كان المطلوب من اعتماد العدوان الصهيوأمريكي على سياسة الأرض المحروقة عبر تدمير ممنهج للمباني وتسويتها بالأرض وقتل المدنيين والتعمد بإيقاع أكبر عدد ممكن من الشهداء، أن تكون خطوة في مسار اجتياح غزة البري والقضاء على المقاومة الفلسطينية، فأصبحت فاتحة مسار مختلف، قالت معه القوات المسلحة اليمنية كلمتها في ساحة معركة “طوفان الأقصى”.
وضمن هذا المسار وبلغة لا يفهم شفرتها إلا حلفاء الساحة الموحدة من الساحات المختلفة لقوى محور المقاومة، أعلنت القوات المسلحة اليمنية الثلاثاء، تنفيذ عدد من الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على مواقع العدو الصهيوني في الأراضي المحتلة، في إطار الرد على عدوانه وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني وجرائمه.
وأوضحت القوات المسلحة في بيان صادر عنها ألقاه المتحدث الرسمي العميد يحيى سريع، أن “القواتِ المسلحةَ اليمنيةَ تؤكدُ أن هذه العمليةَ هي الثالثةُ نصرةً لإخوانِنا المظلومينَ في فلسطينَ”. وأكدت القوات المسلحة استمرارها في تنفيذِ المزيدَ من الضرباتِ النوعيةِ بالصواريخِ والطائراتِ المسيرةِ حتى يتوقفَ العدوانُ الصهيوني.
وجدد البيان التأكيد على موقفَ الشعبِ اليمنيِّ الثابت والمبدئي تجاهَ القضيةِ الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطينيِّ الكاملَ في الدفاعِ عن النفسِ ونيلِ حقوقِهِ المشروعةِ كاملةً.. مشيرا إلى أن ما يُزعزعُ المنطقةَ ويوسعُ من دائرةِ الصراعِ هو استمرارُ كيانِ العدوِّ الصهيونيِّ في ارتكابِ الجرائمِ والمجازرِ بحقِ أهالي قطاعِ غزةَ وكلِّ فلسطينَ المحتلة.
وكان المجلس السياسي الأعلى قد أعلن في وقت سابق أن صنعاء لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة، جراء العدوان الصهيوأمريكي وأن تجاوز الخطوط الحمراء يحتم على اليمن القيام بدوره وواجبه الإنساني والديني.
وأكد عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله محمد البخيتي، أن “العملية نفذت بعدد كبير من الصواريخ البالستية والمسيرات والعدو اعترف بإسقاط صاروخ واحد وتكتم على الباقي”.. منوها بأن “أمريكا اليوم مشاركة في العدوان على غزة وهي تتجاوز الخطوط الحمر التي وضعها اليمن”.
وقال البخيتي في مقابلة تلفزيونية: إن “أمريكا أرسلت تهديداتٍ إلى اليمن، فما كان من القوات المسلحة إلا أن ردّت بإطلاق الصواريخ الموجهة”.. مشيراً إلى أن “واشنطن أرسلت تهديدها عبر الوسيط العماني لكن السيد الحوثي كان قد أكد أنّ اليمن سيتدخل متى ما تدخّل الصهيوني براً في غزة”. وأضاف البخيتي: “الأمريكيون والصهاينة اعترفوا باعتراض صاروخ يمني واحد.. فأين بقية الصواريخ؟”.. مبيناً “لدينا الكثير من الخيارات في حال ارتكبت أمريكا أو “إسرائيل” أيّ حماقة بحق اليمن”.
وكانت تقارير صهيونية قد أشارت، إلى أن أنظمة الدفاع تصدت أمس الثلاثاء لهدف في سماء إيلات دون تفعيل صافرات إنذار، ويأتي هذا بعد حدث شبيه جرى في نفس اليوم. وبحسب التقارير قال جيش العدو الصهيوني في بيان صدر عنه: إن الانفجارات في إيلات جنوبي الأراضي المحتلة، هي بسبب اعتراض سلاح الجو الصهيوني صاروخ أرض – أرض و”تهديد جوي” بالبحر الأحمر.
واللافت للنظر أن وسائل إعلام العدو الصهيوني تحدثت في وقت سابق عن انفجارات في ميناء إيلات جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكانت القوات الأمريكية قد أعلنت قبل أيام عن تصديها لهجوم واسع بالصواريخ والمسيرات في شمال البحر الأحمر، مدعية إسقاط هذه الصواريخ قائلة: إن مصدرها اليمن. كما نقلت تقارير إعلامية عن مصادر عسكرية أرتيرية، القول: “تعرضت القاعدة العسكرية الصهيونية في دهلك بأرتيريا جنوب البحر الأحمر لعملية نوعية أدت لسقوط قتلى وجرحى من الضباط الصهاينة”.
وهنا ينوه الكاتب والباحث العراقي في الشأن السياسي والأمني، أثير الشرع في حديثه لموقع “المشاهد” الإخباري بأن “الهجوم الصاروخي اليمني كان رسالة تحذير قوية للعدو الذي يُعد لاقتحام غزة من الشمال، وفعلا وصلت الرسائل التي أرسلتها فصائل المقاومة واليوم يفكر العدو الصهيوني ألف مرة قبل الإقدام على الهجوم البري واجتياح غزة”.
فيما يرى الخبير العراقي في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، مخلد حازم، أن الحرب القائمة الآن بين كيان العدو الصهيوني وحركة حماس في غزة لها تداعيات في أكثر من منطقة، خصوصًا مناطق محور المقاومة الذي يضم اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين.
وفي حديثه لـ”المشاهد”، يقول حازم: “الصواريخ التي انطلقت من اليمن ما هي إلا رسالة تم الاتفاق عليها من قبل محور المقاومة، وفي نفس التوقيت حصل هناك استهداف لقاعدة عين الأسد، وقاعدة حرير، وقاعدة كونيكو في سوريا.. هذه رسائل إنذار إلى الجانب الأمريكي الذي يقف مع الكيان الصهيوني”.
بدوره يقول الباحث السياسي إيهاب جبارين: “ما حصل تهديد حقيقي لـ”إسرائيل” التي قالت إن تلك الصواريخ كانت موجهة إليها، وبالتالي هي معرضة لعدة جبهات، وهذا السبب أعطاها نوعًا من الكبح لجموحها بعد أن وجدت نفسها في حرب متعددة الجبهات”.
وتأتي هذه التطورات العسكرية الجديدة في الوقت الذي نفّذت قوات كتائب الدعم والإسناد في الجيش اليمني، مناورة عسكرية، بعنوان “طوفان الأقصى”، بالتزامن مع استمرار معركة المقاومة الفلسطينية ضد قوات العدو الصهيوأمريكي والتي انطلقت في السابع من أكتوبر الماضي.
وقال قائد قوات الدعم والإسناد اللواء قاسم الحمران: إنّ “هذه المناورة تأتي في وقت تواجه فيه غزة أبشع عدوان عرفته البشرية”.. مؤكداً جاهزية هذه القوة التي هي جزء لا يتجزأ من القوات المسلحة اليمنية. وأضاف: إنّه “في ظلّ ما يتعرّض له شعب فلسطين من عدوان غاشم وجرائم حرب وإبادة جماعية، كان لزاماً على الجيش اليمني بما فيه كتائب الدعم والإسناد أن يقوم بواجبه، ويعد العدة ويكون على أتمّ الجاهزية لمواجهة تلك الأخطار والتحديات ومساندة المجاهدين في غزة الذين سطّروا أروع الملاحم البطولية ولقّنوا العدو الصهيوني دورساً قاسية”.
واعتبر الحمران مناورة “طوفان الأقصى”، “غيض من فيض”، ورسالة للعدو الصهيوأمريكي وأذنابه في الداخل والخارج بالجاهزية التامة والحضور الفاعل لأي مواجهة يتطلّبها الميدان في أي مكان وزمان.
فمن طوفان الأقصى إلى طوفان الرؤوس الحربية لصواريخ المقاومة في اليمن، يمكن القول: إن الرسائل الصاروخية اليمنية تؤكد انتقال اليمن من مرحلة الدعم والتأييد إلى مرحلة الانخراط والمشاركة الفعلية في معركة “طوفان الأقصى” ضد قوى العدوان الصهيوأمريكي.