أمام استمرار ارتكاب الكيان المؤقت للمجازر بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بدعم أمريكي واضح، صعّد اليمن عبر جيشه واللجان الشعبية من دورهم المساند للمقاومة الفلسطينية في معركة طوفان الأقصى، عبر إطلاق رشقة كبيرة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وصواريخ كروز. ليتأكّد من خلالها مرّةً أخرى، معنى قول رسول الله محمد (ص): “الإيمان يمان والحكمة يمانية”. والحكمة كما يعرفها علماء اللغة: “فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي”. فقادة اختاروا هذه المرّة رسائل عسكرية، تُثبت الوعود بالتأثير، الذي تعرف أمريكا ومن خلفها إسرائيل، مدى خطورته وخطورة تصاعده.
فهذه الخطوة اليمنية العسكرية لم تكن الأولى، إنما كانت خطوة أخرى ضمن مسار دعم بالغة الأهمية والدلالات، خاصةً أن الإعلان عنها قد جاء من جهة رسمية، تُؤكّد فيه بوضوح، وقوفها الى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته، ضمن معادلة محور القدس والمقاومة: “وحدة الساحات”.
ومن الناحية العسكرية، فإن هذا الهجوم كان بالغ الخطورة على إسرائيل، بعدما كانت تظنّ بأن مدينة إيلات ستكون قادرة وآمنة، من أجل إيواء المستوطنين النازحين من منطقة غلاف غزة، وبعدما كانت تخطّط سابقاً، لجعل منطقة النقب (جنوب ووسط فلسطين المحتلّة)، قلب الكيان الأمني والعسكري والتكنولوجي، البعيد الى حدّ ما عن رعب الشمال، ليجعلها أمام واقع يقول بأن الرعب قادمٌ من الجنوب أيضاً. وعليه فإن الرسالة اليمنية لن تصل الى الإسرائيليين فقط، بل ستصل للأمريكيين والدول التي تتبعها، بأن السيد عبد الملك الحوثي يملك القدرات التي تخوله صنع معادلات ردع ورعب في كل منطقة البحر الأحمر، وربما تكشف الأيام القادمة قدرات أكبر وأخطر على المعسكر الأمريكي.
وبالعودة الى الهجوم الذي نفذّه الجيش اليمني الثلثاء الماضي، كشف المتحدث الرسمي بالقوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع، في بيان صحفي أن “هذه العملية هي العملية الثالثة نصرة لإخواننا المظلومين في فلسطين”. وأنه تم إطلاق دفعة كبيرة من الصواريخ الباليستية والمجنحة، وعدد كبير من الطائرات المسيّرة على أهداف إسرائيلية مختلفة في فلسطين المحتلة، مؤكداً استمرارهم في تنفيذ المزيد من الضربات النوعية بالصواريخ والطائرات المسيّرة، حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي. من جهةٍ أخرى أعلن جيش الاحتلال تفعيل منظومة “السهم- حيتس” الدفاعية للمدى الطويل، لأول مرة لصدها، وعرض أيضاً كيفية استخدامه لطائرة F-35 الحربية من أجل اسقاط صاروخ كروز. وذكرت هيئة البث الإسرائيلية، أن الكيان يدرس الرد على اليمن، بعد إطلاق صواريخ باتجاه إيلات.
القيمة العسكرية المهمة
هذه الخطوة اليمنية وما سيتبعها، مع استمرار العدوان الإسرائيلي الأمريكي على قطاع غزة، ستشكّل فتح جبهة شديدة التعقيد ضد الكيان المؤقت، المرهق أصلاً في كافة المستويات السياسية والأمنية والعسكرية والخدماتية، بسبب ما حققته المقاومة الفلسطينية خلال عملية طوفان الأقصى، وبسبب ما يحصل أيضاً على الجبهة الشمالية ضد المقاومة الإسلامية في لبنان – حزب الله.
أمّا أبرز التأثيرات العسكرية المباشرة:
_ دعم المقاومة الفلسطينية معنوياً وعسكرياً، من خلال فرض ضغط عسكري على صنّاع القرار العسكري والسياسي الإسرائيلي. وهذا ما ألمح إليه تصريح وزير الحرب الإسرائيلي يؤاف غالانت حول الموضوع، عندما قال بأن الردّ على الخطوة اليمنية سيكون بالتعاون مع الإدارة الأمريكية. والأخيرة قد تمنع حصول أي خطوة تصعيدية ضد اليمن، بسبب مخاوفها من اتساع دائرة الصراع في المنطقة.
_ دفع الإسرائيليين الى توزيع ونشر منظومات دفاعهم الجوي بمختلف طبقاتها، بعدما كانت محصورة حول جبهتي غزة والشمال (وهذا ما يُستدلّ عليه باستخدام تل أبيب لطائرة F-35 ومنظومة حيتس -2 لأول مرّة خلال طوفان الأقصى).
بالإضافة الى أن الأمريكيين أيضاً، قاموا بتفعيل إجراءات الدفاع الجوي بمختلف مستوياته في البحر الأحمر والمنطقة، بالتنسيق والتعاون التّام، مع السعودية والإمارات ومصر والأردن، لرصد والتصدي لأي عمليات هجومية يمنية ضد الكيان (مثل مزاعم اعتراض السفينة الأمريكية “يو إس إس كارني” منذ أيام لحوالي 15 طائرة وصاروخ).
وهذا ما سيتيح تشتيت جهود وقدرات المعسكر الأمريكي لرصد واعتراض هجمات مماثلة من جبهات وساحات أخرى (مع الإشارة الى نقطتين هامتين: تكلفة الصواريخ الاعتراضية لجميع المنظومات المتاحة لاعتراض ما يمكن لليمن إطلاقه من صواريخ وطائرات مسيرة تتجاوز المليون دولار أمريكي للصاروخ الواحد، أما النقطة الثانية فإنه لا يمكن الجزم بصحة اعتراض أمريكا أو إسرائيل لجميع الصواريخ والطائرات المسيّرة اليمنية دائماً، خاصةً إذا لم يقدما توثيقاً واضحاً بذلك، فاليمنيون بات لديهم الخبرة الكبيرة في تمويه هجماتهم وخداع أغلب المنظومات الاعتراضية).
_ أمّا أبرز التأثيرات العسكرية غير المباشرة، فإن هذه الضربة تّثبت وجود قدرات عسكرية مهمة لدى اليمن، تجعلها قادرة على التهديد بقطع طرق التجارة الدولية في باب المندب في مصر والبحر الأحمر وقناة السويس (وما لذلك من تأثيرات استراتيجية عالمية وأيضاً على الكيان المؤقت الذي يعتبر البحر الأحمر شريان اقتصادي هام بالنسبة له)، في حال استمرار العدوان الأمريكي الإسرائيلي على غزة.
كما تثبت بأنّ لكل ساحة من محور المقاومة قدرات، تمكّنها من إحداث تحركات جيوستراتيجية في دوائر أوسع بكثير، من الساحة التي يدور فيها صراع عسكري ما.