إن نشر نبأ قرار شركة “بوروسان” العملاقة بمغادرة السوق التركية فاجأ الناشطين الاقتصاديين ومديري الصناعات الثقيلة التركية، لأن هذه الشركة القابضة الكبيرة كانت من عمالقة الصناعات التركية منذ سبعين عاماً واستحوذت على السوق التركية بإنتاج أكثر من أربعمئة منتج في مجال إنتاج الأنابيب الفولاذية.
لكن مؤخرا أعلنت بوروسان أنها ستنقل جزءا كبيرا من رأسمالها وصناعاتها إلى أمريكا، والجزء الآخر سيعمل في إيطاليا وعدة دول أخرى، ولن تستمر في العمل في تركيا، ويعمل في هذه الشركة أكثر من 4 آلاف عامل وفني وتعتبر من أهم الشركات القابضة في تركيا.
وقد تم وصف خبر هجرة بوروسان من تركيا في وسائل الإعلام في البلاد بـ “هجرة الإنتاج” و”هجرة رأس المال”، وبالإضافة إلى بوروسان والعديد من الشركات التابعة للصناعات الثقيلة التركية، فإن العديد من الشركات الأجنبية الشهيرة تعمل على مغادرة هذا البلد أيضا.
يقترب الدولار في تركيا تدريجيا من المستوى الرهيب البالغ 30 ليرة، ولا تزال الأزمة الاقتصادية في هذا البلد مستمرة، ونتيجة لذلك، فإن العديد من مجموعات الإنتاج تترك المجال وتتجه نحو المضاربة والوساطة.
وحسب البيانات الشهرية لاتحاد الغرف والبورصات السلعية التركية (TOBB)، تم إغلاق 2 ألف و417 شركة في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وبالمجمل أغلقت 19 ألف و931 شركة تركية في الأشهر الـ11 من العام الجاري، وفي الفترة المذكورة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، ارتفع عدد الشركات المغلقة بنسبة 7.2% وعدد الشركات الفردية المغلقة بنسبة 44.7%.
ويعتقد الخبراء الاقتصاديون الأتراك أنه بالنظر إلى الوضع الحالي للصناعة والإنتاج والخدمات وسوق التجارة في تركيا، فإن عام 2024 سيكون أيضًا عامًا صعبًا بالنسبة لشعب هذا البلد.
سياسة حكومة أردوغان تدفع الشركات نحو الهرب
يحذر العديد من ممثلي الأحزاب المعارضة لأردوغان من أوضاع الأزمة الاقتصادية في تركيا، لكن الفريق الاقتصادي لحكومة أردوغان أعلن أن الوضع يتحسن تدريجياً ومن المتوقع أن يصل التضخم في تركيا إلى رقم واحد في عام 2026.
وفي مؤتمر صحفي، اعتبر بوراك دالغين، أحد نواب حزب الديمقراطية والتقدم في البرلمان التركي، هجرة الشركات الكبيرة من البلاد وضعًا مقلقًا ومؤسفًا، وقال: ” أعلن أصحاب شركة بوروسان العملاقة أنهم سيغادرون تركيا، لأنه في بلدان أخرى، تعمل سياسات دعم الإنتاج على تسهيل الأمر على الصناعات، علينا أن نتفهم وضعهم، لقد حذرنا مرات عديدة في البرلمان، إذا لم نفعل أي شيء لدعم الصناعات، فسوف يغادرون تركيا جميعًا، على الرغم من إنشاء جزء من مصنع بوروسان في عام 1958، إلا أنه تم وضع حجر الأساس له في عام 1912م.
ونتيجة لذلك، ينبغي للمرء أن يتساءل: ماذا حدث حتى وصلت الآن شركة عملاقة عملت وخدمت في هذا البلد لمدة 111 عاماً إلى نتيجة مفادها بأنها لم تعد قادرة على الاستمرار؟ يقول صاحب هذه الشركة: لقد فعلوا شيئاً لم يعد بإمكاننا أن نجني ربحاً، وهذا يعني أن المنتجين لدينا يصبحون أكثر يأساً عاماً بعد عام بسبب سياسات الحكومة ويتوصلون في النهاية إلى نتيجة مفادها بأنه يتعين عليهم نقل رؤوس أموالهم وممتلكاتهم إلى أمريكا وأوروبا”.
ويرى الخبراء الاقتصاديون في تركيا أن ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب زيادة الضرائب، وتقلبات العملة، وزيادة تكلفة الوقود والنقل، وعلاقات تركيا الباردة مع الدول الأوروبية، هي التي جعلت تكلفة الإنتاج ترتفع، وثانياً، أن الصادرات والتسويق تواجه العديد من المشاكل، ثالثا: المستثمر الأجنبي لا يرغب في المشاركة والاستثمار، وتواجه الشركات مشاكل في التمويل.
العلامات التجارية الأمريكية والإنجليزية واليابانية تغادر تركيا
وبالإضافة إلى مراكز الإنتاج الكبيرة مثل بوروسان، فإن العديد من الشركات الأجنبية الكبرى تغادر السوق التركية أيضًا، ومن بين الشركات الأخرى التي تهاجر من تركيا إلى بلدان أخرى واحدة تلو الأخرى، شركة هوندا اليابانية لصناعة السيارات، والمستثمر الأمريكي في بطاريات سيارات فورد، وعملاق النفط الإنجليزي بريتيش بتروليوم.
قررت شركة بريتيش بتروليوم، بيع جميع محطات الوقود التابعة لها في تركيا، وافقت شركة بريتيش بتروليوم على بيع شركاتها التابعة في تركيا لشركة Petrol Ofisi شبه الحكومية، ومن المتوقع أن يكتمل التغيير بحلول عام 2024 على الأقل، وبموجب الاتفاقية، سيتم تسليم 770 محطة BP في تركيا، وبالتالي، ستخرج الشركة البريطانية العملاقة من تجارة بيع الوقود بالتجزئة في تركيا.
بالطبع من المقرر أن تواصل شركة بريتيش بتروليوم أنشطتها الأخرى في تركيا في الوقت الحالي، بما في ذلك خطوط أنابيب كاسترول وباكو-تبليسي-جيهان (BTC) وعمليات خطوط أنابيب TANAP.
وكان من المفترض حتى أشهر قليلة مضت أن تنشئ شركة تصنيع السيارات الأمريكية الشهيرة فورد مصنعًا ضخمًا لبطاريات السيارات في تركيا بالشراكة مع عائلة قوتش الثرية، لكن الآن أعلنت مجموعة قوتش أن الجانب الأمريكي انسحب من الهدف المعلن سابقًا وأعلن رسميًا أنه لا يريد الاستثمار في تركيا.
وبالإضافة إلى الشركات البريطانية والأوروبية، تغادر مجموعة هوندا اليابانية تركيا أيضًا، حيث أغلقت شركة هوندا، التي أعلنت أنها ستتوقف عن الإنتاج في سبتمبر 2021، المصنع رسميًا وسرحت 2000 موظف وعامل تركي.
وقال تاكويا تسومورا، رئيس شركة هوندا تركيا، في تقييمه للأمر: “نحن ندرك ديناميكيات السوق المتغيرة بسرعة والحاجة إلى قيادة التطورات التكنولوجية، ويؤثر هذا الوضع حتماً على عمليات إنتاج السيارات لدينا في تركيا، وأخيراً توصلنا إلى نتيجة مفادها بأنه ليس من المجدي من حيث التكلفة مواصلة العمل في تركيا”.
هل الإعفاء الأحادي هو الحل؟
بأمر من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تم الإعلان عن الإعفاء من التأشيرة لمواطني 5 دول، من الآن فصاعدا، يتمتع حاملو جوازات السفر العادية للولايات المتحدة الأمريكية والبحرين والإمارات العربية المتحدة وكندا والمملكة العربية السعودية وعمان بإعفاءات التأشيرة للرحلات السياحية إلى تركيا.
وتأمل الحكومة التركية في جذب رجال الأعمال الأمريكيين والكنديين والأثرياء من السعودية والبحرين والإمارات إلى تركيا من خلال هذا الإجراء، لكن إحصائيات عام 2023 تشير إلى أن رغبة مواطني الدول العربية في شراء العقارات في تركيا قد واجهت انخفاضا كبيرا.