يخطئ نتنياهو الحساب عندما يتصور أن بمقدوره أن يقضي على حركة المقاومة حماس في غزة. حماس ليست مجرد تنظيم، ذي هيكلية سياسية وعسكرية. هي قبل كل شيء حالة عقائدية متجذرة في وجدان الغزاويين تحديداً والفلسطينيين عموماً، وهي حالة اجتماعية ضاربة في العمق، بحيث إذا أراد أحد القضاء عليها، يتعين عليه أن يقضي على مليوني غزاوي بالحد الأدنى، وعدة ملايين فلسطيني وعربي ومسلم بالحد الأقصى.
خلال عقود راكمت حماس رصيدها في قلوب الفلسطينيين حتى أسرتها، فباتت عنواناً عريضاً ينضوي تحته الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات. وحماس شأنها شأن كل المقاومات العربية الأخرى التي حاولت أميركا شيطنتها على مدى العقود الماضية لكنها أخفقت.
حزب الله، الجهاد الإسلامي، حماس، فصائل المقاومة الإسلامية في العراق، أنصار الله في اليمن، كلها فصائل مقاوِمة عربية، سخّرت أميركا لتشويه صورتها أساطيل وإمبراطوريات إعلامية ضخمة، لكنها لم تحصد إلا خيبة الأمل.
يبدو أن اجتماعات الكابينت التي عقدت على مدى شهر وبعض الشهر من عمر معركة طوفان الأقصى، قد خرجت بتصور مفاده: إن إسقاط حماس ليس بالهدف السهل، لكنه ليس مستحيلاً. الأمر يحتاج إلى بعض الوقت. إن تصوراً كهذا ما كان ليرتسم في ذهن نتنياهو وحكومته المصغرة لولا بعض جرعات الأمل والتشجيع التي حصل عليها الأخير من الراعي الأميركي غير الصالح. فهل أخطأ بايدن حساباته أيضاً، أم أنه يسير بخطى واثقة ومدروسة؟
إن جزءاً مهماً من الأسباب والعوامل التي تنحو بنا إلى الاعتقاد بحتمية انتصار “حماس”، إضافة إلى ما مر معنا من جلادة وصمود المقاتل الفلسطيني هو تداعي دول وفصائل محور المقاومة لنصرة غزة. هذا الالتفاف الذي حظيت به حماس من قبل محور المقاومة شكل لها رافعة سياسية وعسكرية سيحسن قادتها السياسيون والعسكريون استغلالها جيداً في الأيام القليلة المقبلة، وهذا برأينا ما سيمنع نتنياهو من الوصول إلى أهدافه المرسومة بعناية.
في خطابه الذي حظي بمتابعة واهتمام واسعَين الجمعة الفائت أعلن سماحة السيد حسن نصر الله صراحةً عن عدم دراية محور المقاومة بموعد وطبيعة معركة طوفان الأقصى، وهو ما فسره سماحته على أنه استقلالية المقاومة الفلسطينية في اتخاذ القرارات، وذلك بعكس ما يصور بعض مناوئي القضية الفلسطينية من العرب المطبعين، فهل سينجح العقل الفلسطيني المبدع في استكمال ما بدأه في ٧ تشرين الأول؟
إن ما يقوم به نتنياهو حالياً في غزة يمكن أن يُفسر على نحوين متكاملين غير متضاربين:
_ النحو الأول، محاولة إجهاد حماس عبر استهداف بنيتها العسكرية، وصولاً إلى هزيمتها أو استسلامها.
_النحو الثاني، تكبيد المدنيين الفلسطينيين خسائر كبيرة في الأرواح والبنى التحتية بغرض تحريضهم على حماس ودفعهم للخروج عليها.
صراحةً نقول، كِلا النحوين أو السيناريوهين غير قابلين للتحقق، وذلك للأسباب التالية:
١_ حماس عصية على الهزيمة، نظراً لما أعدته من عدة وعتاد، وخطط عسكرية مسبقة، قادرة على إنزال أقسى الضربات في القوات الإسرائيلية، وعلى جرها إلى حرب استنزاف طويلة.
٢_ الغزاويون حسموا خياراتهم، فهم إلى جانب حماس وفصائل المقاومة الأخرى أمواتاً أو أحياءً، وبالتالي مهما بلغ حجم التضحيات، فإنهم عاكفون على الصمود.
٣_ لن يسمح محور المقاومة بانكسار حماس.
٤_ الإسرائيليون يعلمون جيداً أن تثبيت نقاط عسكرية في غزة هو ضرب من ضروب الانتحار.
لقد جرب الإسرائليون ذلك من قبل وفشلوا. فشلوا في لبنان بعد اجتياح العام ١٩٨٢ وإبان احتلال الجنوب، وفشلوا في غزة والضفة خلال محاولات سابقة.
إن تمركز قوات إسرائيلية في غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية، يعني في جملة ما يعنيه تحويل هذه القوات إلى أهداف بمتناول يد المقاومة الفلسطينية، أو إلى صيد سهل، وهذا ما يخشاه القادة العسكريون والأمنيون الإسرائيليون، وتكاد ترتعد فرائصهم له.
تفيد الأخبار المتواترة من أرض المعركة أن قوات الاحتلال نجحت في الوصول إلى محيط مستشفى الشفاء حيث تدور الآن معارك ضارية هناك، بينها وبين المقاومة الفلسطينية.
إن أخباراً كهذه حتى وإن كانت تشي بإحراز القوات المهاجمة تقدماً ميدانياً، إلا أن ذلك لا يعني الشيء الكثير. فالعبرة ليست في تقدم القوات المهاجمة لأن هذا أمر متوقع، وإنما في مدى قدرة هذه القوات على تثبيت نقاط عسكرية لها.
الخبراء العسكريون الآن يتحدثون عن معارك استنزاف ستخوضها حماس وفصائل المقاومة الأخرى في الأيام المقبلة، ما سيكبد قوات الاحتلال خسائر فادحة، ستدفع بها إلى التراجع مجدداً، ما يعني في المحصلة أن “إسرائيل” ما زالت حتى الساعة بعيدة عن إحراز أي نصر عسكري حاسم، وهو ما سيعيدها بطبيعة الحال إلى المربع الأول.
د. علي زعيتر