أكدت مجلة السياسة الخارجية المرموقة في أمريكا، أن الشريان الحيوي للاقتصاد الغربي في البحر الأحمر قد تم عصره وتضييقه بأيدي اليمن، وفي إشارة إلى تصرفات الأسابيع القليلة الماضية في استهداف أو الاستيلاء على السفن وناقلات النفط المرتبطة ب”إسرائيل”، كتبت مجلة فورين بوليسي: منذ حوالي 500 عام، كان البحر الأحمر مكانًا للتنافس بين القوى العظمى؛ منذ بحث البرتغاليين عن طريق بحري إلى آسيا حتى فترة الحرب الباردة، ولا تزال أهم رابط تجاري بين آسيا وأوروبا.
وقناة السويس هي ثاني أكبر قناة في العالم و30% من سفن الحاويات في العالم تمر عبر قناة السويس، هذه السفن مهمة جدا، وتتدفق سفن النفط المهمة المحملة بالطاقة في تلك المنطقة، ويمر كل يوم 7.1 ملايين برميل من النفط و4.5 مليارات قدم مكعب من الغاز الطبيعي عبر باب المندب (المدخل الجنوبي للبحر الأحمر)، ولذلك، فإن الهجمات التي شنتها قوات أنصار الله على السفن الإسرائيلية في الأيام الأخيرة قد خلقت قدرة محتملة على التعطيل.
وأوقفت شركات شحن الحاويات الكبرى في العالم، بما في ذلك Maersk وMSC وCosco وHapag Lloyd، الشحن عبر هذه المياه بسبب مخاوف من خسائر في الأرواح أو أضرار، وطالبت أمريكا الدول بالانضمام إلى فريق العمل لمواجهة تصرفات أنصار الله، لكن هذه المواجهة هي صراع غير متكافئ على نحو مدهش، لقد نجح أنصار الله في تعريض أحد أهم شرايين الاقتصاد العالمي للخطر بحفنة من الصواريخ والطائرات دون طيار.
وقد ركز عدم التماثل في النقاش حول تكلفة الطائرات دون طيار مقابل تكلفة الصواريخ المستخدمة للدفاع عن السفن، وإذا نجح هجوم الطائرة دون طيار، فيمكن أن يدمر سفينة تبلغ قيمتها أكثر من 50 مليون دولار وتحمل بضائع تجارية، على الأرجح في حدود 500 مليون دولار، وفي بعض الحالات ضعف هذا المبلغ تقريبًا، لكن المشكلة الحقيقية هي مسألة أخرى، وإذا خفف أنصار الله هجماتهم بسرعة وتمكنوا بشكل مستمر من الوصول إلى الطائرات دون طيار والصواريخ (وهو ما يبدو مرجحا)، فإن تكلفة الحفاظ على عملية مرافقة بحرية سوف ترتفع بسرعة إلى عشرات المليارات من الدولارات.
ويواجه الغرب ثلاثة خيارات، ولكل منها جوانب سلبية خطيرة، الخيار الأول هو تغيير مسار النقل، والآن يغير البحارة مسارهم إلى رحلة طويلة حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، وتضيف إعادة التوجيه ما يقرب من 60% إلى وقت العبور وتكاليف الوقود من الموانئ الآسيوية إلى الموانئ الأوروبية، ما يزيد التكاليف التي يتحملها الشاحنون والمستهلكون، وفي حين أن هذا خيار مقبول لمدة أسبوع أو أسبوعين، فإن تعطيل سلسلة التوريد البحرية العالمية سيكون كبيرا.
الخيار الثاني هو مهاجمة الصواريخ والطائرات دون طيار من المصدر إما لتدمير الأسلحة أو لمنع الهجمات، ولم يصدر “جو بايدن” حتى الآن التصريح بهذا العمل، من السهل قول ذلك، ولكن من الصعب تنفيذه، ولن يكون من الصعب على قوات أنصار الله إخفاء نفسها ومخزونها من الطائرات دون طيار والصواريخ من الأهداف الأمريكية، ولذلك، فإن أي هجوم من قبل السفن الأمريكية في المياه القريبة يجب أن يكون واسع النطاق للغاية ويتطلب إنفاق المزيد من الأسلحة.
أما الخيار الثالث فهو توسيع نطاق التحالف، ولكن هناك معضلات يواجهها الغرب، أولاً، ما إذا كانت القوى الغربية تفضل دفع ثمن حماية التجارة البحرية، والتي تعد الصين مصدرها الأكبر وربما المستفيد الرئيسي منها، وثانياً، ما إذا كان هذا سيسهل قدرة الصين المتنامية على تعزيز التجارة البحرية، وإن ممارسة القوة البحرية سوف تساعد في البحار المفتوحة حيث تكثر التوترات والخيارات السيئة في البحر الأحمر، لكنها تتخذ خيارات أكثر صرامة وسط المياه المضطربة المقبلة.
ويرى بعض الخبراء أنه حسب الاسم الذي تم اختياره للعملية (حارس الرفاه) ونموذج تصريحات الجانب الأمريكي، فإن هذا التحالف البحري ربما سيكون فقط لمرافقة السفن وربما لاعتراض المقذوفات التي تطلق من اليمن، لكن البعض الآخر يرى أيضًا أنه من غير الممكن توفير الأمن والمرافقة الكاملة واعتراض جميع المقذوفات المهاجمة بنسبة 100% في منطقة واسعة تبعد نحو 300 كيلومتر عن السواحل الخاضعة لسيطرة أنصار الله، وخاصة على المدى الطويل.
وفي نهاية المطاف، سيستهدف اليمنيون، في الوقت المناسب، السفن التجارية التابعة لـ”إسرائيل” بطريقة ما ولن يسمحوا لها بالمرور الآمن، لذلك، يعتقد الخبراء الغربيون أنه فقط إذا كانت الولايات المتحدة والدول الحليفة على استعداد لقبول مخاطر الهجمات الجوية والصاروخية على مصدر الصواريخ اليمنية المضادة للسفن والطائرات دون طيار، أو إذا زادت من مستوى الهجمات على المنشآت الحيوية الأخرى.
في اليمن قد تكون هذه العملية ناجحة وهي مسألة ترتبط بتخوف واشنطن من احتمال وقوع هجمات انتقامية مدمرة من قبل أنصار الله على المنشآت النفطية في المنطقة أو حتى السفن الحربية التابعة للتحالف البحري المذكور، وعليهم أن يتوقعوا هجمات عنيفة من قبل أعضاء المحور الآخرين قبل أي عمل مباشر ضد الأراضي اليمنية، لديهم مقاومة ضد المنشآت والمصالح الأمريكية في دول أخرى في المنطقة.
ويظهر الوجود العسكري الغربي في البحر الأحمر أن الولايات المتحدة وحلفاءها يغذون تصعيد التوترات في هذه المنطقة، لكنهم يحاولون الضغط على حكومة صنعاء من خلال خلق مساحة وإجبارها على الانسحاب من العمليات العسكرية، ومع ذلك، فإن أنصار الله لا يعيرون اهتماما لمثل هذه التحركات، وحذروا من أنه طالما استمرت الحرب في غزة، فإن جميع السفن الإسرائيلية ستكون ضمن أهدافهم المشروعة، والآن، حقق أنصار الله قدرات كثيرة في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة والبحر، ويستطيعون توجيه ضربات قاتلة للسفن الأمريكية والسفن الصهيونية.
لقد أظهرت التجربة أن مساعي واشنطن لبناء تحالفات في الخليج الفارسي كان لها نتائج كارثية على دول المنطقة وأعطتها انعدام الأمن بدلا من الأمن ومثال على ذلك الحروب في سوريا واليمن التي قامت بها الدول الإسلامية، حيث هاجم التحالف السعودي المعتدي اليمن في مارس/آذار 2015 بضوء أخضر من الولايات المتحدة وادعى أنه يستطيع احتلال صنعاء خلال أسبوعين وإبعاد أنصار الله عن السلطة، لكن بعد 9 سنوات لم يحققوا شيئا فحسب، بل تمكنت الطائرات بعيدة المدى والطائرات دون طيار لأنصار الله من قلب الميزان لمصلحتها، ويسعى السعوديون الآن جاهدين للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار والخروج من المستنقع الذي صنعوه بأنفسهم