بعد خطوة أولى قبل عدة أسابيع تمثلت بإغلاق البحرين الأحمر والعربي أمام السفن الصهيونية، وفي مقابل استمرار العدوان الصهيوني وتشديد حصاره على غزة، اتخذت القوات المسلحة اليمنية خطوة جديدة تمثلت بمنع مرور السُّفُن المتجهة إلى الكيان من أي جنسية كانتْ، إذا لم يدخل للقطاع حاجتُه من الغذاء والدواء.
الحصار مقابل الحصار معادلة وقرار يمن كما هو واضح من بيان القوات المسلحة، في التاسع من ديسمبر، يهدف إلى تخفيف المعاناة عن غزة فإذا تدفق الغذاء والدواء إلى القطاع المحاصر فسيتم التراجع عن هذه الخطوة، كما أنه يأتي في مواجهة الضغط الأمريكي الرامي بثقله لاستمرار الحرب والعدوان على الشعب الفلسطيني، وقد جاءت الخطوة اليمنية مباشرة بعد إجهاض الولايات المتحدة مشروع قرار في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في غزة، وإذا كان مجلس الأمن غير قادر على رفع الحصار فإن لصنعاء خيارتها لكسره.
وردا على استمرار العدوان وتشديد الحصار على غزة، وسعت البحرية اليمنية الحظر على الملاحة الصهيونية بشقيها العسكري والتجاري في البحرين الأحمر والعربي وباب المندب لتشمل أيضا السفن من جنسيات أخرى التي تتخذ موانئ كيان العدو وجه لها، ليلقي القرار بتأثيراته مباشرة على الاقتصاد الصهيوني وهذا ما عكسه الإعلام العبري الذي خصص تغطيات واسعة لمناقشة ما وصفه بالتهديدات اليمنية وتأثيراتها الاستراتيجية على اقتصاد الكيان، على المدى القريب والمتوسط والبعيد من خلال وارتفاع أسعار الغذاء والسلع، وتكلفة التأمين، و شل الملاحة وتوريد المواد الأولية اللازمة لتشغيل المصانع والإنتاج في لعدو.
ومن ناحية أخرى، هذا القرار اليمني الجريء، أثبت أن صنعاء تسير وفق خطوات استراتيجية مدروسة، فقد جاءت “بعد نجاح القوات المسلحة اليمنية في فرض قرارها منع السُّفُن الإسرائيلية من الملاحة في البحرين الأحمر والعربي ونتيجةً لاستمرار العدو الصهيوني في ارتكابِ المجازرِ المروعةِ وحربِ الإبادةِ الجماعيةِ والحصارِ بحقِّ إخوانِنا في غزة”.
ويبدو أن توقيت هذه الإجراءات خصوصا بعد الفيتو الأمريكي، يدلل على أن لدى اليمن المزيد من الخطوات القادرة على إيلام الأمريكي، ففي حال إصرار واشنطن على مواصلة دعم العدوان على غزة سيكون هناك ارتدادات عليها (أمريكا)، فصنعاء دخلت المعركة بعد السابع من أكتوبر نصرة لغزة بسبب المشاركة الأمريكية “المباشرة” في العدوان، ومن ذلك الحين توالت الخطوات من الاستهداف المباشر لكيان العدو، إلى إيقاف الملاحة الصهيونية في البحرين العربي والأحمر، والآن خطوة أكثر وجعا للعدو من خلال منع السفن الأجنبية التي تتعامل مع موانئ العدو.
وفي مقابل الخيارات المتعددة التي تمتلكها صنعاء، والقدرة على فرض معادلات عسكرية واقتصادية جديدة، تتقلص الخيارات أمام واشنطن “حامية كيان العدو” و”تدرك الولايات المتحدة أن تصعيد التوتر في البحر الأحمر من خلال شن أي هجوم على اليمن قد يؤدي إلى ما يخشى منه الأمريكي ومعه دول الغرب، وبمعنى إذا كان اليمن بوقوفه مع فلسطين يمثل بالنسبة لهم مشكلة فإن التعامل السلبي مع هذه المشكلة سوف يؤدي إلى مشكلة أكبر” وفقا لعبدالله عامر نائب مدير التوجيه المعنوي للقوات المسلحة اليمنية.
ويضيف عامر “يحق للسفن الحربية كالأمريكية المرور من مضيق باب المندب، لكن وبحسب القانون الدولي لا يحق لها التهديد بالقوة أو استعمال القوة ضد الدولة المشاطئة”، و “عندما يدافع اليمن عن نفسه فلا يهمه وقتها من يكون الطرف الآخر أمريكياً بريطانيا فرنسياً هو في النهاية معتدي وبالتأكيد أن الجانب الفرنسي خير من يدرك ذلك فله تجربة سابقة في 2018م”، في إشارة إلى أن واشنطن قد تلجأ إلى استخدام قوات حليفة لها لاستهداف اليمن.
ويرى مراقبون أن السفن والبوارج الأمريكية ضمن النطاق الحيوي اليمني في البحر ليست إلا كالبط العائم واليمن يمتلك الأسلحة الكفيلة بإغراقها، ولأمريكا وحلفاؤها الخيار إن أرادت مواجه اليمن، وتحويل البحر الأحمر إلى ساحة حرب، “فأقسى خيارات صنعاء لم تبدأ بعد” وفقا لحسين العزي نائب وزير الخارجية اليمني، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن ” تفادي الحرائق وتعقيدات توسع الحرب بالمنطقة ما يزال ممكنا” في حال وقف العدوان على غزة.