات الصاروخية لأنصار الله.
وقالت قوات أنصار الله مرارا وتكرارا إنه طالما استمرت الهجمات الصهيونية على غزة، فإنها ستواصل مهاجمة السفن الصهيونية، وفي الأشهر الأخيرة، ركز اليمنيون هجماتهم فقط على سفن نظام الاحتلال، ولا يوجد أي تهديد للسفن التجارية الأخرى في البحر الأحمر، والآن أخذ أنصار الله زمام المبادرة في البحر الأحمر ويتمتعون بتأييد شعبي واسع النطاق، ما يجعلهم أكثر إصراراً على مواجهة المغامرة الأمريكية.
ويرى بعض الخبراء أن أمريكا قد تنفذ هجمات محدودة على بعض المواقع في اليمن للدفاع عن مصالح الكيان الصهيوني، لكن هذه الهجمات سيكون لها في النهاية تأثير سلبي وبدلا من إجبار أنصار الله على التراجع، ستزيد هذه الحركة من هجماتها ضد السفن الصهيونية وباتجاه الأراضي المحتلة ، وإن تصاعد التوترات سيضر بالأمن البحري.
إن الوضع الأمني في البحر الأحمر حالياً يتغير بسرعة، وشرارة صغيرة من الولايات المتحدة يمكن أن تشعل نار الحرب في المنطقة، ويجب أن نرى ما إذا كانت واشنطن مستعدة للانتحار من أجل تأمين مصالح المنطقة أم هل ستضحي بالمنطقة لمصلحة غزاة القدس.