منذ بدء الحرب على غزة، اتخذت العلاقات الروسية الإسرائيلية منحى أكثر تعقيداً كانت الحرب في أوكرانيا قد مهدت لها الطريق سابقاً. وفيما كانت سوريا تعد النقطة الأكثر حذراً في مناورة الطرفين طيلة السنوات الماضية، استحوذ القطاع على حصة الأسد من الخلافات المتزايدة بين الطرفين والتي بدأت تظهر علانية في الاجتماعات الدبلوماسية على شكل اشتباكات كلامية، كتلك التي صرح فيها الممثل الدائم لروسيا في الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، بأن “إسرائيل قوة احتلال وليس لها الحق في الدفاع عن نفسها”.
كان لاستقبال موسكو لوفد من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تداعيات كبيرة لم تستطع تل أبيب تجاوزها. معتبرة أن الزيارة أكبر من مجرد “تكتيك” سياسي بل رسالة واضحة المعاني. وتأتي إشارة بعض التقارير الغربية عن تنفيذ جيش الاحتلال لضربات في سوريا دون اخطار روسيا، ضمن هذا الإطار أيضاً.
دافعت روسيا عن قرارها استضافة أعضاء حماس في عاصمتها، قائلة إنه من المهم الحفاظ على العلاقات مع كلا الجانبين في الصراع بين إسرائيل وحماس. وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن الاجتماعات كانت جزءاً من الجهود الروسية لتأمين إطلاق سراح الرهائن من غزة.
لكن وصف حماس للاجتماعات يرسم صورة مختلفة، حيث أشادت بجهود روسيا لإنهاء “جرائم إسرائيل التي يدعمها الغرب”. وفي أعقاب الاجتماعات، أعلنت حماس أنها تبحث عن ثمانية رهائن في غزة طلبت روسيا إطلاق سراحهم، “لأننا ننظر إلى روسيا على أنها أقرب صديق لنا”، كما قال عضو المكتب السياسي لحماس أبو مرزوق في 28 تشرين الأول/أكتوبر.
علانيةً، انتقد المسؤولون الروس مراراً معاملة إسرائيل للفلسطينيين. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن قصف إسرائيل لغزة مخالف للقانون الدولي. وقارن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحصار الذي فرضته إسرائيل على غزة بحصار ألمانيا النازية للينينغراد خلال الحرب العالمية الثانية، وهو أحد أكثر الأحداث المؤلمة في التاريخ الروسي التي قتل خلالها مئات الآلاف من المدنيين الروس.
في حين، ذهب آخرون في روسيا إلى أبعد من ذلك، بحجة أن الوقت قد حان لإعادة تقييم علاقتها مع إسرائيل. “من هو حليف إسرائيل؟ الولايات المتحدة الأمريكية”، كتب أندريه غوروليف، نائب مجلس الدوما وعضو لجنة الدفاع، على Telegram.
كان الصراع بين روسيا والغرب في أوكرانيا، أولى علامات التمايز الصارخة في المصالح بين كل من تل أبيب موسكو. حيث اصطفت إسرائيل بشكل واضح مع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام.
في السنوات الأخيرة، سعى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى تصوير إسرائيل كلاعب مستقل، وقدّم نفسه كزعيم قادر على الحفاظ على اتصال متزامن مع الرؤساء الأميركيين والصينيين والهنود والروس. لكن الدعم الذي قدمه الرئيس الأميركي جو بايدن والقادة الأوروبيون لإسرائيل منذ بداية الحرب في غزة يعزز وجهة النظر في إسرائيل بأنه عندما يحين وقت الدفع، يمكن الاعتماد على الغرب فقط لدعمه.
وكان من الظاهر، ان نتنياهو سيسعى إلى تجنب الخلافات مع واشنطن والغرب على الساحة الدولية للحفاظ على هذا الدعم طوال حربه على غزة. في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، على سبيل المثال، فرضت البنوك الإسرائيلية قيودا على حسابات بعض المواطنين الروس تماشياً مع تعليمات الاتحاد الأوروبي.
ثمة من يقول أن روسيا بعد الحرب في أوكرانيا، لم تعد كما قبلها. وعلاقاتها مع دول المنطقة تغيّر وفقاً لهذا المعيار. ووفقاً للمحلل السياسي والمؤلف والأكاديمي مارك جالوتي، “إذا فكرت في من تحتاجه روسيا حقاً، فإنها تحتاج إلى إيران، ليس أقلها كمصدر مستمر للعتاد العسكري، ولكنها تحتاج أيضاً إلى السعودية لأن الاثنين معاً يمكنهما إلى حد كبير السيطرة على أسعار النفط على مستوى العالم. في هذا السياق، عليها أن تضحي بإسرائيل”.