خلال حرب تشرين التحريرية تعرض العديد من جنود الصهاينة للحروق الكبيرة، وبدأت معها الحاجة لدى الكيان من اجل بناء بنك للجلود من استخدامها من أجل ترميم حروق أو الجروح الكبيرة التي تسببت بها شظايا الحروب. البحث عن متبرعين صهاينة يسمحون لحكومة الكيان باستخدام جلودهم من اجل ترميم الحروق، واجه معضلة كبرى بالنسبة للصهاينة في إيجاد المتبرعين من أبناء جنسهم، مع أن بعضهم جاءت أنسجته مطابقة، لأن الحاخامات يحرمون السماح بالحصول على الجلود أو حتى التبرع أعضاء اليهود الميتين من أجل انقاذ حياة بني جنسهم، فوجد الصهاينة ضالتهم في سرقة أعضاء وجلود الفلسطينيين الشهداء، الذين كانوا يأسرون جثامينهم بعد قتلهم خلال المظاهرات أو المداهمات والاشتباكات.
هو أمر مثير للسخط والألم والغضب، وتقشعر له الأبدان، أن يكون من أهم اهداف الصهاينة في استهداف الفلسطينيين هو الحصول على أعضائهم!
وقد بدأت وسائل الإعلام والمواقع الصحفية العربية والغربية تتحدث باضطراد عن بنك الجلود الأكبر في العالم. والأمر مستمر، وبوتيرة كبرى خلال طوفان الأقصى، اذ يستغل الصهاينة الفوضى التي أحدثوها في غزة والضفة الغربية مستغلين الإعتقالات التعسفية وحجز جثامين الشهداء خلال المعارك من أجل الحصول على المزيد من الطعوم الجلدية من جثامين الشهداء، وعلى أعضاء داخلية يتم بيعها! لقد باتت جثامين الشهداء قطع غيار في مخازن الكيان الصهيوني.
الأمر فظيع ولكنه حقيقة وليس مستغرباُ في ثقافة الغرب! لقد بلغت الإساءة للجثامين في فلسطين حدّاً يشبه تماماً الطريقة التي كان يجمع بها صياد البشر الأوروبي الأفارقة في أفريقيا في في العام 1610، حين اشترت شركة فرجينيا البريطانية أول 20 أفريقي أسود باعهم تاجر هولندي قبل ان يكون هناك بلد اسمه الولايات المتحدة الأميركية، وبدأ موسم تجارة العبيد.
وكان هؤلاء وأولادهم وأولاد أولادهم تجارة رابحة للبيع والشراء والخدمة والعمل، وكان أسيادهم لهم الحق بفعل ما أرادوا بهم، تجارة تمت مباركته حتى من قبل الكنيسة، كما هو مبارك تماماً سرقة جلود الفلسطينيين وأعضائهم من قبل الكنيس اليهودي. وكما كرّس الفصل العنصري في فلسطين أحقية الصهاينة في سرقة بيوت وأراض وحياة الفلسطينيين دون حساب.
ضمن هذا المفهوم يمكن سرقة أجساد “الغوييم”من فلسطينيين وعمال أجانب من جنسيات مختلفة، مثل تايلاند وعمال من دول مختلفة من شرق آسيا، طالما أنهم لا ينتمون للدين اليهودي. وهذا التحريم هو الذي كشف السرقة الكبيرة لجلود الفلسطينيين بسبب الإعلان عن “بنك الجلد الوطني الإسرائيلي”، والذي يضم حجماً هائلاً يفوق ذلك المتواجد في الولايات المتحدة.
بدأ الصهاينة بالتركيز على هذا الأمر منذ الانتفاضة الأولى، وقاموا بتأسيس “بنك الجلد الوطني الإسرائيلي” في العام 1986 بالشراكة ما بين جيش الاحتلال ووزارة الصحة في الكيان. وقد نشرت الغارديان مقالاً في 2009، منذ أربعة عشر عاماً، وجاء في مقدمته أن “اسرائيل اعترفت بأن أطباء علم الأمراض قاموا باستخلاص أعضاء من جثث فلسطينيين وآخرين، دون موافقة عائلاتهم- ممارسة قالت إنها انتهت في التسعينات- ثم عادت وظهرت في نهاية الأسبوع”، أي في نهاية الأسبوع قبل نشر المقال. كما يشير المقال إلى الفيديو الذي يتضمن اعترافاً صريحاً للمدير السابق “يهودا هس” بسرقة أعضاء من جثامين الشهداء الفلسطينيين خلال احتجازهم ودون موافقة أهاليهم في فيلم وثائقي بث عن القضية في العام 2009.
أول من قام بالتحقيق بالموضوع هو الصحفي السويدي دونالد بوستروم من مجلة أفتونبلاديت السويدية بعد الانتفاضة الأولى، والتقى بعائلة الشهيد بلال أحمد غنان في العام 1992، البالغ من العمر 19 عاماً، وهو من قرية أم التين في الضفة الغربية، أخبرت عائلة الشهيد الصحفي بوستروم، أن ابنها عاد بدون أعضاء داخلية، وجثته خيطت من العنق إلى أسفل البطن. وعندما توجّه بوستروم بالسؤال لمدير معهد الطب الشرعي الصهيوني، تشين كوغل، آنذاك، أجاب “يمكن أن تكون العائلة على حق لأنهم أخذوا كل ما يمكن أخذه من الجثث التي جاءت إلى معهد الطب الشرعي”.
اتهم الصهاينة مجلة أفتونبلاديت، التي نشرت المقال بمعاداة السامية، وعندما طلب من الحكومة السويدية تكذيب الخبر وتجريم بوستروم رفضت الخارجية السويدية، وقالت إنها لا تستطيع لأن هذا يعتبر منعاً لحرية التعبير. وبحسب المراجعة لبداية القصة، والتي أعادت نشرها نيوزويك عبر تحقيق ينتقد في جزء هام منه نشر جيجي حديد، عارضة الأزياء الفلسطينية الأصل، إعادة نشر فيديو يتحدث عن “حصد” أعضاء الفلسطينين من قبل “بنك الأعضاء الإسرائيلي”.
وانتقد المقال نشر الفيديو مقاطع من مقابلة مع ميرا فايس، عالمة التشريح والأستاذة في علم الإجتماع في الجامعة العبرية في فلسطين، والتي صرحت في مقطع الفيديو لصحفيين اثنين يسألانها: “نحن لا نلمس جثث الجنود [الإسرائيليين]، نحن نأخذ من آخرين. وقد اعتدنا جمع الأعضاء من جثث الفلسطينيين ومن ثم من المهاجرين والعمال الأجانب”. واكدت فايس على أن نسبة ضئيلة جداً مما يجمع في البنك هي لمواطنين صهاينة. وهذا الفيديو كان جزءاً من مرجع لكتاب فايس بعنوان “الجسد المختار”.
القصص تكررت على مواقع مختلفة عربية وأجنبية، وبحسب الغارديان في مقال نشر في العام 2009 بعد تسريب مقابلة مع د. “يهودا هس” مدير معهد أبو كبير الجنائي، كان تم تسجيلها في العام 2000 من قبل نانسي شيبرهاغس، Nancy Schipperhags، المتخصصة في علم الإنسان في جامعة كاليفورنيا- بيركلي، قال لها “هس” أن المعهد يأخذ الجلد والقرنية والعظام وصمامات القلب من جثث الفلسطينيين والعمال المهاجرين دون موافقة مسبقة منهم أو من أهاليهم.
وهذا ما يتوافق مع ما فضحته فايس في لقائها، والتي تواجدت في معهد أبو كبير ما بين 1996- 2002 لإجراء بحث في علم الإنسان، وأبشع ما فضحه الكتاب هو حجز الأطفال اليهود المرضى من اليمنيين والإثيوبيين في المستشفيات حتى توافيهم المنية، ومن ثم حجز جثثهم ورفض تسليمها لذويهم، وهو من أبشع الممارسات العنصرية، التي يكشفها الكتاب.
علينا أن نتذكر دائماً، أن الصهاينة ينتمون إلى نفس المدرسة التي حكمت الأوروبيين الملكيين ومن ثم المستعمرين، الذي باعوا واشتروا سجنائهم الأوروبيين وأخضعوهم لأعمال السخرة في جميع المستعمرات الأوروبية وكانت هذه المستعمرات عبارة عن سجون بعيدة لمحكومي المؤبد والشنق. إنه تاريخ طويل من استغلال الإنسان كسلعة، ويستمر اليوم في فلسطين مع حكم الصهاينة.
ويحاول بعض الأميركيون والأوروبيون اليوم التخلص من عقدة الذنب باستغلال الإنسان عبر توضيح ما حدث، وإعادة البحث في التاريخ مثلما ما فعلت الباحثة ماريا ايليوت ونشرت المقال عن نتائج أبحاثها في تاريخ العبودية في النيويورك تايمز في الذكرى 400 لتاريخ العبودية، بمساعدة ياسمين هاغيز في الإعداد. ولم تنته آثار العبودية في المجتمع الأميركي، لقد ترك هذا الإنتهاك الجلل لحقوق الإنسان جروحه العميقة حتى اليوم.
وماتزال آثار الإنقسام العمودي ما بين البيض وباقي ألوان البشر في أميركا حتى يومنا هذا، ولم ينته التمييز العرقي العنصري في الولايات الأميركية الجنوبية خاصة، حتى عندما أقر الكونغرس الأميركي في 31 كانون الثاني/ يناير 1865 تعديل البند الثالث عشر وإنهاء العبودية، التي كانت مكرّسة في الدستور الأميركي.
لم تتوقف حتى اليوم العنصرية التي نشهدها في أوروبا ضد المهاجرين وخاصة ضد أبناء المغرب العربي من ليبيا وحتى المملكة المغربية، وفي أمريكا ضد الأفارقة الأميركيين، ما تزال قضية سرقة جثامين الفلسطينيين حتى يومنا هذا، وخلال معركة طوفان الأقصى. فقد نشرت اليورونيوز مقالاً أكدت فيه وضع جثامين 225 من الشهداء في مقابر الرقام، ورفضت تسليمهم لذويهم، وجاء في المقال وبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن العبث الذي تتعرض له هذه الجثامين، وقد وجدت أعضاء داخلية مرمية إلى جانب أصحابها بعد أن أخذ الصهاينة ما يحتاجون منها بعد أن أجبروا الأهالي على مغادرة مشفى الشفاء.
وتبقى نهاية مصير الأطفال الخدج في مشفى الشفاء مجهولاً بعد أن أعلن الجيش الصهيوني عن مسؤوليته لنقلهم إلى “مكان آمن” في مستشفيات في داخل الكيان. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فقد بدأ الصهاينة اليوم بدخول البيوت وتمشيطها وجمع الأطفال والنساء واقتيادهم إلى أماكن مجهولة بحجة فحصهم والإطمئنان عليهم، بحسب ما جاء في نشرة المنار الرئيسية في 2/1/ 2024، أو ما جاء حول اختطاف الجنود لطفلة رضيعة، ولم يتم إعادتها حتى اليوم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبير بسّام