على إيقاع سيمفونية انين الثكالى وصراخ المصابين وفزع الأطفال واشلاء الضحايا، اطلقت مصر قمة جديدة تحت شعار “السلام” غابت عنها اطراف القضية وقاطعتها حتى دول عربية تحمل لواء فلسطين او تساندها، بينما اكتظت القاعة بداعمي الاحتلال على مختلف هوايتهم العربية والغربية، فما إمكانية تحقيق القمة ولو لأبسط اجندتها بوقف الحرب؟
كعادته اليومية واصل الاحتلال الإسرائيلي قصفه البربري لغزة ، من البر والجو والبحر، وبخارطة اهداف شملت الكنائس والمساجد والمدارس والمستشفيات وحتى المخابز بعد ان هد الأبراج والمنازل على ساكنيها.
لم يبقى للاحتلال اهداف جديدة بعد أن القى خلال الايام الأولى من العدوان ما اسقطته أمريكا من القنابل على أفغانستان والعراق خلال سنوات، وكل ما يدور هناك لا يتجاوز عملية تمشيط يومي لاصطياد ما تبقى من احياء سكان القطاع او منع أي محاولة توغل جديدة للمقاومة.
لم يأبه الاحتلال الذي يحشد لعملية برية لقمم الرياض او القاهرة، ولم يقلقه سوى كابوس المقاومة التي تحاول مباغته وداعميه سواء من لبنان او العراق وسوريا وحتى اليمن، واطلقت شرارة الحرب الأولى بالفعل إيذانا بمعركة إقليمية واسعة بات يتردد صداها في العواصم الغربية والأمريكية بما فيها تلك التي أرسلت بوارجها لإرهاب ما تبقى من نخوة في نفوس العرب شعبا لا قيادة.
كان الاحتلال يتوقع ان تمهد سياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها بحق غزة ويكوي بنيرانها سكان الضفة لعملية اجتياح بري يتربع فيها على عرش الانتصار ويستعيد شيء من رباط جاشه الذي مرغته عناصر المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر.
لكن رغم كل ذلك التحشيد عديدا وعتادا وهروع حاملات الطائرات الامريكية والبوارج البريطانية والكتائب الفرنسية والألمانية لم يتمكن جيش الاحتلال الذي تصور يوما انه لم يقهر حتى الان من السيطرة على مستوطناته في غلاف غزة تلك التي لا تزال عناصر المقاومة الفلسطينية تسيطر عليها وفق اعتراف جديد لمتحدث جيش الاحتلال..
“لابد لجيش الاحتلال ان ينتصر” هذه العبارة قالها رئيس الحكومة بن يامين نتنياهو وكررها من بعده الرئيس الأمريكي والمستشار الألماني ورئيس الوزراء البريطاني والروماني وهم بذلك يحاولون استعادة مكانه الاحتلال التي أصبحت قاب قوسين او ادني على اندثارها، لكن للمقاومة كان رد اخر، فمع دخول المواجهات اسبوعها الثالث نفذت فصائل المقاومة في غزة اكبر عملية هجوم جوي على المستوطنات في شمال تل ابيب وجنوبها وهي رسالة بأن المقاومة لا تزال مسيطرة على الوضع كما يقول متحدثها “أبو عبيدة”.
بالنسبة للأمريكيين والغربيين اجمالا فإن تحقيق نصر عسكري لإسرائيل بات مستحيلا وهذه باعتراف مسؤولي إدارة بايدن وخبراء الغرب ومنظري سياستهم الخارجية، وكان ذلك دافع لان تطرق هذه الدول تركيا وقطر بحثا عن نافذة للتهدئة مع المقاومة بدأت مؤشراتها اقرب منها للحرب في ضوء اطلاق سراح مستوطنتين امريكيتين وان كانت بمقابل ارسال 20 شاحنة غذاء منزوعة الوقود.
تلك التباشير كانت ربما واحدة من الأسباب التي دفعت داعمي الاحتلال الغربيين للبحث عن مخرج جديد ولو من بوابة السلام، فهي لا تعرف الا لغة القوة، لكن انحيازها الكامل للاحتلال حرمها من تحقيق ذلك السلام الذي تسوقه منذ عقود، لذا دفعت بأقطاب قريبة من المقاومة والاحتلال لقرع طبول تلك المرحلة تحت شعار “السلام” الذي لم يراه الفلسطينيين منذ النكبة في 67، مع أن نتائجه لا تزال ضبابية.
قد تكون قمة القاهرة التي حضر فيها رئيس الوزراء البريطاني ووزيرة الخارجية الألمانية ودافعا فيها عن حق إسرائيل بالدفاع عن نفسه وسط تصفيق حار من القادة العرب المشاركين في حين تم تجاهل الإشارة للقضية الفلسطينية الا من باب زاوية المصالح الإقليمية والدولية، وغاب ممثلوها سواء في القطاع والضفة ناهيك عن غياب داعميها في المغرب العربي والشام وتقليص دول أخرى في الخليج تمثيلهم فيها إلى مستوى وزير خارجية والاهم الخطاب الذي تم تبنيه وحاول المساواة بين الجلاد والضحية بمعيار حتى بات الغرب نفسه يتبرأ منه، مجرد محاولة اخرى لتحقيق انتصار للاحتلال عجز عنه عسكريا وتصفير لعداد جرائمه المرتكبه بحق الفلسطينين في الضفة والقطاع.