ربما تكون هذه هي الحرب الأولى التي يكون تأثيرها أكبر على الكيان الإسرائيلي ولهذا السبب لا يزال المسؤولون الإسرائيليون يعيشون في صدمة ما بعد الضربة.
تعتبر الخسائر المباشرة هي الخسائر التي تأتي نتيجة الأضرار المادية المترتبة على العملية العسكرية، إذ دمرت عملية “طوفان الأقصي” العديد من المباني الإسرائيلية والمدن وتُعد من أكبر الخسائر المادية للكيان الإسرائيلي قصف مدينة عسقلان، حيث تعرضت بها عشرات المواقع للقصف، وتعد عسقلان من المناطق التي تنتشر بها المنشآت النفطية الإسرائيلية، الأمر الذي يُعد تهديدًا لمشروع النفط الإسرائيلي، فضلًا عن قصف ثاني أكبر محطة كهرباء بالكيان الإسرائيلي، وإلحاق الضرر بقطاع الاتصالات الخلوية.
كما اندلع حريق كبير بمجمع للسيارات المستوردة بغلاف غزة من جراء القصف الصاروخي من جانب المقاومة، إضافة إلى الأضرار الكبيرة في البُني التحتية داخل “إسرائيل”، إذ رجح بعض الخبراء الاقتصاديين أن إعادة إعمار البنى التحتية في الكيان الإسرائيلي ستكلفها على الأقل مليار دولار، إضافة إلى تكاليف أخرى، من المتوقع أن يتحمل الكيان الإسرائيلي على الأقل 1.26 مليار دولار جراء هذه العملية.
أما أهم الخسائر غير المباشرة:
1- انخفاض معدل السياحة: ترتب على حالة عدم الاستقرار الأمني، التي سبّبتها عملية “طوفان الأقصى” إلغاء العديد من شركات الطيران الأجنبية رحلاتها الجوية من وإلى الأراضي المحتلة، وهو ما سيترتب عليه انخفاض عدد السياح الوافدين إلى الكيان الإسرائيلي بشكل كبير، ما سيجعلها تتحمل خسائر كبيرة من انخفاض تدفق الأموال الأجنبية إليها، فالسياحة الوافدة توفر للكيان الإسرائيلي 13.5 مليار شيكل، وانخفاض إيرادات السياحة سيُحمّل الاقتصاد الإسرائيلي العديد من الأضرار المادية على مستوى العديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية.
2-ارتفاع عجز الموازنة: إن ارتفاع حجم الخسائر المادية سيتم تعويضه من خلال زيادة الإنفاق على إعادة تأهيل البنى التحتية وتعويض الأهالي عن الأضرار التي نتجت عن الحرب، سيعمل على زيادة عجز الموازنة على الجانب الإسرائيلي، الذي ارتفع في يونيو الماضي إلى 9% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المحتمل أن ترتفع هذه النسبة بشكل ملحوظ بعد العملية؛ نتيجة الإنفاق المتزايد الذي سيتحمله لإعادة إعمار ما تم هدمه.
3-انخفاض الاستثمارات الأجنبية: سيترتب على الأحداث الحالية داخل الكيان الإسرائيلي، عزوف العديد من المستثمرين عن فتح استثمارات جديدة بها، إذ إن عدم الاستقرار يعتبر من العوامل الطاردة للاستثمار، ومن منطلق أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تُحقق دخلًا كبيرًا للاقتصاد الإسرائيلي، إذ بلغ حجم هذه الاستثمارات 129.8 مليار دولار في يوليو 2023، وهو ما يُرجح أن الكيان الإسرائيلي سيفقد جزءًا كبيرًا من هذه الاستثمارات من جراء العملية الحالية، إضافة إلى خسارته لجزء كبير من تدفقات رأس المال التي بلغت 295 مليون دولار في يوليو 2023.
4-زيادة حجم الديون: إن حجم الديون الخارجية بلغت 156.3 مليار دولار في يوليو 2023، كما بلغ حجم الدين العام 60% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2022، ومن المتوقع بشدة أن تزداد هذه الأرقام في نهاية العملية الحالية، إذ إن حجم الأضرار الناتجة عن العملية كبير جدًا، الأمر الذي لا تتحمله الموازنة العامة الإسرائيلية، ما سيعمل على زيادة الاقتراض الخارجي.
ويؤكد الخبراء الاقتصاديون في الكيان الصهيوني أن استمرار الصراع واتساع نطاقه سيؤدي إلى زيادة معدل التضخم وشل الأنشطة الإنتاجية تقريبا ومن ثم انخفاض المعروض من السلع، الأمر الذي سيضر بالصناعة المحلية، بالإضافة إلى ذلك، فإن الأضرار المحتملة التي تلحق بالكيان الإسرائيلي وبالبنية التحتية الحيوية، وخاصة الغاز الطبيعي، ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الكهرباء، وكل هذه العوامل، إلى جانب الصراعات العسكرية التي تضر بقطاع الخدمات، ستؤدي في النهاية إلى زيادة التضخم.
الاقتصاد الإسرائيلي على مشارف الركود
حذرت وزارة المالية الإسرائيلية مؤخرا من أنه إذا استمرت الحرب في غزة فإنها ستضع الاقتصاد الإسرائيلي في ركود شديد للأشهر المتبقية من العام الحالي والعام المقبل، وسيتفاقم الوضع إذا امتدت الحرب إلى عدة جبهات. لكن في الآونة الأخيرة، أكدت وكالات ومؤسسات مالية واعتمادية دولية، مثل بلومبرج وفيتش وستاندرد آند بورز، أن الاقتصاد الإسرائيلي يتجه نحو نظرة مستقبلية سلبية وتدهور غير مسبوق.
منذ بداية طوفان الأقصى، شاع مصطلح “اقتصاد الحرب” بين الصهاينة، وهم يرون بأم أعينهم حجم الأضرار الاقتصادية التي لحقت ب”إسرائيل” وعواقبها الكارثية على حياتهم ومعيشتهم.
إحدى الضربات الاقتصادية الأكثر وضوحاً التي تعرض لها الكيان الصهيوني منذ بداية حرب غزة قبل شهرين، هي أنه أصبح من الواضح للعالم أجمع أن اقتصاد “إسرائيل”، مثل هذا الكيان نفسه، يعتمد بشكل كامل على دعم الغرب والولايات المتحدة، فضلاً عن جزء كبير من اقتصاد الكيان الصهيوني، الذي كان يعتمد على الضرائب، وبعد الحرب واجه مصدر الدخل هذا تحدياً أساسياً.
تحديات الكيان الصهيوني في قطاع المال والسيولة
– تراجع احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي للكيان الصهيوني من 198 مليار دولار إلى 191 مليار دولار.
وبلغ عجز ميزانية الكيان الصهيوني 6 مليارات دولار في تشرين الأول/أكتوبر، و10 مليارات دولار في تشرين الثاني/نوفمبر.
– قدر البنك المركزي للكيان الصهيوني تكلفة الحرب لهذا النظام بـ 53 مليار دولار، أي ما يعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي لهذا النظام، لكن المعلومات تظهر أن خسائر “إسرائيل” في هذا القطاع ستكون أعلى بكثير.
– في الأسبوع الأول من الحرب، استخدم البنك المركزي لكيان الاحتلال احتياطياته من النقد الأجنبي البالغة 45 مليار دولار لأول مرة لمنع انخفاض قيمة عملة هذا الكيان، لكن ضغوط الرقابة العسكرية الإسرائيلية تمنع الكشف عن هذه الإحصائيات.
أضرار جسيمة لحقت بقطاع التكنولوجيا التابع للكيان الصهيوني في حرب غزة
ويعتبر قطاع التكنولوجيا أقوى قطاعات الكيان الصهيوني اقتصاديا، إذ يمثل 28% من الناتج المحلي الإجمالي ونحو 50% من الصادرات، ويعمل فيه نحو 15% من القوى العاملة.
ومع استدعاء 90 ألف عامل من هذا القطاع إلى الجيش للمشاركة في حرب غزة، تعرض قطاع التكنولوجيا في الكيان الصهيوني إلى الضرر الأكبر. بالإضافة إلى ذلك، ومع فشل أجهزة التجسس والمخابرات الإسرائيلية في التنبؤ بعملية اقتحام الأقصى، تراجعت الثقة في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي إلى حد كبير.
قطاع السياحة في فلسطين المحتلة يرزح تحت وطأة طوفان الأقصى
بعد بدء عملية اقتحام الأقصى، تعرض قطاع السياحة التابع للكيان الصهيوني، والذي يلعب دورًا مهمًا في الناتج المحلي الإجمالي لهذا النظام وخلق العديد من فرص العمل للصهاينة، لأكبر قدر من الضرر. وفي بعض مناطق فلسطين المحتلة، انخفض الدخل من السياحة بنسبة 70%، وفي المناطق القريبة من غزة، وكذلك المناطق الشمالية من الأراضي المحتلة القريبة من حدود لبنان، أصيب قطاع السياحة لدى الإسرائيليين بالشلل التام.
وحسب تقرير وكالة بلومبرغ والمنظمة المعروفة بوزارة السياحة في الكيان الصهيوني، فإن الأضرار التي لحقت بقطاع السياحة التابع لهذا النظام، والذي يشكل 5% من الناتج المحلي الإجمالي و6% من القوى العاملة فيه، بلغت 98 مليون دولار يوميا.
انخفاض النمو الاقتصادي والدخل
أعلنت وزارة المالية في الكيان الصهيوني، في تقرير لها، أشارت فيه إلى الانخفاض الكبير في النمو الاقتصادي لهذا النظام خلال الشهرين الأخيرين، أنه من المتوقع أن ينخفض النمو الاقتصادي ل”إسرائيل” من 2.7% إلى 0.5% في عام 2024، ما يعني أن الاقتصاد في حالة من الركود والإيرادات مستمرة في الانخفاض.
أضرار كبيرة على القطاع العقاري
يشكل قطاع العقارات في فلسطين المحتلة 6% من إيرادات موازنة الكيان الصهيوني، وأظهرت المعلومات المتعلقة ببيع العقارات في الأراضي المحتلة انخفاضا غير مسبوق في هذا المجال، حيث بلغت نسبة بيع العقارات في عسقلان 78%، في حولون 73.4%، في بئر السبع 68.5%، في أشدود 65.8%، وفي حيفا 48%، وفي القدس انخفضت بنسبة 47%.
أقساط وديون الكيان الصهيوني
ومع بدء حرب غزة، تم تأجيل سداد 117 ألف قسط تتعلق بقروض الإسكان في فلسطين المحتلة بقيمة 727 مليون دولار، وهو ما يعني أضرارا مباشرة على القطاع المصرفي للكيان الصهيوني، وخاصة إذا استمرت هذه العملية لعدة أشهر.
وأعلنت الوكالات المالية بلومبرغ وفيتش وستاندرد آند بورز في تقرير لها أن الدين المحلي ل”إسرائيل” وصل إلى 300 مليون دولار، ما يدل على أن اقتصاد النظام يتجه نحو نظرة سلبية وتدهور غير مسبوق. وأعلنت المؤسسات المالية الدولية أن اقتصاد “إسرائيل”، الذي اعتبره صندوق النقد الدولي قويا وفعالا، سرعان ما دخل في حالة ركود بعد بدء حرب غزة، وهو اليوم يعيش حالة من الاضطراب.
هذه الخسائر تمثل ربما إنجازاً جديداً يضاف إلى الإنجاز الذي حققته قوات المقاومة الفلسطينية في توجيه ضربة قاضية عسكرية وأمنية واستخباراتية للكيان ونراها الآن توجه ضربة قاضية اقتصادية لهذا الكيان المتهاوي ولا يبدو أن الكيان سيتمكن من الوقوف على قدميه كما كان في السابق فهذه العملية غيرت كل شيء.