مع تصاعد وتيرة العمليات العسكرية اليمنية، عاد الحديث عن تشكيل حلف عسكري لحماية السفن المتجهة نحو كيان الاحتلال. هذا الحلف الذي عُمل على تأسيسه سابقاً، وبذلت الولايات المتحدة جهوداً لوضعه قيد التنفيذ، لم تتجاوز مكاسبه العبء الذي أثقل الدول المَعنيّة في تلك الفترة. وفيما اعتبر اليمن أن مختلف تلك الجهود “لا قيمة لها”، تضطر واشنطن إلى المضي في هذا المسار، لتخفيف الاحتقان الإسرائيلي من عدم ردها على استهداف قواتها من جهة، ولشد عصب بعض الأنظمة العربية لاتخاذ مواقف أكثر انحيازاً في ظل التشرذم الذي أصابها منذ 7 أكتوبر.
بدأت واشنطن بحشد الأطراف لتشكيل الحلف. وتلقت الحكومة التابعة للسعودية في عدن دعوة للمشاركة في تحالف عسكري متعدد الجنسيات لمواجهة العمليات العسكرية اليمنية في البحرين الأحمر والعربي. وفيما أبدت عدن نيتها المشاركة في الحلف الذي سيقام بدعم من السعودية والامارات، تقف بقية الدول في حيرة من أمرها، تدرس العواقب والتبعات، على ضوء التصعيد المستمر والمتسارع في الأحداث. وهنا يطرح السؤال: هل ينجح حلف عسكري من إيقاف الهجمات او التقليل من تأثيرها؟
يعتبر تفكيك المشهد في البحر الأحمر معقداً. اذ أن التعويل على القدرة بحصر الاشتباكات -ان حصلت- في تلك البقعة الجغرافية، هو محكوم بالفشل. اذ ان الحلف الذي بدأ يتبلور مع اشتداد وتيرة المعارك في اليمن، والتحشيد العربي-الدولي ضد إيران، أثبت محدوديته في التعامل مع أي “تهديد” من هذا النوع على امتداد البحرين والخليج. وعلى الرغم من أن “النسخة السابقة” المشابهة لهذا الطرح قد أجرت مناورات “لضمان الأمن البحري وتعزيز التعاون البحري الإقليمي”، إلا أنها لم تستطع خلق حالة من الردع ضد الهجمات اليمنية على وجه التحديد.
في محاولة تفكيك الخيارات المطروحة أمام الحلف العسكري، يبرز عدد من المحاذير والمفارقات التي تجعل من هذه الجهود أقل جدوى:
-تسيير زوارق حربية إلى جانب السفن التجارية. تكمن نقطة ضعف هذا الخيار، في عدم أهلية هذه الزوارق لردع صاروخ يستهدف الناقلة. وإذا كان الهدف منها منع الاحتجاز والذي تعرضت له سفينة غالاكسي ليدر، فإن عدم الاستجابة للتحذيرات اليمنية سيعرضها للاستهداف لا الاحتجاز، كما حال السفينة النرويجية “استريندا” التي كانت تحمل مواداً كيميائية ومتجهة إلى مرفأ “أسدود”. أضف إلى ذلك الصعوبات التي ستواجه تطبيق هذا الطرح ما يجعله غير منطقي أو محدود.
-تحشيد المدمرات الكبيرة والسفن الحربية في تلك المنطقة لاعتراض الصواريخ والمسيرات. وهذا ما سينقل المنطقة إلى مرحلة أخرى، توازياً مع الرفض الصيني والروسي لتحويل الممرات البحرية إلى ساحة اشتباك أو وضعها في حالة عدم اليقين.
-تولي السعودية والامارات مهمة الردع. وهو أمر دونه محاذير كثيرة. مع رغبة الطرفين بالحفاظ على الهدوء في تلك المنطقة، بعد 8 سنوات من القصف المتبادل والذي طال البلدين. في حين أن الرياض قد تقرأ الدفع باتجاه هذا الخيار على أنه توريط أميركي.
من ناحية أخرى، فإن أي من الجهود المبذولة لردع العمليات العسكرية اليمنية، وعلى مختلف المستويات حتى الدبلوماسية منها، هو بعينه هدف صنعاء. اذ تركز القوات المسلحة على استنزاف واشنطن وتل أبيب بالجهد والوقت والتكاليف. خاصة وأن بنك الأهداف الأميركية الإسرائيلية في تلك المنطقة، (البحر الأحمر- باب المندب- الجزر اليمنية- القواعد العسكرية في ارتيريا والدول الافريقية المحاذية) ذاخر وغني، وأي من التكنولوجيا العسكرية لن تستطيع تغطية كامل المنطقة المترامية الأطراف.
ويقول المدير المؤسس لمركز أبحاث حيفا للسياسة والاستراتيجية البحرية في جامعة حيفا ونائب رئيس العمليات السابق في البحرية الإسرائيلية، البروفيسور شاؤول تشوريف، أن “الحوثيون يشكلون تهديداً كبيراً لإسرائيل وتحدياً استراتيجياً واسعاً له تداعيات عالمية”.
“هناك طريق شحن رئيسي هنا، ربع تجارتنا مع الشرق الأقصى، وفي النهاية يهدد الحوثيون سلسلة التوريد الإسرائيلية بأكملها في البحر الأحمر”. مضيفاً أنه “يجب على إسرائيل صياغة حل، إما بنفسها أو بمساعدة الولايات المتحدة”.
وفي إشارة إلى التحالف الدولي الذي حشد ذات مرة حرباً على القرصنة قبالة سواحل الصومال، يقول شوريف إنه “أقل تفاؤلاً بشأن تحالف ضد الحوثيين في البحر الأحمر. في عالم الشحن اليوم، يكون هيكل ملكية السفن ضعيفاً في أحسن الأحوال، ويمكن أن تنتمي الشحنات نفسها إلى الشركات في جميع أنحاء العالم. لكن هذا لا يعني أن الدول الأخرى ستسارع إلى الوقوف إلى جانب إسرائيل: فهي تعتقد أن معظمهم قد يرون هذه الهجمات على أنها مشكلة إسرائيل”.