مقالات مشابهة

ما وراء تراجع كيان العدو “إسرائيل” عن اجتياح غزة ؟

بعد 22 يوم من فشل عملية “الأرض المحروقة” التي تشنها كيان إسرائيل على قطاع غزة على خلفية عملية “طوفان الأقصى” الموجعة للجيش الصهيوني وأمريكا ودول الغرب، تتراجع تل أبيب عن قرار اجتياح غزة، بشكل يعكس حالة الضعف التي تخفيه.

ويوم الأثنين 23 أكتوبر 2023، أعلنت إذاعة جيش الكيان الصهيوني تأجيل العملية البرية في قطاع غزة حتى وصول قوات أمريكية إضافية تحسباً لأي هجوم مباغت في إشارة لدول محور المقاومة وهي اليمن وسوريا وإيران وحزب الله .

وبحسب الإذاعة العبرية، فقد أبلغت قيادة البنتاغون الامريكية حكومة نتن ياهو، أنها سترسل قوات إضافية لتخيف حالة الخوف بين قيادات وضباط وجنود الاحتلال الصهيوني.

كابوس الكيان

ومُنذ انسحاب الكيان الصهيوني من غزة في العام 2005 ، عاودت اجتياحه براً مرتين ، في العام 2009 ، باسم عمليات “الرصاص المصبوب” واستمرت 15 يوم و”الجرف الصامد” في العام 2014، لمدة 19 يوم ، تنفذ وحدات متخصصة من الجيش الصهيوني من حين لآخر، عمليات استطلاعية وهجومية برية محدودة على حدود قطاع عزة بتغطية جوية لجس نبض واستنزاف قوة المقاومة الفلسطينية.

وأعلنت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، اليوم السبت، إفشالها الهجوم البري الذي شنّه جيش العدو الصهيوني على غزّة عبر ثلاثة محاور.. مؤكدةً إيقاع جنوده بين قتيلٍ وجريح. وقالت الحركة في بيان صحفي لها : إنّها أوقعت جنود العدو في كمائن أعدتها المقاومة الفلسطينية.

وحشد الجيش الصهيوني أكثر من مائة ألف جندي على حدود قطاع غزة وجهز نحو 300 ألف جندي احتياط استعدادا للهجوم البري الواسع الغير محدد موعده الزمني ، في حين يصف محللين صهاينة الإقدام على اجتياح غزة بالكابوس والمخاطرة الغير محسوبة والتي ستخلف خسائر فادحة، وربما تشوّه سمعة الجيش إذا ما فشلت كسابقاتها التي لم تكسر شوكة المقاومة الفلسطينية وتنهي قوة حركة حماس في غزة.

يقول مهندس المتفجرات الصهيوني إيال لـ صحيفة “فاينشال تايمز”: “الأمر أشبه بكابوس ،أنه كابوس واقعي وكل شيء تلمسه قد يكون قنبلة وكل شخص تراه قد يكون مقاتلاً فلسطينياً”. فيما علق أيهود أولمرت للصحيفة ذاتها، بالقول :” أن ما ينتظر الجنود الصهاينة هو أسوأ ما يمكن تخيُّله”.. مضيفاً: “لن يكون الأمر بسيطاً ولن يكون ممتعاً لنا ولهم”.

الضربة الأقسى

في المقابل، قال المتحدث العسكري باسم كتائب عز الدين القسام، حذيفة الكحلوت، الملقب ب أبو عبيدة :”أن التهديد بالعدوان البري لا يرهبنا ولا نخشاه وجاهزون للتعامل مع أي قوة غاشمة يزج بها العدو”.. لافتاً إلى تساقط جنود الكيان كالجراد أمام مقاتلي المقاومة.

وأضاف في تسجيل مرئي :” تعمد العدو الصهيوني مُنذ اليوم الأول للعدوان القصف الجوي على شعب أعزل في غزة، خوفاً من أن توجه له الضربة الأقسى في تاريخه حال مواجهة مقاتلينا “.. محذراً، أنه لا خطوط حمراء عندما يتعلق الأمر بالرد على عدوانه. أبو عبيدة قال أيضاً:” أن الكيان لا يعلم بنتائج عملية “طوفان الأقصى” “مؤكداً أنها ستستمر حتى تحرير القدس والمسجد الأقصى واستعادة الأسرى وكل أرض فلسطين”.

لعل السؤال الأكثر غموضاً وتداولا يكمن في معرفة الأسباب التي تقف وراء تأجيل الكيان هجومها البري على غزة؟
فمند الضربة الأولى لعملية “طوفان الأقصى” التي تشبه الضربة الارتجاجية لرأس الأفعى، ولا يزال تأثيرها ساري المفعول في أدمغة ساسة وجنرالات الكيان، فتارة يعزون تأجيل العملية البرية إلى سوء الأحوال الجوية وتارة آخرى إلى عدم الجهوزية القتالية في صفوف الجنود والضباط، ومبررات أخرى مثل تحذيرات قادة وادميرالات الغرب والأمريكان اللوجستية لتل أبيب في أن عملية الاجتياح ستكون بمثابة فخ جرذان.

لكن في لغة الساسة والخبراء العسكر، تكشف تلك المبررات المؤجلة للمعركة البرية لمرات عديدة، حالة الضعف لدى حكام كيان إسرائيل وحدة الانقسامات التي تعصف بقياداتها والمجتمع الصهيوني بشكل عام، بفعل عملية “طوفان الأقصى” الذي خلقت حالة من الهلع والخوف في مواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية المكونة من بضع ألاف مقاتل في قطاع غزة.

وبحسب موقع هيئة البث وموقع “واللا” الإخباري الصهيوني، يتبادل المسئولين الصهاينة الاتهامات محملين نتن ياهو الفشل وتأجيل العملية البرية في حين يصفه البعض بالجبان، بينما يؤكد موقع البث استعداد الجيش في اجتياح غزة.

يتضح فشل حكومة النتن ياهو جلياً في عدم تحقيق أهدافها المعلنة مُنذ إطلاق عمليات “الأرض المحروقة” و”السيوف الحديدية” ، اللاتي لم يحالفها الحظ حتى اللحظة في إيقاف عملية “طوفان الأقصى” ويدمرا حركة حماس ويهجرا سكان غزة إلى سيناء، ضف إلى ذلك أنها لم تستعيد الأسرى الصهاينة من قبضة الحماسيين.

صمت مطبق وألاف الشهداء

وفي ظل الصمت العربي والعالمي والحصار المطبق وتوقف خدمات المستشفيات بسبب انعدام الأدوية الطبية والأغذية الأساسية وانقطاع كلي للمياه والتيار الكهرباء وخدمات الأتصالات الأرضية والنقالة وشبكة الأنترنت ،يواصل طيران العدو الصهيوني قصفه الغير منقطع بشكل هيستيري، على أكثر من مليوني ومائتين ألف نسمة هم عدد سكان قطاع غزة ، ما يعكس المنشأ الفكري والعقيدة الدموية الذي بُنيت عليها فكرة كيان بني صهيون.

حيث ترتفع أرقام حصيلة شهداء غزة بشكل لا يتخيله العقل البشري ، وما بين لحظة وأخرى تتغير أعداد الحصيلة الذي وصلت حتى كتابة هذا التقرير إلى 7703 شهيدا منهم 3195 طفلا و1863 أمراه وأكثر من 19743 ألف مصاب أغلبها إصابات بالغة، في حين تجاوز عدد شهداء الضفة الغربية 111 شهيد، و1950 جريح.

أزمة ثقة

وبالعودة لعملية “طوفان الأقصى”، التي أنتجت أزمة ثقة كبيرة بين صفوف ساسة الكيان للصهيوني وقادة جيشها، حيث كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، العبرية الإثنين الفائت، هروب جماعي لقادة وضباط وجنود من وحدات الجيش، ناهيك عن تهديدات وزراء بالاستقالة من حكومة نتن ياهو، لإجباره على الاعتراف بالفشل في منع هجوم “طوفان الأقصى” المباغت.

وبحسب صحيفة “هآرتس”، يعاني مئات من جنود الصهاينة من أزمات نفسية ونوبات بكاء وكوابيس مرعبة بعد مباغتة عملية الطوفان، حيث يقبلون على طلب أخصائيين نفسيين لتخفيف الضغط النفسي وحالة الارتباط التي يعانون منها، وهو يؤكده، خبير الصدمات النفسية في أن الجيش لا يتخذ أي خطوات فعالة لمنع الصدمات، معتبرا ذلك خطأً كبيراً.

وفيما تشير استطلاعات راي أجراها معهد “لازار” للأبحاث لصالح صحيفة “معاريف”، أن نسبة 80 بالمائة في كيان إسرائيل يُحملون نتن ياهو المسئولية، يتظاهر مئات ألاف الصهاينة بشكل شبه يومي أمام مبنى وزارة الدفاع ومنزل رئيس الكيان الصهيوني إسحاق هرتسوغ، مطالبين بإقالة نتن ياهو واستعادة الأسرى.

ووفق المحللين فأن نتن ياهو يتهرب من إعلان شن عملية برية خوفاً من أن يتحمل مسئولية الهزيمة والخسائر الكبيرة التي قد تنتج عنها.. لذا فإن المخرج الوحيد القادر على تخفيف الضغط المجتمعي عليه ومسح عار هزيمة يوم السابع من أكتوبر هو الانتصار على المقاومة الفلسطينية، وهذا في نظر المحللين قد يكون شبه مستحيلاً .

ردود أفعال

تتزايد حدة ردود الأفعال الشعبية العربية والدولية في ظل مواصلة الكيان الصهيوني عملية “الأرض المحروقة” التي ينفذها سلاحه الجوي على قطاع غزة، حيث يخرج أحرار العالم في تظاهرات ومسيرات ووقفات مناصرة لشعب غزة ودعماً للمقاومة الفلسطينية، داعين للجهاد وإيقاف المجازر اليومية للصلف الصهيوني.

أن هذا القصف الهيستري الذي تشنه كيان إسرائيل على سكان غزة، جعل دول المحور تضع جيوشها على أهبة الاستعداد وأصابعها على الزناد ناهيك عن تقديمها الدعم المالي والمادي وفتح أبواب التبرع للمقاومة وشعب فلسطين.. ليس ذلك فحسب، بل أعلنت المشاركة عسكرياً في حال قرر جيش الكيان الصهيوني اجتياح قطاع غزة.

الوفاء لفلسطين

لقد تصدر الموقف اليمني الرسمي والشعبي حيال الحرب التي تشنها كيان إسرائيل في صدارة الحدث ، حيث قال فخامة المشير الركن مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى: “سنكون أوفياء مع فلسطين الإسلام والعروبة “، داعياً إلى التبرع لفلسطين والمساهمة في معركته ضد الكيان الصهيوني.. واصفاً عملية “طوفان الأقصى” بالملهمة.

وأضاف: ”سيركع العدو الصهيوني وأميركا إذا وحد العرب مواقفهم “.. مخاطباً الحكام العرب: “ستخرج عليكم شعوبكم الحرة وتلفظكم وتعريكم وتكشف زيف انتمائكم”.

وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور عبد العزيز بن حبتور، هدد بضرب سفن الكيان الصهيوني في البحر الأحمر في حال واصلت عدوانها على قطاع غزة.. مؤكداً إطلاق اليمن صواريخ ومسيرات إلى الأراضي المحتلة في فلسطين، أغلبها حققت أهدافها. بدوره، صرح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إن الجرائم ضد الفلسطينيين ستتلقى رداً من محور المقاومة.

اشتباكات وتهديدات

على الصعيد الميداني، تتصاعد حدة الاشتباكات المحدودة بين مقاتلي حزب الله وجنود الكيان الصهيوني على المناطق الحدودية في لبنان والأراضي المحتلة، بشكل يعكس حدة التهديدات المتبادلة، حيث هدد الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، إن حزبه سيعيد كيان إسرائيل إلى “العصر الحجري”، وذلك رداً على وزير دفاع الكيان يوآف غالانت والذي هدد بإعادة لبنان إلى العصر الحجري.

وبينما يتبادل الطرفين عمليات القصف بشكل يومي على المناطق الحدودية، يشير محللين إلى احتمال مشاركة حزب الله دخول الحرب إذا ما قررت الكيان الصهيوني اجتياح قطاع غزة.. وهو ما يؤكده، الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، مهند الحاج علي، لفرانس برس، أنه في حال قرر الجيش الصهيوني اجتياح غزة فإن ذلك يستدعي دخول حزب الله إلى المعركة.

بوادر حرب إقليمية

يدرك قادة الغرب والكيان الصهيوني أن خارطة الشرق الأوسط قد تغيرت، فلم تعد كما كانت في مطلع القرن الواحد والعشرين وإلى ما قبل العام 90 من القرن الماضي، بعد أن برزت قوى دول محور المقاومة والتي هي دول اليمن وسوريا وإيران وحزب الله اللبناني، كقوى خرجت من قيود الوصاية الخارجية ومناهضة للسياسات والمشاريع التقسيمية في المنطقة، ناهيك عن ظهور تيارات سياسية وقومية وإسلامية تمقت الوجود والاحتلال الصهيوني ومخططات ساسة الغرب والبيت الأبيض.

يشير الصحفي البريطاني ديفيد هيرست، إلى احتمال اشتعال حرب إقليمية على حدود كيان إسرائيل أكثر من أي وقت مضى “في إشارة إلى تغير التركيبة الأيدلوجية والسياسية في منطقة الشرق أوسطية”، فحزب الله وحركة الجهاد الإسلامي في لبنان قد وضعا أياديهم على الزناد وهذا يعني أن كيان إسرائيل ستفقد أمنها وقد ينتهي الأمر بنهايتها.

حيث يؤكد المخضرم هيرست، الذي يعمل رئيس تحرير موقع ميدل إيست آي بالقول: “قد ينتهي الأمر بكيان إسرائيل إلى حدود مفتوحة ما يجعلها عرضة لغارات مستمرة من جانب محور المقاومة من لبنان إلى اليمن إلى الأردن إلى مصر”. ويضيف: “إن أي حملة في غزة يمكن أن تغير الشرق الأوسط وقد تأتي بنتائج عكسية خطيرة ولابد من وقفها قبل فوات الأوان”.

أهداف خفية

التلكؤ والتردد الذي يظهره ساسة الكيان الصهيوني والغرب بزعامة أمريكا بمساعدة أغلب قادة الشعوب العربية، ينم عن حاله ضعف وارتباك يخفيه أولئك الساسة داخل الكواليس، لكن ربما ذلك الارتباك الملحوظ الذي يخفي خلفه أهداف بعيدة، قد يطفو قريباً على السطح وستكون نتائجه غير المحسوبة كارثية قد تعم المنطقة إذا ما تم اجتياح غزة.

تظهر تلك السياسة الرعناء التي يخفي أبعادها العدو الصهيوني على الواقع في تعمده بتدمير قطاع غزة وتسوية مبانيها على الأرض دونما رادع عربي أو دولي، بهدف كسر قوة وهيبة وهمة ومعادلة المقاومة العسكرية فلسطينياً وعربياً وإسلامياً وناهيك عن انتهاج سياسة تهجير مواطني غزة إلى سيناء وتفريغها من أجل تمرير المشروع الصهيوـ عربي الاستراتيجي المتمثل في فتح قناة بن غوريون التي تمتد من رأس العقبة جنوب الأراضي المحتلة حتى سواحل غزة غرباً كممر مائي بديلاً عن قناة السويس.

أن الرسالة التي أرادت عملية الطوفان إرسالها للشعوب العربية، مفادها أن المقاومة الفلسطينية كسرت أسطورة كيان إسرائيل وجيشها الذي لا يقهر في عملية واحدة فقط، فماذا لو قامت جيوش 22 دول عربية…؟

إن ما تخشاه الكيان الصهيوني وما يؤثر في تكرار تأجيل قرار إطلاق عمليتها البرية في قطاع هو تخوفها من دخول حزب الله اللبناني وما تتوقعه من مفاجأة من جبهتي اليمن وسوريا، ضف إلى ذلك تأكيد المحللين في تخوف جنود الاحتلال من أن أرض غزة ستبتلعهم في باطنها على أيدي مقاتلي المقاومة الفلسطينية خصوصاً في ظل عدم امتلاكهم خارطة وأدنى معلومات استخباراتية عن مدينة مترو أنفاق غزة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صادق سريع

المصدرالسياسية