وفقًا لاستطلاع أجرته جامعة هارفارد، يعتقد 51 في المئة من الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا، أن حماس كانت لديها مبرراتها في هجومها على غلاف غزة في 7 أكتوبر، بسبب الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون، وتُبين النتائج أنه كلما ارتفع معدل أعمار المشاركين، تزدد نسبة التأييد لإسرائيل. كما أشارت جامعة “كوينبياك” الأمريكية إلى أن استطلاعات الرأي التي تطرقت إلى “غزو حماس”، وجدت أن هذا الدعم يتضاءل بسرعة مع انخفاض عمر المستجيبين، أي أن الفئة العمرية للشباب لم تظهر دعمهاً ل”إسرائيل” خاصة بعد ما فعلته في حربها الأخيرة على غزة، بل عارضوا قرار دولتهم، بإرسال أسلحة إلى تل أبيب.
نتيجة صادمة ليس فقط لمؤيدي الاحتلال الإسرائيلي بل لكل متابع للشأن الأمريكي، حيث أتت النتائج في ذروة البروباغاندا الإسرائيلية، وقصصها الملفقة، وخطاب بايدن في بداية الأحداث المؤيد لإسرائيل بشكل كامل الذي وصفه البعض بأنه الأكثر تأييداً ل”إسرائيل” بين جميع الرؤساء الأميركيين السابقين.
لماذا يدعم الشباب الأمريكي حماس؟
يعتمد عدد متزايد من الأمريكيين على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الغالب تيك توك في تتبع الأخبار اليومية، ومشاهدة الأحداث الدموية في ظل الجرائم الإسرائيلية المتتالية.
تطبيق تيك توك أفيون رقمي من صنع الصين، وليس مجرد تطبيق يستخدمه المراهقون لصنع مقاطع فيديو يرقصون فيها. هو أفضل محرك بحث لأكثر من نصف جيل الشباب، وحوالي ستة من كل عشر أميركياً التي تقل أعمارهم عن السابع عشر مدمنون على التطبيق. ويسيطر عليها الخصم الأول لأمريكا، الخصم الذي لا يشارك مصالحها أو قيمها: الحزب الشيوعي الصيني (CCP). الشركة الأم لـ تيك توك، ByteDance، صينية، رئيس تحرير ByteDance، Zhang Fuping، هو أيضًا رئيس خلية الحزب الشيوعي الداخلية للشركة. في هذا الصدد يقول النائب مايك غالاغر إنه “يغسل دماغ شبابنا ضد البلاد وحلفائنا”.
لكن انتشار المحتوى المؤيد لفلسطين على تيك توك لا يرجع إلى خوارزمية التطبيق التي تفضل المحتوى المؤيد للفلسطينيين، وتساهم في انتشاره (بالمناسبة الصين تعتبر خوارزميات تيك توك ثروة قومية) لكن من المؤكد أنها تطرح المحتوى الذي تعتبر أن المستخدم سيتفاعل معه، حسبما ذكرت الشركة في بيان صحفي. بل زعمت أن المراهقين يميلون ببساطة إلى دعم فلسطين بشكل أكبر. وذكر البيان أن “المواقف بين الشباب كانت تميل نحو فلسطين قبل وقت طويل من وجود تيك توك”. وإن الدعم ل”إسرائيل” (مقارنة بالتعاطف مع فلسطين) كان أقل بين الشباب الأميركيين لبعض الوقت.
ويتجلى ذلك من خلال النظر في بيانات استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة غالوب لجيل الألفية والتي يعود تاريخها إلى عام 2010، أي قبل وقت طويل من وجود تيك توك. وتشير البيانات المرتبطة بالبيان إلى أن التعاطف تجاه إسرائيل “إيجابي بقوة” بين الأجيال الأكبر سناً، ولكن جيل الألفية “منقسمون بالتساوي”، حيث يتعاطف 42% أكثر مع فلسطين مقابل 40% فقط يتعاطفون مع إسرائيل.
منذ اندلاع الحرب في غزة، شهدت استطلاعات الرأي، تراجعاً حاداً في دعم الناخبين الشباب لبايدن بسبب موقفه الداعم لإسرائيل. في هذا الصدد، تقول سيتزر المتحدثة السابقة باسم الحملة الرئاسية للمرشح الديموقراطي آل غور إن هذا التراجع في الدعم بسبب: “ما يراه الشباب على (تيك توك) ومواقع التواصل الاجتماعي مختلف جداً عما يعرض في وسائل الإعلام التقليدي”. وتفسرّ: “أعتقد أنه إذا ما نظرنا إلى معظم محطات البث التلفزيوني في الولايات المتحدة، نعتقد أن هناك أغلبية داعمة لإسرائيل. لكن إذا اطّلعنا على منصات التواصل الاجتماعي مع الناخبين الشباب، فسنرى قلقاً أكبر من الأزمة الإنسانية في غزة الآن.
وهذا الانقسام كان محيراً حقيقةً للبيت الأبيض، لأنهم في البداية أعلنوا عن دعم قوي لإسرائيل، لكنهم تراجعوا قليلاً باعتقادي عندما سمعوا ما يقوله التقدميون والناخبون الشباب عن الحاجة للتوازن”. الخوف والعداء الشديد لتيك توك سيطر على عدد لا بأس به من المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين، خصوصاً أن عدد المستخدمين وفق لبعض التقديرات يصل إلى 150 مليون مستخدم.
من الجدير بالذكر، أن ما يجعل المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية يلقى رواجاً أكثر من غيره عند المجتمعات الغربية، هو التفاعل العربي مع هذا المحتوى، ما يوفر للمواطن الغربي نافذة على الأحداث بعيدة عن المصادر الأساسية للأخبار كالتليفزيون والصحف، ومن دون تدخل للرقابة الإسرائيلية التي تعمل على تحريف الأحداث، فيصبحون أقل تأثّراً بالتلاعب الإعلامي، وبانحيازاته الفاضحة للرواية الإسرائيلية، ومحاولة محاصرة الرواية الفلسطينية.
حتى اللحظة، إن الرواية الإسرائيلية مهزومة أمام الرواية الفلسطينية على وسائل التواصل الاجتماعي بالحد الأدنى، مما يعزز الدعم الإعلامي المقاوم في حرب التصورات وتقديم السردية الصحيحة.