دولة تبعد عن فلسطين المحتلة نحو 2000 كيلومتر، تمكنت خلال الشهر الماضي من توجيه أشد الضربات فتكا إلى جسد الكيان الصهيوني الهش، ففي 28 نوفمبر، وبعد الإبادة الجماعية الوحشية لشعب غزة على يد الجيش الإسرائيلي، أعلنت الحكومة اليمنية من خلال نشر بيان أن السفن ذات المواصفات التالية موجودة في بنك الأهداف اليمني:
1. السفن التي تحمل علم الكيان الصهيوني.
2. السفن التي تستخدمها الشركات الإسرائيلية.
3. السفن المملوكة لشركات إسرائيلية
لماذا ذهب اليمن ضد الصهاينة في البحر؟
منذ عام 2019، ظهر موضوع في وسائل الإعلام الغربية تحت عنوان الحرب البحرية بين “إسرائيل” وإيران، حرب كان على تل أبيب، بالطبع، أن تنتهي من جانب واحد بعد عامين، وكانت القصة أن الكيان الصهيوني كان ينفذ عمليات تدميرية ضد ناقلات النفط الإيرانية في إطار استراتيجية الضغط الأقصى الأمريكية لتعطيل العلاقات التجارية مع إيران، وكان الموضوع الأول للإعلان يتعلق بالاشتباه في تعطل ناقلة نفط إيرانية في البحر الأحمر في مايو/أيار 2019.
وأفاد موقع “ديبكا فايل”، وهو موقع إخباري متعلق بالمؤسسات الأمنية التابعة للكيان الصهيوني، نقلا عن مصادر أمريكية، في عام 2021، بأن “إسرائيل” استهدفت 12 ناقلة نفط إيرانية في فترة عامين من 2019 إلى 2021. وكانت هذه العمليات على شكل زرع ألغام على طريق السفن المتجهة إلى البحر الأبيض المتوسط، ومن الأمثلة الأخرى قصة سفينة سافيز التي اصطدمت بلغم بحري في 17 أبريل 2021 بالقرب من سواحل إريتريا في البحر الأحمر.
الحرب البحرية بين إيران و”إسرائيل” تم نفيها على مستوى الجهات الرسمية، أما على مستوى الإعلام فقد تم تداولها بشكل مختلف، وكتب يوسي ميلمان، الصحفي الأمني لدى الكيان الصهيوني، في هذا الصدد: “كانت الأمور تسير على ما يرام حتى قررت إيران أن هذا يكفي”.
ووفقا لادعاءات وسائل الإعلام الغربية، تم استهداف سفينة شحن يملكها رامي أونجار، أحد أغنى الإسرائيليين في العالم، ورامي أونجار هو أحد أقرباء “يوسي كوهين” رئيس الموساد السابق والناشط في مجال وساطة السيارات والتجارة البحرية، و”رامي أونجار” هو صاحب السفينة نفسها التي استولت عليها قوات أنصار الله اليمنية في البحر الأحمر يوم 28 نوفمبر الماضي.
وذهبت الاحداث في اتجاه قيام الكيان الصهيوني بإنهاء هذه الحرب البحرية من جانب واحد في عام 2021، والسبب في ذلك يمكن رؤيته من خلال تحليل يوسي ميلمان، الخبير الأمني الإسرائيلي، الذي كتب: “الطرق البحرية هي نقطة ضعف إسرائيل”، ولكن الآن، وضعت جماعة أنصار الله في اليمن يدها على نقطة الضعف هذه، وأدى الاستيلاء على سفينة جالاكسي ليدر إلى إحداث موجات من الصدمة في مجتمع الأعمال الإسرائيلي وسلط الضوء على مدى ضعف الممتلكات الإسرائيلية في المناطق المتنازع عليها.
وأفاد الكيان المعروف بمرصد التعقيد الاقتصادي (OEC) في عام 2021 بأن القيمة الدولارية لصادرات الكيان الصهيوني بلغت 64.1 مليار دولار، وقدرت وارداته بـ 92.1 مليار دولار، في المقابل، وحسب إحصائيات وزارة المواصلات في الكيان الصهيوني، فإن معظم تجارة “إسرائيل” الدولية تتم عن طريق البحر، وتقع موانئها التجارية الرئيسية في مدن حيفا وأشدود وإيلات، والتي تضم 98% منها، من حجم واردات وصادرات هذا الكيان، وهذا يعني أن اقتصاد الكيان الصهيوني يعتمد على الممرات البحرية.
وبناء على الموضوع نفسه فإن الكيان يعتمد على الشحن البحري من البحر الأحمر لتصدير أو استيراد السلع والخدمات من الدول الآسيوية وأوقيانوسيا وعدد من دول القرن الأفريقي:
نظام الاستيراد
الصين (14.3%)، الهند (3.68%)، هونج كونج (3.067%)، كوريا الجنوبية (2.22%)، سنغافورة (1.84%)، اليابان (1.8%)، تايوان (1.12%)، تايلاند (0.9%)، وفيتنام (0.62%)، وإندونيسيا (0.18%)، وسريلانكا (0.17%)، والفلبين (0.089%)، وبنغلاديش (0.067%)، وكمبوديا (0.019%)، وماليزيا (0.011%) هي المصادر الآسيوية لواردات الكيان الصهيوني، أضف إلى هذه الأرقام جنوب أفريقيا (0.28%) وأستراليا (0.27%) ونيوزيلندا (0.032%)، وأكثر من 30% من إجمالي واردات الكيان الصهيوني تمر عبر البحر الأحمر.
صادرات الكيان الصهيوني
الصين (7.86%)، الهند (4.41%)، تايوان (2.63%)، هونج كونج (2.43%)، كوريا الجنوبية (2.26%)، اليابان (1.81%)، سنغافورة (1.17%)، فيتنام (0.9%)، وتايلاند (0.66%)، والفلبين (0.44%)، وسريلانكا (0.17%)، من بين الوجهات الآسيوية لصادرات الكيان الصهيوني، أضف إلى هذه الأرقام أستراليا (1.06%) وجنوب أفريقيا (0.38%) ونيوزيلندا (0.18%). وما يقرب من 30% من إجمالي صادرات الكيان الصهيوني تمر عبر البحر الأحمر.
بالإضافة إلى القيمة الدولارية للسفن وحمولاتها، فإن تأمين السفن مهم أيضًا في مسألة النقل البحري، وإذا تم تأكيد الاستراتيجية الجديدة للحكومة اليمنية، فإن شركات التأمين ستعيد النظر في الطريقة التي تقدم بها الخدمات للسفن الإسرائيلية، وشهدت شركات الشحن زيادة في أقساط التأمين 10 أضعاف قبل الاستيلاء على السفينة بسبب خطر الحرب، وكقاعدة الاستيلاء على السفينة الإسرائيلية واحتمال تحول الصراع البحري إلى حرب بحرية يمكن أن يزيد هذا الرقم أضعافا مضاعفة.
إن منع مرور السفن الإسرائيلية عبر اليمن أمر مهم لأنه سيؤثر على أسعار السلع الاستهلاكية، لأنه في سلعة واحدة فقط، يدخل أكثر من 70% من المواد الغذائية التي يحتاجها الصهاينة إلى الأراضي المحتلة عن طريق البحر، لا تنتهي القصة هنا ولن ينجو رجال الأعمال الإسرائيليون في جميع أنحاء العالم أيضًا، وكانت سفينة جالاكسي ليدر المملوكة لرامي أونجار مسافرة من تركيا إلى الهند عندما استولت عليها القوات اليمنية.
ولن يكون من السهل على الصهاينة أن يغيروا الطريق البحري من البحر الأحمر، لأن ذلك يعني تجاوز القارة الأفريقية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع هائل في التكاليف بالنسبة للشركات الصهيونية في العالم، ويعد البحر الأحمر ومضيق باب المندب من أهم الاختناقات التجارية في العالم، وأحد جانبيها اليمن والجانب الآخر دولة صغيرة تسمى جيبوتي، ولهذا السبب تمركزت الجيوش الخارجية للولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا وإنجلترا واليابان والصين في جيبوتي على مسافة قريبة من بعضها البعض للسيطرة على هذا الممر المائي الاستراتيجي للعالم.
لقد وجهت اليمن، الدولة التي تبعد حوالي 2000 كيلومتر عن فلسطين المحتلة، أعنف الضربات للجسم الهش للكيان الصهيوني في الشهر الماضي، ولقد وصلت الصواريخ والطائرات دون طيار اليمنية إلى المكان الأكثر أمانًا للصهاينة لعشرات المرات من خلال مرورها عبر طبقات الدفاع للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن ومصر.
وتقاتل جماعة أنصار الله اليمنية “إسرائيل” وحلفاءها في البحر الأحمر منذ الأحد 28 نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك بالسيطرة على السفن الصهيونية، ولقد حدث هذا الإجراء بينما كانت البحرية الأمريكية على أهبة الاستعداد في البحر الأحمر مع حاملة طائرات الهليكوبتر (LHD-5) يو إس إس باتان، وتم إرسال السفينة المذكورة إلى الخليج الفارسي في أغسطس/آب بهدف مواجهة البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، والتي توجهت الآن إلى المناطق المجاورة لليمن.
وبعد استيلاء اليمن على السفينة الإسرائيلية، غادرت سفينتان إسرائيليتان أخريان هما “جلوفيس ستار” و”هيرميس ليدر” البحر الأحمر والأراضي اليمنية، وأعلن اللواء محمد فضل عبد النبي قائد البحرية اليمنية بالقول: “نحذر من أن أي وحدة عسكرية تحمي السفن الإسرائيلية ستكون هدفاً مشروعاً لعملياتنا ضد إسرائيل”.